.بيروت، 2024
على خطى طفل طائر في أحلامي
،ليسَ الندمُ النادر
ذلكَ الذي أَحْناني حتّى حذائي
،حينَ تَرَكْتُ أطفالَ الشوارعِ للشوارع
،حينَ سَرَقْتُ أكثرَ من صَدَفَةٍ أثناءَ غفوةِ البحر
حينَ لم أَحْزِمْ حقيبةَ روحي
،للعودةِ إلى عزلةِ الدفاتر
حينَ دَعَوْتُ العاصفةَ إلى دخولِ حياتي
لا لشيءٍ سوى أنَّني أشْفَقْتُ عليها
.وعلى الأشجار
لا أظنُّهُ الحنين، ولو أنَّني أشتاقُ أحيانًا
،إلى رصيفِ المحطّة
إلى نوافذِ الغروبِ الورديّة
،من المقهى إلى النُّضْج
،إلى أغنيةٍ من الماضي
إلى وَقْعِها الأوّل
.على مفاتيحِ البيانو المخبوءِ داخلَ خجلي
،لعلَّهُ التعب
مع أنَّني ما زلتُ أحْمِلُ الأحجار
.وأصْعَدُ السلالمَ بسلاسةِ جُمْلَةٍ موسيقيّة
أقْطَعُ الطوابقَ الشاهقةَ على قَدَمَيْنِ وشمعة
.برِفْقِ قمرٍ عملاقٍ يُوقِدُ الغيومَ بدفءِ منازل
.في الظلامِ العالي أقِفُ بوَحْدَةِ باتمان
بشجنِ بيتر بان على الصغارِ والقراصنة
أُطِلُّ على حياتيَ الماضيةِ والآتية
،من مكانٍ واحدٍ كأنَّهُ العدم
على الحياةِ التي تسيلُ بهَوْلِ أبي الهَوْل
.على نهرٍ من النَّاس
بينَ شفتيَّ تنهيدة
.تضيئُها سيجارة
المشي بين السطور
على الدربِ التي سَلَكَها سقراطُ من قَبْل
بقَدَمَيْنِ حافيتيْن
،ورداءٍ وحيدٍ في كافَّةِ الفصول
على طريقِ جاك كيرواك
ورفاقِ رحلتِهِ
الحزانى
،المجانين
على طريقةِ نُسَّاكِ الجبلِ والثلج
رُعاةِ النسيانِ الأقربِ إلى السماء
من الأميرِ الصغير
،ومِنْطادِ الطيور
وعلى سبيلِ المِزاحِ مع الحياة
لعلَّها تضحكُ لمَرَّة
.وتبادلُني الحُبَّ أو الكلام
بمُحاذاةِ النهرِ النحيلِ ذي الألفِ وجه
في أفياءِ أشجارٍ بأعمارِ مكتبات
بحذاءٍ رياضيٍّ مُجَنَّحٍ كما الريح
.أقطعُ مسافاتِ اليأسِ واليقين
أُفَكِّرُ في الشعراءِ العابرِينَ في الصدى
في المدى المرصوفِ بأزهارِ عبّادِ شمس
في أطفالٍ مُثْقَلِينَ بنهاياتِ المدن
.وقلوبُهُمْ تضحكُ وتبكي مع العصافير
.عندَ الزاويةِ تَقَعُ القيامة
.الكونُ نقطةٌ في كُرَّاسَةِ رَسْمٍ منسيّة
أمشي وأمشي وأمشي
مع المصابيحِ المُطْفَأَةِ والغيوم
مع المارّةِ والأيّام
مع السيّاراتِ المُسْرِعَة
وأحصنةِ منتصفِ الليل
مع القمرِ الواطئ كوطواط
،والأكياسِ المُتطايرةِ وَسْطَ الخُطى
أخُطُّ سطرًا يتيمًا
.ممّا يَوَدُّ قولَهُ عن نفسِهِ الطريق
أينَ اختفى الطغاة؟
على الأرجحِ كانوا أشباحًا
من أشعّةِ الغروب
.على غَسَقِ شارعِنا
كم من الخرابِ خَلَّفوا في روحي
.وعلى وجوهِ أزهارِ الرصيفِ الصفراء
على الدروبِ الدائريّةِ التي تُعيدُنا إلى الأعتاب
.أَشِفُّ وكأنَّني ورقةُ شجرٍ تُعاتِبُ الشمس
أمشي على كلماتِ الرمل
على ألواحِ خشبٍ مُتلاحقةٍ بأنينِ أغصان
.على أسفلتِ الدهشةِ والدموع
أعتذرُ لكلِّ نسمة
.حَمَّلْتُها قلبي
قُمْرَةُ القيادة قُمْرَةٌ مظلمة
تَطْوي جناحيْها وتَحُطُّ
،بسكونِ مكتبة
.الطائرةُ العملاقة
نَهْبِطُ في شارعٍ ترابيٍّ ضيّق
يتلألأُ بضوءِ قناديل
.من عصرٍ قديم
عبرَ الكُوَّةِ البيضَويّة، أُبْصِرُ بحرًا
ومنازلَ بيضاء
.مُبَعْثَرَةً على صخور
!ليست هذه باريس
نحنُ في لوحة
في نسيجِ مَدْرَجٍ غامض
.دونَما أثرٍ لسلالمَ أو حقائب
.بقيّةُ الرُّكَّابِ يبتسمون
.لا بُدَّ أنَّهُمْ وَصَلوا إلى وُجهتِهِمِ الصحيحة
بقمصانِ صيفٍ خفيفة
.وبعضُهُمْ بثيابِ الثلج
قبّعاتٌ من قشّ
.وأُخرى من صوف
،لمساعدِ الطيّارِ قَسَماتُ قُبطان
وما من مُضيفةٍ لطيفةٍ في الأُفُق
.لأستفسرَ عن بوصلتي المكسورة
هل تَحَطَّمَت الطائرةُ أثناءَ نومي؟
هل جَنَحْنا مع الأمواج
وصولً إلى هذه الجزيرة؟
،أنا في اللوحة
ولفرطِ الرطوبة
.أخشى أن تسيلَ بملامحي الألوان
على حافَّةِ البحرِ الأَدْرِياتيكيّ
بحرِ البَنادِقَة
!بحرِ البَلْقان
أُدْرِكُ موقعي بدِقَّةٍ على خطوطِ العرضِ والطول
.وكأنَّني دَبُّوسٌ أحمرُ على خارطةِ حرب
على ساحلِ إيطاليا الطويل
.على مَقْرُبَةٍ من كرواتيا الحزينة
مُجَسَّمُ الكُرَةِ الأرضيّةِ من طفولتي
.يتدحرجُ كُرَةً في ملعبي
الزرقةُ فادحة
.وكأنَّ كلَّ أحبارِ روحي تَصُبُّ عندَ هذا الرصيف
كيفَ أغادرُ اللحظة
وأواصلُ رحلتي؟
جورج الخامسُ في انتظاري
في الرَّدْهَة
.في بورتريه مَهيب
ريحٌ حانية، وشَعْري وشالي يطيران
،في مهبِّ المغامرة
.والمسافرونَ من حَوْلي يتفرَّقون
أينَ أَبيتُ الليلة؟
وبأيِّ غيمةٍ أستدلُّ على سبيل؟
.أمشي قليلًا
.أمشي طويلًا
.أمشي مع غربتي التي ليست عصًا سحريّة
بلا غاية
بلا ذاكرة
.بلا كاميرا
التائهون
قلوبُنا أحجار، لكنَّ أحدَنا يَحْمِلُ حجرًا كريمًا
.مكانَ قلبِه
مكانَ عينِهِ اليُمْنى
،قطعةٌ مفقودةٌ من فضاء
شمسُ دمعةٍ
أو تنهيدةُ شمعة
.لمُهادَنَةِ متاهة
كُنَّا قد قَطَعْنا أشواطًا من الوهمِ والخَسارة
وأغصانًا من شجرةِ الأرقِ الشاهقة
،والتِّينِ والتُّوت
ثُمَّ تفرَّقْنا بخِفّةِ رَفٍّ من العصافير
.حينَ اشْتَعَلَت مكتبةُ العالم
.كلُّ معرفةٍ من قشّ
.كلٌّ مضى إثرَ ظلِّهِ في سوادِ الغابة
،أملُ قفزَتْ داخلَ قبرِها بقَدَمٍ حافية
الآنسةُ كاف طَوَتْ حياتَها
،مع أجنحةِ طيورِ الأوريغامي
وأنا بتلكُّؤ ساعي بريدٍ على ضِفّةِ خريف
.مشيتُ نحوَ وَحْدَتي بلا رسالة
،ثُمَّ كانَ علينا أن نُعيدَ نَحْتَ براءتِنا من الوحل
بأعوادِ العشب
.بسكاكينِ الجيبِ أحيانًا
وجوهُنا الواسعةُ تلك
هَجَرْناها مع أهلِنا
في الصُّوَرِ التي لم تَعُدْ تشبهُنا
.في مراياهُمِ المُلْتَبَسَةِ بالكُرْهِ والهوان
تَرَكْناها دموعًا في مناشفَ ملوّنة
على أعتابِ حاناتٍ أَغْلَقَتْ أهدابَها
،في محطّاتٍ مُزْدَحِمَةٍ ومطاراتٍ خالية
مع بائعِ آيس كريم
،يَجُرُّ عَرَبَةَ ضحكاتِنا في الشتاء
أمامَ موقفِ باصَّاتٍ مهجور
،إلّا من غِربانِ الشروق
في مَمَرَّاتِ المدرسةِ والديسكو
.ومقبرةِ الفراشاتِ الشقيّة
كانَ علينا أن نُفْلِتَ كخفافيشَ من بيوتِ التعاسة
من نوافذِ الفصولِ القاتمة
،وأسى أدوارِنا
من أحضانِ الأسلاكِ الشائكة
،ولو من دونِ أعينِنا ودموعِنا
نحنُ الذينَ نَثِقُ بالقطيعةِ لقلبِ طاولة
.ونَعي أنَّ القلوبَ تسقُطُ وتنبُت
.تَبِعْنا أصداءَ الأميرِ الصغيرِ حتّى أقاصيَ الصِّدْق
.غَزَلْنا ظلًّا لبيتر بان من خيوطِ خلاصِنا
،حاوَرْنا الشوكَ دونَما شَكْوى
.أَلِفْنا الثعالبَ والثعابينَ والقراصنة
.غَفَرْنا ما كانَ للغرباءِ الذينَ سُرْعانَ ما أصبحوا إخوتَنا وأعداءَنا
.كم كَلَّفَتْنا الحرّيّة
بدهاءِ عاهرةٍ عجوزٍ تحتَ مظلّةٍ مُهانة
بابتسامةٍ مُحايدةٍ بنصفِ أسنانِها
أضاءت لنا دونَ مُقايضة
بما لا تقبِضُ على نورِهِ بكَفِّها المفتوحةِ نجمة
.لعلَّها تَحْظى بقطعةِ حلوى أو بقايا سيجارة
ثُمَّ كانَ علينا أن نعودَ إلى أعماقِنا قليلًا
إلى يأسِ الينابيعِ العالية
،والعُرى العميقةِ في عُقَدِ طفولتِنا
،إلى مقاعدِنا الشاغرةِ في صالةِ السينما
لعلَّنا في هذه المَرَّةِ نقفِزُ عن حافّةِ الأرضِ والألُفَة
قاطعِينَ حبالَ المشانقِ التي تَصِلُنا بعائلاتِنا
،ومسرحِ العرائسِ السعيدة
بأولئكَ الذينَ أحْبَبْناهُمْ عن جَهْل
.هربًا من أَنْفُسِنا
كانَ علينا أن نتخفَّفَ كخريفٍ من بياضِ كذبِنا
من باقةِ عَلاقاتٍ مُجفّفة
،وبطاقاتٍ بريديّةٍ فَقَدَتْ بريقَ صِدْقِها
من حَمْحَمَةِ عبد الوهاب العالقةِ بحنينِ حناجرِنا
من النجومِ التي تَفَتَّحَتْ بكافَّةِ نوافذِها
من آفاقِنا المُستديرةِ في آهاتِ منفضة
من الأكوابِ المكسورةِ في كلامِنا اليوميّ
من كلِّ عتابٍ على ترابِ شفاهِنا وأكتافِنا
.ومن الوقوفِ بلا وجهةٍ عندَ المفارقِ الوارفة
سوى أنَّ سيّارتَنا المُسْرِعَةَ نحوَ قوسِ قُزَح
.دَهَسَتْ قطّةً على الطريق
،أنا البراءةُ الطائشةُ في مصيرِ قطّة
والنبضُ الذي انتفضَ بحُرْقَةِ حياةٍ
.في عَجَلَةٍ تدور
.أنا دفترُ إسكيمو أضاعَ وجهَهُ في العاصفة
أنا القنفذُ بكاملِ أشواكِهِ
.والسُّلَحْفاةُ التي تَحْمِلُ بيتَها مع الرحّالة
أتأمَّلُ شروقَ الأشياءِ وأُفولَها
.عن مسافة
تُراني خُنْتُ الآخرِين
حينَ احتفظتُ بدُمْيَةٍ بحجمِ عُقْلَةِ الإصبع؟
لكنَّني احتفظتُ بأصابعي كاملةً
.رُغْمَ الشموعِ التي أشعلتُها لنفسي ولآخرِين
قهوةٌ قهوةٌ قهوة
لعلَّنا نُبْصِرُ النهارَ الطالعَ من سهرِ أجفانِنا
.وما تبقّى من أعمارِنا والطريق
قصيدةٌ قطرةُ مطر
.مطرٌ مليءٌ بالأشباح
.سماءٌ تتساقَطُ بناسِها
كيفَ لا أفتحُ نوافذي بوسعِ عيون؟
كيفَ أتركُ وجوهَ النهرِ
تتكسَّرُ من يأسِها
في الزجاجِ والحجر؟
على أسفلتِ الشارعِ المُهَشَّم
.مقبرةٌ تفيضُ بأطفالِ الماء
الناجي من بينِهِم
يَحْضُنُ حَبَّةَ تراب
.أو عشبةً مائلة
أجملُهُمْ حظًّا
حَطَّ بلُطْفِ فراشة
.على أنفِ كلبٍ ضالّ
.أبطالٌ بشجاعةِ الدموع
شعبٌ آخر
يُهْدِرُ أغنيةَ الغيمِ والثورة
.دونَ أن يرسِمَ قوسَ قُزَح
تحت شجرة فان غوغ
.ليسَ هذا الخريفُ سوى النُّسَخِ النافدةِ منِّي
كثيرةٌ هي الأوراق
.كي أكونَ دفترًا يُطْوى
أذكرُ أنَّني عَلَّقْتُ أصدقَ صُوَري
على غُصْنٍ واهٍ
،ولَهَوْت
مع رحلاتِ اليومِ الواحد
مع قصصٍ بقُصورِ مقطوراتِ المنازلِ المُتَنَقِّلَة
مع قُصورِ الرملِ المصقولةِ بصَمْغِ الغروب
مع رجالِ ثلجٍ بقَسَماتٍ وأعمارٍ مُتقاربة
مع ضحكةٍ فالتةٍ من فَرْدَةِ صندل
،مفقودةٍ في الموج
مع أصدقائي في لقطةٍ من القبّعاتِ والأقنعة
مع دمعةِ أوسكار وايلد
،ومع الثعالب
بينَ الكلماتِ والكُثْبان
مع قصيدةِ القمرِ التي تَنْقُصُها نجمة
كما يَمَّحي الحطّابونَ في لوحةِ الندم
بحقيبةِ ظهرٍ تُثْقِلُها قطعُ الحلوى والحنين
.بظلالٍ يرنو إلى رملِها النهرُ والأطفال
.جلستُ في مدارِ شجرة
.صرتُ اللونَ الأصفر
ثُمَّ جاءت الجميلاتُ دونَ دعوةٍ
،إلى قلبِ الغابة
.إلى وليمةِ وَحْدَتي
عَلَّقْنَ عيونَهُنَّ على شَمّاعاتِ النجوم
على أشجارِ سَرْوٍ تمشي في أحلامي
على الغيومِ الهائجة
،المائجةِ بجنونِ ريشة
قُبالةَ كُرْسِيِّ غوغان
.في مواجهةِ كتابيْنِ مُغْلَقَيْنِ وشمعة
كيفَ يَعْثُرُ على مخابئنا الأشباح؟
ٱمرؤ القيس مرّ من هنا
علّق دموعه على جدراني
في أكثرَ من مكانٍ في آن
،كما الحُبُّ والموت
،كما تبكي على امتدادِ كوكبٍ أنهار
.مثلما تتبعثرُ حياةٌ في حَبَّةِ رمل
.على الطريقِ المُلَطَّخِ بأشلاءِ مدينة
،وَسْطَ حُطامِ سفينةٍ
.على رأسي قبّعةُ قُبطان
أمامَ محطّةِ وقودٍ مهجورة
.إلّا من طفلٍ بقَسَماتِ قطرة
،في ركني، برفقةِ كأسِ كونياك وكلب
.بصقيعٍ ناصعٍ في أطرافِ الأصابع
في المتاهةِ الهائمةِ على وجهِ شمعة
في المرايا الغزيرةِ في دمعةِ غريق
.في مواجهةِ نسمةٍ بلا رسالة
.في المَمَرَّاتِ المُتتالية، أسنُدُ شبحَ أُمِّي بأهدابي
جوارَ أبي الذي صارَ في أيّامِهِ الأخيرة
.بخِفّةِ جوارب
في منازلَ مُضاءةٍ بأعيادٍ ماضية
في المترو المُشِعِّ بمقاعدَ قُزَحِيَّةٍ شاغرة
في فُسْحَةٍ مُشْمِسَةٍ من المغفرة
في هامشِ ملعبٍ من العشبِ والندى
في الصدى وفي الصراخ
،في بيروت وباريس، في صفحةِ ظلٍّ واحدة
في شارعيْنِ لا يتقاطعان
إلّا عندَ شجرةِ عصافير
.تصدحُ وَسْطَ روحي
في البئرِ الغائرةِ في كَفِّ الغابة
في مَرْمى موجةٍ في لوحة
في أرقِ الفندقِ الأحمر
.وفي محلِّ أزهار، أبحثُ سُدًى عن باقةِ قلبي
في قبري الذي أزيّنُهُ من تحتِ التراب
،وفي أحلامِ أصدقاءٍ لم أَطَأْها
.ولا أحدَ يحكي لي تفاصيلَ الحُلْم
أمور عالقة بالأمل
.الطريقُ بأطرافِها السائبة
الدرّاجةُ الناريّة
.بشَعْرِها الطويل
الحُبُّ في طبعةٍ وحيدةٍ
.نافدة
عتابُ الأبيضِ والأسود
العالقُ بينَ أوتارٍ ومطارق
.في قلبِ بيانو
حوانيتُ الحنينِ المنحوتةُ بمعاولِ المطر
.كما الكهوف
مفاتيحُ السعادةِ التي لم يَسْتَعِدْها
.من لوحةِ المفقوداتِ أحد
العاصفةُ والصحو
.في الصفحةِ نفسِها من سماء
ذاكرةُ السمكةِ الأُولى
.في حَوْضٍ أخيرٍ من النسيان
.الوصفةُ السحريّةُ لصناعةِ حياة
.المجرّةُ المُكْتَمِلَةُ كوليمةٍ في نافذةِ المطبخ
.الليلُ الذي يلعبُ بكُرَةٍ كبيرةٍ على سَطْحِ الجيران
البنتُ التي خرجَتْ خِلْسَةً من خيالِ موراكامي
لتدخلَ إلى حياتي مع كلابِها
وقطّتِها المفقودة
.وقبّعاتِها الاستوائيّة
.بيتُ القصيدِ المُتَهادي على ظهرِ سُلَحْفاة
البناياتُ التي تنبُتُ بينَ عَشِيَّةٍ وضُحاها
.وكأنَّها أعشابُ شاطئ
.البريقُ الناقصُ من نظراتِ الصغارِ الآليِّينَ نحوَ الشمس
.البراءةُ الفائضةُ عن ضحكةِ رجلِ ثلجٍ ذائبة
.القميصُ المُرَفْرِفُ بأصداءِ عناقٍ على حبلِ غسيل
.العصافيرُ المُتَقَمِّصَةُ لعناوينِ دواوينَ على رَفِّ مكتبة
.الحقيبةُ التي أضاعت قُفْلَها الأصفر في خريفِ السَّفَر
صورةُ البروفايل المُتَبَدِّلَة
بوجهٍ واحد
.وإشاراتٍ ورسائل
.الياسمينُ الذي يتفتّحُ حيثُما يمرُّ اليأس
.الأملُ الذي يملأُ دِلاءَهُ من قطراتِ الندى
.الكُرْسِيُّ الهزّازُ بأحزانِ الكوكبِ في كتابٍ مفتوح
.الأرجوحةُ الحائرةُ بينَ ضَمَّةٍ وسكون
.المدرسةُ المُختبئةُ داخلَ مُكَعَّبِ سُكَّر
.المقهى المرسومُ ببقايا القهوةِ والتبغِ والغيوم
.ثلاثيّةُ الكافيين والنيكوتين والكلماتِ الكثيفةِ في سطرِ سنونو
.ثنائيّةُ الكبريتِ والاعتذارِ المُكابر
.رباطُ الحذاءِ المحلولُ على رملِ أغنية
.القلبُ المواربُ في جُرْحِ حَبَّةِ فستق
.الغروبُ الغارقُ كسفينةٍ في كأسِ كونياك
غيابُكَ الطويلُ مثلَ خيطٍ
يَحيكُ دروبي كلَّها
.بلونِ اللؤلؤ
رحلة يوم وحيد
تُناديني أغنيةٌ من أعلى الجبال
،فأصْعَدُ بأحجارِ روحي
.يُجَنِّحُني الحُطامُ والمطر
مع الجسورِ التي سَهَوْتُ عن إحراقِها مع أوراقي
مع نُسورِ العالمِ الجديد
مع نُسورِ العالمِ القديم
عبرَ الوُدْيانِ الكابية
والقرى الفقيرةِ المُقْفِرَة
.بحقيبةٍ لا تَسَعُ حَبَّةَ رمل
تصحبُني سُحُبٌ وأشجارٌ وأُحْجِيات
أنهارٌ غائرةٌ في غياهبِ الأغصان
نوافذُ مُعَلَّقَةٌ كلوحاتٍ في مُتْحَفٍ مفتوح
.كلابٌ ضالّة، بعيونِ أطفالٍ في الضباب
ذئابٌ مُختبئةٌ خلفَ كُثْبانِ الثلج
عَرَباتٌ تئنُّ من الجوعِ إلى معنى
وأمنياتٌ أتَشَبَّثُ بأطرافِها المُتلاشيةِ مع الريح
.لكنَّها كما العُمْرِ تُفْلِت
هل تغفرُ الغيوم
غفوتي على الدرب؟
تُراها تسامحُني
الدروبُ التي لم أصحَبْها حتّى النهاية؟
أُكَذِّبُ ذاكرتي وأوراقَ العشب
.وتُدينُني على الترابِ دموعي
.دموع ب. ب
،تَصْحَبُني في الشوارعِ الشوارع
،إعلاناتُ شانيل 5 العابقةُ بعنفوانِ أُمِّي
أشباحُ الثورةِ الفرنسيّة
،بفِصامِ الشمعةِ والمَقاصِل
كلابٌ مشرّدة
،بعيونٍ عادلةٍ مع دموعي
أشجارٌ شاهقةٌ من أسفِ الأرصفة
على العابرِينَ عبثًا عبرَ العصور
.على جسورٍ تَمْتَدُّ بدمائهِم
مقاعدُ المقهى الحمراء
،وكأنَّها أوراقُ عُشَّاقٍ في غيرِ أوانِها
مظلّاتُ ماغريت المُتَساقِطَةُ دونَما مطر
،الواجهاتُ الجارحةُ لِوَحْدَةِ المانْكانات
الرياحُ الماحيةُ لوجوهِ الجميلاتِ الغافيات
بأهدابٍ كَحْلى
.تحتَ أغصانِ كستناءِ الحصان
،الحصى بانكساراتِهِ الخِلاسيّة
،قمصانُ الحديقةِ ذاتُ الأزرارِ المفتوحة
الغِربانُ التي تتخاصَم
،حولَ رُقْعَةِ شمسٍ على مصطبة
أحصنةُ الرخامِ الصامتة
لولا أصداءُ الصهيل
.بينَ إزميلٍ وأصابع
قواربُ النهرِ الرقراقة
،كقلوبٍ لم تَنْهَرْها ضفاف
،قبّعةُ البرجِ القابعِ في برجِهِ العاجيّ
الخطواتُ المُتَدَرِّجَةُ بأطيافِ غروبٍ بطيء
.بأخطائيَ الأُولى على سلالمِ التروكاديرو
،ضحكةُ قاطعِ الطريقِ على صَهْوَةِ درّاجةٍ ناريّة
الألعابُ الناريّةُ في قصّةِ حُبٍّ
،على طاولةٍ تنطفئُ شمعتُها
أطيافُ النادلةِ الآبنوسيّة
وهي تتهادى بينَ الطاولات
.بطُمأنينةِ أميرةٍ من أساطيرِ الطوارق
تَصْحَبُني بيروتُ في باريس
،وباريسُ في بيروت
كما تُحَتِّمُ المرايا والحقائب
.وأراجيحُ الحنين
تَصْحَبُني حروبٌ وزلازل
،ومنارةٌ مُقَلَّمَةٌ كرسالةِ غريق
أَزِقَّةٌ زاهدةٌ في الأمل
وضحكاتُ نُدَماءَ عالية
ورماحُ أندادٍ
.عميقةٌ في روحي
حكايةُ بنتٍ وحيدةٍ في ساحة
تقطعُ مسافةَ اليأسِ نفسَها
،مَرَّتَيْنِ في اليوم
من محطّةِ الباصِّ المُعَلَّقَةِ بينَ أجفانِ الجبال
حتّى أغنياتِ فيروز
.المُكَلَّلَةِ بملائكةِ الأعياد
تَصْحَبُني تميمةُ الحياةِ التي لها
،قلبُ بريجيت باردو
هذا الذي يَسَعُ مئةَ عشيقٍ
وسِتِّينَ قطّة
والكثيرَ من الجِراءِ التي وَجَدَتْ ضالَّتَها
،في حُضْن
،وقطيعًا من الخِرافِ والماعِز
وحِمارًا
وفرََسًا
،وحصانًا
وأربعَ محاولاتِ انتحارٍ
،فاشلة
وكأنَّهُ كوكبٌ يَكْتَمِل
.كلّما انْكَسَرَ أكثر
بورخيس يبتسم بيننا
مَنِ الذي يَسْكُنُ الوَحْدَةَ كما المتاحف
وحُرَّاسُها الباسمون
على مقاعدَ مؤلمة؟
،مِنَ الساحةِ التي تُشَجِّرُها تماثيلُ جَيّاشةٌ تحتَ الرذاذ
ويتشاجرُ مع حَمامِها
،كنّاسٌ مُجَنَّحٌ بكيسٍ هَفْهافٍ على الكَتِف
حتّى القاعاتِ المُتعاقبةِ عبرَ المَمَرَّات
،المُوَشَّاةِ بأرقامٍ مُذَهَّبَةٍ كما غُرَفِ الفنادق
والصبرُ حصانٌ كستنائيٌّ كُمَيْت
بعُرْفٍ ذهبيٍّ وذيلٍ مُتَأَهِّب
مُتَسَمِّرٌ على حافريْهِ الخلفيَّيْن
.وكأنَّهُ بالفعلِ فَحْلٌ في لوحة
المدينةُ الأُخرى ساحةٌ مائجةٌ بأزرقِ منتصفِ الليل
،بالوجوهِ المُتوارية
بقناديلَ عاليةٍ
ساطعةِ الشموعِ والهالات
على العابرِينَ الهُوَيْنا في الألوان
.وعلى العابرِينَ بذهولٍ من أمامِهِم
نهرٌ مَهولٌ بينَنا، هذه المرآةُ المُزدحمةُ
بالغرباءِ الذينَ سبقونا إلى التشكيلِ والتلاشي
.بضربةِ ريشةٍ على ضفافِ غيوم
بيكاسو طفلٌ تجاوزَ الأزمنةَ كلَّها
على صَهْوَةِ ثورٍ جريح
فقط ليسخرَ من خريفِ فان غوغ
،المُبالغِ في الغيمِ والبرد
من العارياتِ اللّواتي تَجَرَّدْنَ من كلِّ ورقةٍ ووجه
،لكَسْوِ وَحْشَتِهِ كخرشوفةٍ معروضةٍ تحتَ الأضواء
ومن المراحلِ الملوّنةِ والمُكَعَّباتِ المُتراكمةِ بلا معنى
.في معادلاتِ أعمارِنا المُخْتَلَّةِ الخاسرة
دونْ خوسْتينو دي نيفي
أدارَ ظهرَهُ ذا الرداءِ الدامس
.لزائرتِهِ التي لا تَحْمِلُ أزهارًا هذه المَرَّة
.دخلَ في قسوةِ الجدارِ والقُرون
تَبِعَهُ دونَما تَرَدُّد
.الكلبُ الصغيرُ من زاويةِ المكتبة
لكنَّ الحكايةَ تدورُ كمروحة
،في مكانٍ آخرَ من الصَّرْحِ المَهيب
في القَبْوِ المُؤَثَّثِ بأُلْفَةِ كافيتيريا
،بإنارةٍ حداثيّةٍ خَفِيَّة
حولَ الرجلِ الجالسِ ببَسْمَةِ شاربٍ خفيفٍ قُبالتي
،وبينَنا فنجانُ كابوتشينو كبير
حولَ مدارِ المرأةِ الغائرةِ كخنجرِ مُهَرِّجٍ في كُرْسِيِّها المتحرّك
.وعلى رأسِها قبّعةٌ مُضحكة
كم من البحرِ والشمسِ والثلجِ والصخر
،وعصافيرِ المحطّاتِ المُتطايرةِ في كلماتِها
في نافذةِ عينيها المكسورة
.المُرَقَّعَةِ بدمعةٍ مُكابرة
تكادُ نُكْتَةُ الحُبِّ تكتملُ أمامي
،لولا التصلُّبُ المُتَعَدِّدُ في أجنحةِ الرسّامةِ الصاخبةِ كعاصفة
لولا الهلعُ الهادئُ الذي يفيضُ عن ضحكةِ الرجلِ ذي العينيْنِ اللّازورديّتيْن
من محيطِ إيرلندا الأطلسيّ
،حتّى حافّةِ طاولتِنا المُنَقَّطَةِ بمطرِ معاطفِنا
بدموعٍ انهمرَتْ مَجازًا
في كأسٍ فارغة
وطبقِ حَساء
.وكلامٍ عابرٍ على مائدةِ المُصادفة
كم كَسَرتْنا الجائحةُ التي كقشّةٍ عائمةٍ بهدوءِ فَرَسِ نهر
.على سَطْحِ طُوفان
كم كُنَّا خائفينَ داخلَ جِلْدِنا وخلايانا
وخرائطِ جيناتِنا الغامضة
،وألعابِ مناعتِنا المليئةِ بالمفاجآت
في حجراتِنا ومنازلِنا المجهولة
في المدنِ المَوْبوءةِ بتنهيدةِ تِنِّين
وفي وقفةِ العالمِ كفزَّاعِ عصافيرَ فاردٍ ذراعيْه
.حتّى أقصى قشّةٍ من أكمامِه
على كَتِفي فراشةُ نظرة
.شعاعُ زهرةِ عبّادِ شمس
.الألوانُ تُناديني
.الغريبانِ في غُبارِ التقاطعِ الغريبِ للأقدار
.أحدُهُما يُقْبِلُ والآخرُ يُدْبِر
مَنْ ينزعُ الأشواكَ من نظرةِ شون
من عِظامِ ميليتا المُفتّتة
ومن القنفذِ المُختبئ كوردةٍ بلا مُسَدَّس
داخلَ قلبي؟
،ظالمةٌ هي ملامحُنا
.عبثًا نحاولُ تصحيحَها بممحاة
الحصانُ المصلوبُ على مصراعيْهِ يَصْهَل
على قطعةٍ شاهقةٍ من قُماش
.خلفَ أبوابٍ شفيفةٍ مُتأرجحة
الكاهنُ الإشبيليُّ يكادُ يخرجُ من صومعتِهِ
ليسألَني عن الطقسِ المجنون
.وعن قبرِ أبي
النهارُ لتشابهِ الملوك
للملائكةِ التي لا تحتاجُ إلى تقليمِ أظفار
للطبيعةِ الصامتةِ في تفاهةِ تُفّاحة
.ومناظرِ الطبيعةِ المحرومةِ من النزهات
بأكياسٍ خفيفة
.أخطو داخلَ متاهةِ بورخيس
النهارُ لأزهارٍ صفراء
.تتفتّحُ حيثُ نُسَطِّرُ خرائطَنا الكفيفة
خارطة الخروج من متاهة
الربيعُ رجلٌ يَحِلُّ الكلماتِ المُتَقاطِعَة
.في جريدةٍ خضراء
الأشجارُ تلوّنُ أثوابَها
بأقلامٍ من أخشابِها
.بأقدارِ فؤوس
أحصنةُ الفصولِ تدورُ من أيلولَ إلى آخر
وشبحُ شرلوك هولمز يترنّحُ حزينًا
.على أسفلتِ الطَّرَفِ الأغرّ
حينما تكونُ الحياةُ جُرْحًا مفتوحًا
.حتّى السكونُ يؤلمُنا
.المَشَّاءُ نهرٌ نَسَّاء
يُسْقِطُ عن نفسِهِ الورقَ اليابس
الوردَ الأصفر
قمصانَ العناقاتِ الناقصة
وقبّعاتِ الحُبِّ الأوّل
والثاني
.إلى ما لانهاية
يُسْقِطُ عن نفسِهِ تهمةَ التعاسة
.وتعاطيَ العدمِ بجُرُعاتٍ زائدة
تلمعُ في عيني العوّاماتُ العالقةُ بالطمي
،كأطفالٍ نائمينَ في طينِ أحلامِهِم
بشبابيكِها المُتشابكةِ بالأغصان
،وشاي شُرُفاتِها
:بأشيائها الفالتةِ كهواءٍ في الهواء
إبريقٌ فارغٌ من الكلام
أقداحٌ مقلوبةٌ على قلوبِها
.دُمْيَةٌ مُتَأَرْجِحَةٌ بنسيمِ ستارة
يُحَيِّيني دُبُّ محطّةِ بادِنْغْتون
،بمَرْطَبانٍ من المُرَبَّى في حُضْنِهِ
،حارسُ مسرحٍ عائمٍ على احتمالاتِ الفرح
مقهًى أخلاهُ روّادُهُ ونادلوه
،لعائلةٍ بلا وطنٍ من السناجب
عُشَّاقُ عُطْلَةِ الأحد
.المُطْمَئنُّونَ كجسورٍ فوقَ سَطْحِ الماء
يُحْييني الزنبقُ المائيّ
.بوجهِ أوفيليا الباسم
ماذا عن الجثثِ التي تطفو
بأسفِ سُفُنٍ غارقة
في الدقائقِ الخمسِ الأُولى
من كلِّ فقد؟
أتبعُ فُتاتَ عصافيرِ الضِّفّة
،كمَنْ يسابقُ المَجْرى والجناح
ولحظةَ وقوعِ جريمة
في شارعٍ خلفيّ
بينَ جدرانٍ لا تَشي بعطرِ قاتل
على مسرحٍ حافلٍ بالعازفِين
.بعصافيرَ كفيفةٍ على أكتافِهِم
روحُ المُحَقِّقِ مورْس تحومُ من حولي بحنانِها
بنظرتِهِ الزرقاءِ الشاردة
كغزالٍ بينَ الأَزِقَّةِ والأشجار
إثرَ كلِّ سطرٍ هاربٍ من كراريسِ الأوبرا
.من كتابِ الحُبِّ المُغْلَقِ بهدوء
هل من قطارٍ يُقِلُّني إلى بلادِ الخريفِ والخُرافة؟
مَنْ يَهِبُني ربيعًا بلا دمعة
لأملأَ بالأملِ كلَّ طريقٍ في طريقي؟
.الحُبُّ عابرٌ مثلَ يومٍ ماطر
الحُبُّ ساحرٌ بجَعْبَةٍ حاسرة
ينحني ببراءةِ بَجَعَةٍ على حافّةِ بُحَيْرَة
.مُتأمّلًا ملامحَهُ بصِبْغَةِ الغروب
.الحُبُّ مُهَرِّجٌ وَسْطَ ساحةٍ هَجَرَها الحمام
على ظهرِ فاتورةٍ بحبرٍ خفيف
على جدارٍ يشيحُ بوجهِهِ عن الأقنعة
أخُطُّ السطورَ سريعًا
.كمَنْ بخطواتِهِ يرسِمُ خارطةَ الخروجِ من متاهة
،القصيدةُ وقوفُ فزَّاعِ طيورٍ على أطلال
.وصوتي، عندَ هذه النقطةِ الناجيةِ من العاصفة، وَقْفٌ ساكن
لطالما حَلُمْتُ بأغنية
.تحملُ روحي كرسالة
موراكامي على الشاطئ
،التَّعَلُّقُ ولو بوجهِ غيمةٍ على الدرب
.دربٌ دامِغٌ إلى التعاسة
.بلا مظلّة، قَطَعْتُهُ تحتَ مطرِ تَمُّوز
ثُمَّ كصفحةٍ تَطْفَحُ بالأخطاءِ الفادحة
.قَطَعْتُهُ من دفترِ ربيعي
،أصْفادٌ حولَ المِعْصَمِ واليدِ والقصيدة
العَلاقاتُ التي تُعَطِّلُني عَنِ الطيران
.كقطارٍ عالقٍ في عُنُقِ نَفَق
،حبالُ مشانقَ مُحْكَمَة
وإن رَبَطْتُها على أشكالِ شرائط
.تَرِفُّ أطرافُها بالألوان
قضبانُ نافذةٍ تُقَسِّمُ القمر
بحِصَصِ تورتةِ عيدِ ميلادٍ من الشجن
.على أطفالٍ بنُحولِ القضبان
.كما بيتر بان، لا ظلالَ لي
لعلَّني أضلّلُ الموت
والمُتلصِّصينَ على روحِ مصباحي
.في منتصفِ متاهة
حتّى أقصى جزيرةٍ من العزلة
.يُجَنِّحُني الحُبُّ واليأس
حيثُ القراصنةُ وفُقْماتُ الرُّهْبانِ أصدقائي
يحاورُني بحرٌ بلازوردِ النسيان
.ونخيلُ جوزِ هِنْدٍ مُشاكس
موجةٌ بملامحِ دلفين
.تدفِنُ تعبي
يجاورُني بيتٌ مُشْمِس
من الخشبِ الأبيض
.والشبابيكِ الكثيرة
يسكنُهُ لحُسْنِ المُصادفة
صديقُ القططِ الناطقةِ في الكُتُب
،والمصائرِ المائجةِ بينَ الفصول
عاشقُ الأسطواناتِ والتي-شيرتات الملوّنة
.هاروكي موراكامي
.كيَراع، يختبئُ من هالتِهِ خلفَ سياج
يركضُ وحيدًا كشبحٍ على الشاطئ
هربًا من حروبِ طفولتِهِ
ومن الأمواجِ المُتَلاطِمَةِ بالجثث
،على ساحلِ مَنْشوريا
من مَسْطَرَةِ أبيهِ الخشبيّةِ على أصابعِ البراءةِ والبراعة
ومن الأبطالِ الذينَ تركَهُمْ وحيدِينَ في البئر
في العالمِ الموازي
.في نهاياتٍ ناقصةٍ مفتوحة
.ليسَ الكسل
هي الحرّيّةُ التي أوصى بتفكيكِها كافكا
.كافّةَ صغارِه
.هي هاواي التي لم أزُرْها قَطّ
مَسْقَطُ دمعةِ الدُمْيَةِ التي حَمَلَها أبي
.في حقيبتِهِ الفائضةِ بالعُقودِ والآمال
كأسُ ماي تاي كبيرة
.تُزَيِّنُها مظلّةُ صيفٍ ورقيّة
.طَبَقُ سَلَطَة بأطيافِ قوسِ قُزَح
.أقداحٌ وقَدَّاحاتٌ نافدة
.قمصانٌ مُبْهِجَةٌ تصلُحُ لمُعانقةِ الحياة
هي البقعةُ الأخيرةُ الناجيةُ من الطُّوفان
.لا لشيءٍ سوى أنَّنا -على جزيرةِ الكلماتِ السعيدةِ البعيدة- أوّلُ الغَرْقى
ورّاق اسمه الخريف
خطوة
خطوتان
.خريف
بلا بوصلة
وبلا تَوْقٍ إلى الوصول
بعينيْنِ مُطْبَقَتَيْنِ على طَيَّاتِ الطريق
،أَصِلُ إلى محطّةِ القلبِ الأصفر
هذه التي لا تُشيرُ إلى كُسوفِ شمسِها الكُلِّيّ
نرجسةٌ دفينةٌ في الخرائط
.أو نجمةٌ آفلةٌ من الأساطير
كما يَجْفَلُ نهرٌ في منتصفِ جُمْلَة
.ليصبحَ فجأةً صَفْصافة
مثلما يتسمَّرُ شبحٌ وَسْطَ حَلَبَةِ تانغو
.بمُلاءَةٍ مُتطايرةِ الأطراف
،مَنْ سوايَ يُراقصُ العدم
ويدوسُ سَهْوًا
على خطوتِهِ الواسعة؟
عبثًا أبحثُ عن نافذةٍ في النسيم
،لأُطِلَّ على الأطلالِ من خارجِ الخَسارة
لعلَّني أتلاشى على هامشِ صفحة
مع أوراقِ العشبِ الرابحة
.ومع الفراشاتِ العالقةِ بلحيةِ والت ويتمان الكثيفة
،ليسَ بوسعِ قطارٍ أن يقطعَ رحلتَهُ نحوَ الينابيع
.لكنَّني بقلبِ خارطةٍ سأحاول
على مقعدٍ مُعاكِس
.تُشْرِقُ روحي من رمادِها
أيُّ نسمةٍ تدفعُني بأهدابِها نحوَ النسيان؟
أنحني فوقَ فُوَّهَةِ بركانٍ خامدٍ في قلبي
.لأُشْعِلَ سيجارة
المحطّاتُ أكشاكُ شوكولاتَه لطفولةِ الطريق
منازلُنا حينَ تؤلمُنا البيوت
مقاهينا حينَ نهربُ من الجدرانِ إلى النوافذ
،مخابئُنا لأنَّنا بلا مخالب
والقلبُ قفزةُ غزالٍ مُباغتٍ في أقواسٍ بارعة
.في بُرْهَةِ الغابة
أكادُ أضحك
لولا أنَّني أُفَكِّرُ في الحُبِّ الذي تعثّرَ بي كطفلٍ في متاهة
في الغروبِ الفوّارِ بفقاقيعِ الكوكا كولا
في كأسِ الكونياك المتروكةِ على حافّةِ سفينةٍ غارقة
وفي الحصانِ المُجَنَّح
في كلِّ لمحة
.من زوارقِ النجاة
كما نحيا بالمُصادفة
وبحظوظِ نبتةِ الربيعِ ذاتِ الأوراقِ الأربع
يعرفُ الغرابُ مواعيدَ القطاراتِ بدِقَّةِ مزلقان
والأزهارُ البَرِّيَّةُ تنبُتُ
ببراءةٍ وجُرْأَةٍ وجنون
.بينَ خطوطِ السِّكَكِ الحديديّة
.كما نَأْتَمِنُ قلوبًا على قلوبِنا
،هكذا هو الخريف
وَرَّاقٌ يُعِدُّ القصائد
،بتَكرارِ الأملِ والكُتُبِ والأخطاء
وبيدِهِ الخاسرة
.يَعُدُّ النقود
حكاية السلحفاة
لم يَكُنْ كابوسًا
كي نَصْحُوَ من النهاية
على بَصَماتِ مطرٍ خفيفٍ على النوافذ
،وعلى أصواتِ عصافير
على قهوةِ صباحٍ مُرَّة
ومدينةٍ تنتظرُنا في الشارع
بأُلْفَةِ باصِّ مدرسة
.في طريقِ أطفالٍ وأشجارٍ وغيوم
،كُنَّا بكاملِ عددِنا ويقظتِنا ومَتاعِنا
عيونُنا المُسَهَّدَةُ على البحر
على الغابة
.على الغروبِ الدامي
،بَدَت الشمسُ أكبرَ من كوكبِنا لِوَهْلَة
وأقربَ من قاربِ صيدٍ
.مُهْمَلٍ في الرمال
تَسَلَّقَت النهارَ سَلاطيع
،بلا فُضولٍ وبلا مُتْعَة
ونَقَرَتْ ألواحَ الخشبِ المُتَفَرِّقَةَ بينَ أقدامِنا
.نوارسُ وغِربان
سُلَحْفاةٌ صفراءُ قَطَعَت الشاطئ من أمامِنا
بصندوقِها المُصَفَّدِ على ظهرِها
كما يَمُرُّ عُمْرٌ بكاملِ محطّاتِهِ
في لقطةٍ يتيمةٍ
.مُبْهَمَة
لم يَجْرُؤ أيٌّ مِنَّا على قَطْعِ طريقِها
،ولو لسؤالِها عَنِ الطريق
خَشْيَةَ أن نَكْسِرَ السكونَ المُقَدَّس
.تحتَ سَطْوَةِ الغَسَقِ الساخط
وَقَفْنا في رذاذِ الرملِ والرميم
:مشدوهِينَ ببداهةِ الأشياء
،المطرُ والطينُ وهَشاشةُ أوراقِنا
تتوسَّطُنا المُسَرْنَمَةُ الهادئةُ في مهبِّ الإعصار
ببيتِها المُغْلَقِ في وجوهِنا
بطُمأنينةِ حقيبةٍ مُعَدَّةٍ منذُ الأزل
.لليومِ الفاصلِ في المصائر
لن تأتيَ القيامة
كما مَهَّدَ لمتاهتِها
.مُنَجِّمونَ وفلاسفة
.المُسَوَّداتُ تمارينُ حزن
لن تكونَ كما رَسَمَها خوفُنا صغارًا
تِنِّينًا يئنُّ بنيرانِهِ
.في رمادِ الكراريسِ البيضاء
سوفَ يَسْعُلُ أحدُنا
في مكانٍ ما
،من قريةِ العالم
ثُمَّ تتساقَطُ بخباياها خرائط
.وتُقْفَلُ على النَّاسِ أبوابٌ وآفاق
كنتُ قد غَفَوْتُ لسنواتٍ تحتَ شجرة
بقبّعتي المُشَطْرَجَةِ على وجهي
.وعلى كَتِفي مِصْيَدَةُ فراشاتٍ لجَمْعِ الكلمات
.قطراتُ الطَّلِّ زادي
.تَخْطُرُني القطاراتُ مع غزلانِ الغابة
تتوالى الفصولُ بفصولِها من حولي
دونَ أن أتنبّهَ لزهرةٍ تتفتّحُ عندَ قَدَمَيَّ الحافيتَيْن
.أو لثلجٍ يذوبُ، بتلالِهِ ورجالِهِ، في مدارِ صمتي
.عَطَّلَني الحُبُّ طويلًا
ألقاني كإخوةٍ في بئر
،فأطْبَقْتُ السماءَ كحجرٍ على نفسي
،بعواصفِها ونجومِها وملائكتِها وسَهْوِها
فقط كي لا تواجهَني نسمةٌ
.فتُبكيني
.مَرَّ الحطّابونَ بفؤوسِهِمِ العالية
،مَرَّ الصيّادونَ بصمت
.ومَرَّت الأيائلُ والحِجْلان
مَرَّ صيفٌ ومَرَّ آخَر
وأزهارُ الجبلِ الصفراءُ في آنيتِها المُشْمِسَة
والغوّاصةُ الصفراءُ في أغنيتِها لا تَغْرَق
وأنا أشيخُ مع الأهِلَّةِ وأكاليلِ الزينة
.ومع مواسمِ الغاردينيا
مَنِ الذي يطاوعُهُ قلبُهُ
على إيقاظِ قلبٍ من النسيان؟
.كانت الأبنيةُ تتآكلُ أثناءَ نومي كما الشموع
،أرصفةٌ تتصدَّعُ بأعشابِها ومشرّديها
مدنٌ تنطفئُ من الوَحْدَة
،مثلما تختفي من مفارقِها أشجار
فيما يَمُرُّ عَدَّاء
،ويُلْقي تحيّةَ المساءِ على محلِّ الأزهار
ويَمُرُّ رجلٌ غامض
.بقناعِ حربٍ عالميّة
.الخيانةُ الأُولى هي الخياناتُ كلُّها
خنجرٌ واحدٌ في بُرْهَةِ البراءة
.ثُمَّ تتداعى الطعناتُ والجراح
أينَ هُمْ أصدقائي؟
كُنَّا نَقِفُ معًا
،في سطرٍ منيعٍ قُبالةَ العدم
،منذُ دقائق
.منذُ أكثرَ من ثلاثينَ سنة
،هي، النجمةُ المحفورةُ بحنانٍ في عمري
،بوجهِها الأجملِ من الأساطيرِ والأفلام
على شرفةٍ شاسعة
.على حُطامِ بيروت
،الشاعرُ خلفَ شبابيكِهِ الخضراء
وفي يدِهِ حصانٌ فِضِّيّ
ومَرْكَب
.ومرثيّة
كَنان وهداياها المُغَلَّفَةُ بورقِ الورد
وسَمَّاعةٌ واحدةٌ في أذنِها
،تَصْدَحُ بلحنٍ قديم
وحُبِّيَ الأوّلُ في مكانِهِ
.يتأرجحُ كنهرٍ في اللحن
دمعةٌ على الأديم
.ترفعُني نحوَ ينابيعِ المعنى
،السُّلَحْفاةُ في الزَّبَد
.تكادُ تُبْحِر
.لا أحدَ سوانا على الشاطئ المهجور
.أتنهّدُ وأتبعُ خَطَّ الرمال
:أبتسمُ بوسعٍ لبداياتي
لباريسَ في أبهى عصورِها
لبريدِ القرّاء
لبجعةٍ في علبةِ بريد
لحقيبةِ ساعي الرسائلِ البيضاءِ والسوداء
لأغنيةٍ حَفَرَتْ أنهاري في أنغامِها
لأصحابي الذينَ صاروا ذَهَبَ خريف
لسلالمِ التروكاديرو القصيرة
وللدربِ المديد
بينَ غربةٍ وأُخرى
.في غابةِ بولونيا البعيدة
عطلة قصيرة في أوتيل كاليفورنيا
أظنُّني أوَّلَ وآخرَ مَنْ خَرَج
وقلبُهُ معه
.من فندقِ الجحيم
أذكرُ أنَّني أسْقَطْتُ حقائبي
بالألعابِ وثيابِ الصيف
بالحقائقِ كلِّها والأوهام
كما تنجو شجرةٌ من أوزارِ أوراقِها
لأنْفَذَ بروحي ودفتري
كجناحيْنِ عبرَ نافذة
من البِناءِ الذي بلونِ زهرِ القُرَنْفُل
المُضاءِ بنيون الغروب
ونخيلِ جوزِ الهِنْدِ الشاهق
.من جميعِ الجهات
،كُنَّا كُثُرًا في داخلِه
كما تَجْمَعُ الدمعةُ الواحدة
بينَ دَفَّتَيْها
.أكثرَ من كتاب
أشدُّنا شجنًا
كانَ والت ديزني
بخرائطِهِ وعُقُودِهِ
.وفئرانِهِ الأليفة
كم سَخِرَ من أحلامِهِ
شبحُ والت ويتمان
بلحيتِهِ وحكمتِهِ
.وحُزْمَةِ الحطبِ الأخضرِ بينَ كَفَّيْه
،أذكرُ تلكَ الفراشاتِ المُتطايرةَ بحُرْقَة
.برمادِ رسائلِ بينهُما
.أحدُهُما أَوْصى الثاني بالأطفال
.كِلاهُما أَوْصاني بأوراقِ العشب
كم كُنَّا وحيدِينَ وراءَ الشبابيك
رُغْمَ الموسيقى الآسرة
وإيحاءاتِ الستائر
والكؤوسِ التي تدور
.مع الرؤوسِ والكواكب
ستيلّا الناجيةُ من الإعصار
بجِلْدِها الأسودِ وتجاعيدِها
وحفيدتِها الوحيدة
.بدُمْيَةٍ منقوعةٍ بالدموع
سائقُ سيّارةِ تيسلا للأُجْرَة
الهاربُ من كذبةِ كوبا الكبيرة
على موجةِ مَرْكَب
ليعانقَ جبالَ الآيس كريم
.والحياةَ والأحجارَ الكريمة
النادلةُ الأوكرانيّةُ التي تَكْرَهُ بوتين
وزوابعَ حُزَيْران
،وسُكارى الهزيعِ الأخيرِ من الليل
وتضحكُ لأنَّ جَرَّاراتِ الحقول
.أشجعُ من الدبّابات
دايف البارعُ في كافّةِ الحِرَف
عدا وَصْلِ أوتارِ جيتاراتِ الروك
.بجذورِ قلبِه
سِرْبُ غزلانِ الفجرِ على ضِفّةِ منتصفِ الليل
.كحُضْنٍ بأعشابٍ شاردة
العجوزُ المُنْهَمِكَةُ بمَسْحِ أرضيّةِ الحَمَّامات
بدَفْقَةٍ عميقةٍ
.من بكاءِ مكنسةٍ مُنْهَكَةٍ بينَ يديْها
ميكي ماوس بقبّعةِ ساحر
،ورداءٍ مَلَكِيٍّ مُرَقَّطٍ بالنجوم
ومدنِ خيالٍ تَشِعُّ بالدهشةِ والشجن
بضربةِ مُعَلِّم
.من عصاهُ السحريّة
،أورلاندو، أرضُ المنفيّينَ في الأرض
الناحيةُ التي يفتحُ فيها الغرباءُ قلوبَهُم
،وكأنَّها دفاترُ أو شبابيك
دونَ أن يَخْطُرَ لأيٍّ منهم
.أن يغادرَ بلدَ الغيومِ الشامِسَة
أذكرُ أنَّني كنتُ أركضُ وحدي
بينَ الغاباتِ والمستنقعات
،دونَ خوفٍ من الأيائلِ والتماسيح
دونَ اكتراثٍ بالخيطِ الفاصلِ بينَ المشانقِ
والقاطِراتِ المُعَلَّقَةِ بأبطالِ الرسومِ المتحرّكة
،فوقَ الطُّرُقِ السريعة
والفندقُ الغامضُ يَصْغُرُ ورائي
كسيجارةٍ مُشْتَعِلَةٍ مع الريح
كما كلُّ حياةٍ حذفتُها من حياتي
.لأُحَلِّقَ أعلى من منطاد
قطرة في أرض العمالقة
العابرةُ النحيلةُ كنخيلِ أورلاندو العابر
.بأشباحِهِ الشاهقةِ ذاتِ الشَّعْرِ الطويل
.الواجمةُ في وجوهِ المارّة
الناجيةُ في كلِّ مَرَّة
.من أفْكاكِ التماسيح
:الباسمةُ للبعض، كما يصطفي مطرُ صيفٍ مَصَبَّ دموعِهِ
،لسُحُبِ البَرْقِ والشوارع
للثعبانِ الأسودِ الذي يقتسِمُ الحديقة
،بسلامٍ مع الكنّاسين
للدُّبِّ البنيِّ الصغير
الذي ينبُشُ صناديقَ القُمامةِ مثلَها
،بحثًا عن كِسْرَةِ بسكويت
للسُّلَحْفاةِ العالقةِ بعيدًا عن بيضِها
،في نسيجِ سياج
.للنادلِ ذي الحزنِ المُشْرِقِ ولي
المُشَرَّدَةُ في ليالي أورلاندو
بعباءةِ سوبرمان العارية
بعَرَبَةِ سوبرماركت شبهِ فارغة
،على قارعةِ المقهى العربيّ
حيثُ يجتمعُ حشدٌ مهزومٌ من الرجال
،للَعِبِ النَّرْد
ويعلو صراخُ المتنافسينَ بعنف
.على فُسْحَةِ منفى
مارينا سميث التي جالَسَتْني كأميرةٍ من ديزني
قُبالَةَ الغروبِ المُعَلَّقِ عاليًا من غيومِهِ
وكأنَّنا على موعدِ عشاءٍ أخير
.على شَفا محيط
العجوزُ التي فتحَتْ لي قلبَها
وأكياسَها القليلة
:لتُطْلِعَني على كنوزٍ حزينة
قبّعةُ ميكي ماوس المُطَرَّزَةُ بنياشينِ الطفولة
آلةُ الهارمونيكا المُسَجَّاةُ في علبةٍ تحملُ اسمَها
وأدويةٌ كثيرة
للَدَغاتِ البَعوضِ والأفاعي
للسُّكَّرِ الذي يَلْتَهِمُ ضحكتَها وظلالَها
للقلب
.لأوجاعِ القلب
المُقامِرَةُ بوجودِها على أحصنةِ سباق
على أرقامٍ بلا حظوظٍ على قُصاصاتِ اللوتو
على الأرصفةِ التي لا تحنو على أحد
.لولا سُقوفُ المتاجرِ الحجريّة
مارينا التي قَبِلَتْ منِّي
ورقةً باهظةً كعشبةٍ خضراء
فقط لأنَّها تشتاقُ طعمَ الأعيادِ في دجاجِ كنتاكي
وتحلُمُ بتقليمِ أظفارِ قَدَمَيْها
.كي لا تتجذّرَ في اليأسِ مع الأشجار
.قَدَماها على الطريق
.قَدَماها الطريق
قَدَماها القصيدة
والرملُ الأحمر
.والكلمات
في مجرّة ميكي ماوس
بينَ باعَةِ الدموع
بعيارِ 24
وتُجَّارِ النجومِ الجَوَّالِين
بأسمالِ سَحَرَة
،وحُرَّاسِ جسور
أمشي في صَهْدِ النهار
بجَسارةِ قطرةٍ تَقْطَعُ صحراءَ الوجودِ بيقينِها
.دونَ حاجةٍ إلى قَدَمَيْنِ أو طريق
القمرُ مربوطٌ بخيطِ بالون
،كحصانٍ في الريح
والقلبُ قطارٌ يُصَفِّرُ داخلَ الصدر
.عاصفةٌ متواصلةٌ من العصافير
.على ظهري حقيبةٌ تُثْقِلُها الألعاب
وَسْطَ ظلالي
تَرِفُّ فراشاتُ النُّحاسِ النادر
.وتَشِفُّ أوراقُ شجر
كأنَّني نهرٌ يرتجلُ وجهَهُ
بما تجودُ به الأحجار
.من أجنحة
كيفَ تُؤْسَرُ الحرّيّةُ في تمثال؟
ومَنِ الذي سيُطفئُ حرائقَ الألعابِ الناريّةِ بجِلْدِهِ غيرَ التماسيح؟
على عاتقِ مَن يَقَعُ تصحيحُ خطإِ هيروشيما الفادح؟
ولماذا تُلِحُّ على دمعتي
أمامَ كلِّ دُمْيَةٍ في حُضْن
فادية، طفلةُ شارعِنا الشاردةُ في الشوارع؟
لا رِبْحَ من الرياح
لأنَّ الروحَ ليست برحابةِ الطواحين
مهما اشتدَّتْ أعاصيرُ الصيف
،واتَّسَعَ المدى بصدى أمنيات
ولا حوارَ حقيقيٌّ مع الأطفالِ الآليِّين
لأنَّني كَبِرْتُ على عشقِ كينغ كونغ
والكوكا كولا
والكاتشب
في الحروبِ الكثيرةِ بينَ شمعةٍ وأُخرى
،من أعيادِ ميلادِ طفولتي
.تلكَ التي لم يحضَرْها، بسببِ القصفِ، أحد
في مجرّةِ ميكي ماوس
.كلُّنا في المِصْيَدَة
المايسترو بعصاهُ السحريّة
فِرْقَةُ الفئرانِ الشجيّةُ الشُجاعة
والجمهورُ الجالسُ في الهواءِ الطَّلْق
بقبّعاتِهِ المُتشابهة
وأكياسِ مشترياتِهِ
:بكائناتٍ طريفةٍ على الأكتاف
.طائرٌ بأطيافِ برتقالة
.فيلٌ فارٌّ من وحوشِ السيرك
كُوالا أزرقُ صغير
جاءَ من كوكبٍ مجهول
فقط ليلتقِطَ صورةً للذكرى
.وأُخرى للنسيان
.يدورُ المسرحُ وكأنَّهُ الدنيا
.تدورُ الأرضُ وكأنَّها الحياة
وحدَها الفئرانُ تضحك
.لفوزِها بالقلوبِ والمليارات
في هذه المجرّةِ المُغْلَقَةِ على نفسِها كفُقّاعة
.وحدَها الموسيقى تؤنسُني
أغنيةٌ مشروخةٌ كأُسطوانة
،بسُعالِ موسيقارِ الأجيال
أُخرى لفرقةِ الخنافس
عن غوّاصةٍ ما
.غيرَ تلكَ التي لَحِقَتْ بمصيرِ السفينةِ الغارقة
لماذا اختارت ناسا مقطوعةً لباخ
كصندوقٍ أسودَ
بصوتِنا؟
ألا يكفي أنينُ الأرض؟
كما أبْصَرَ والت ديزني مدنَ المستقبلِ البَرَّاقَة
،في أَسَنِ المستنقعات
أنْحَتُ الصخرةَ السوداء
.برِفْقٍ من حولِ حُلُمي
.أمحو كلمةً، أكتبُ أخرى
،يطولُ سطرٌ ويتلاشى في الحبرِ طريق
وأنا في مكاني
يحوطُني الحُبّ
.وأبطالُ أفلامِ الكرتون الطيّبون
قصّة ناقصة
لا يلتقي غريبان
.إلّا لقلبِ حجر
فقط ليَشِعَّ الوجهُ الآخر
.الخَفِيُّ من الوجود
كما تَكْتُبُ الأقدارُ قصيدتَها الأصدق
على الوجهِ الخلفيِّ من الصفحة
.بخِلافِ ما أَوْصى رمْبو
كما تطولُ رحلةٌ بلُفافةٍ من ورقِ المفارق
.في الجهةِ المجهولةِ من الغابة
كما تتوالى في البراري البعيدة
أقواسُ قُزَحٍ لا يُبْصِرُها أحد
.وأقواسُ غزلان
هكذا التقينا
،في أقصى ضفافِ الأرض
.حيثُ الغروبُ بدايات
حيثُ الغيومُ مناطيدُ واطئة
وللشمسِ تكشيرةُ كينغ كونغ
.وضحكةُ إي.تي الشاسعة
مثلما يُديرُ كوكبٌ خدَّهُ الثاني
.لصفعةِ إعصار
مثلما تدورُ الطواحينُ إلى الوراء
.لعلَّها تتذكّرُ طفولتَها
،مثلما يَجْمَعُ المطرُ ناسًا تحتَ سقفِهِ
ثُمَّ يمضي كلٌّ منَّا نحوَ وَحْدَتِهِ
.بحُضْنٍ فارغٍ وخُطًى وارفة
العبور بسيّارة في قلب شجرة
أغفو على غابةٍ
يَقْطَعُها على قَدَمَيْنِ وعصًا
.رجلٌ وحيد
،ليسَ المعرِّي مُتَعَكِّزًا على كنزِ معنى
.وليسَ بورخيس في متاهةِ أيّامِهِ الأخيرة
،ليسَ حطّابًا لأحتاطَ بأغصاني من ضربةِ فأس
.وليسَ صيّادًا لأَفِرَّ في قفزةٍ مع الغزلان
جُذوعُ الأشجارِ مُتداخلةٌ كأطيافِ أوركسترا
،والضبابُ واطئٌ وكثيف
ويُخَيَّلُ لي
لِوَهْلَةٍ
أنَّ الغريبَ الغامضَ كغيمةٍ على الأرض
.هو أبي
،أتبعُهُ إلى رَدْهَةِ فندق
.إلى رَدْهَةِ مستشفى
نحنُ فجأةً في المشرحة
،عن طريقِ الخطأ
.ووجهُ الرجلِ خائف
.ليسَ أبي لأحتميَ من الموتِ في حُضْنِه
.أمامي طفلٌ يرتجفُ من الرهبةِ والبرد
.طفلٌ يشبهُني ولا يشبهُني
.نحنُ في الطائرة، وأبي ينزف
،دمٌ أسود
.دمٌ أخير
فوقَ الغيوم
،يدُهُ لا تُفْلِتُ الخيط
.لا تُفْلِتُ يدي
كَتِفًا إلى كَتِف
نمشي في بيروت
في مدريد
في امتدادِ شارعِ الشانزيليزيه
،جهةَ المَسَلّة
،تحتَ مطرِ صيفٍ خافت
كصديقيْنِ في حديقةِ بروست الهادئة
،كخَصميْنِ مُنْهَكَيْنِ من الكلامِ المُعاد
بعيدًا عن ماضينا المُتشابك
بحزنٍ وجَمال
.بجُذورِ هذه المدينة
،ندخلُ في ضجيجِ مقهى
نخرجُ من مرآةِ المواجهة
.بتناغمِ دمعتيْن
ثُمَّ ندخلُ في جوفِ شجرةٍ عملاقة
.بسيّارةٍ فارهةٍ خضراء
.كاديلاك طفولتي وسنواتِ السعادة
جِلْدُ السيّارةِ أبيض
.عابقٌ بالحنين
أبي خلفَ المِقْوَد
يضحكُ بكلِّ قلبِهِ
.والمدى شمسٌ أمامَنا
أخرجُ من قلبِ الشجرة
بمُفْرَدي كندم
،وفي يدي كوبٌ دافئٌ كبير
وكأنَّ الرحلةَ كلَّها
كانت لطَلَبِ القهوة
من نافذةِ السيّارة
ليقظتي الكاملة
.لبقيّةِ الطريق
،ليسَ الندمُ النادر
ذلكَ الذي أَحْناني حتّى حذائي
،حينَ تَرَكْتُ أطفالَ الشوارعِ للشوارع
،حينَ سَرَقْتُ أكثرَ من صَدَفَةٍ أثناءَ غفوةِ البحر
حينَ لم أَحْزِمْ حقيبةَ روحي
،للعودةِ إلى عزلةِ الدفاتر
حينَ دَعَوْتُ العاصفةَ إلى دخولِ حياتي
لا لشيءٍ سوى أنَّني أشْفَقْتُ عليها
.وعلى الأشجار
لا أظنُّهُ الحنين، ولو أنَّني أشتاقُ أحيانًا
،إلى رصيفِ المحطّة
إلى نوافذِ الغروبِ الورديّة
،من المقهى إلى النُّضْج
،إلى أغنيةٍ من الماضي
إلى وَقْعِها الأوّل
.على مفاتيحِ البيانو المخبوءِ داخلَ خجلي
،لعلَّهُ التعب
مع أنَّني ما زلتُ أحْمِلُ الأحجار
.وأصْعَدُ السلالمَ بسلاسةِ جُمْلَةٍ موسيقيّة
أقْطَعُ الطوابقَ الشاهقةَ على قَدَمَيْنِ وشمعة
.برِفْقِ قمرٍ عملاقٍ يُوقِدُ الغيومَ بدفءِ منازل
.في الظلامِ العالي أقِفُ بوَحْدَةِ باتمان
بشجنِ بيتر بان على الصغارِ والقراصنة
أُطِلُّ على حياتيَ الماضيةِ والآتية
،من مكانٍ واحدٍ كأنَّهُ العدم
على الحياةِ التي تسيلُ بهَوْلِ أبي الهَوْل
.على نهرٍ من النَّاس
بينَ شفتيَّ تنهيدة
.تضيئُها سيجارة
المشي بين السطور
على الدربِ التي سَلَكَها سقراطُ من قَبْل
بقَدَمَيْنِ حافيتيْن
،ورداءٍ وحيدٍ في كافَّةِ الفصول
على طريقِ جاك كيرواك
ورفاقِ رحلتِهِ
الحزانى
،المجانين
على طريقةِ نُسَّاكِ الجبلِ والثلج
رُعاةِ النسيانِ الأقربِ إلى السماء
من الأميرِ الصغير
،ومِنْطادِ الطيور
وعلى سبيلِ المِزاحِ مع الحياة
لعلَّها تضحكُ لمَرَّة
.وتبادلُني الحُبَّ أو الكلام
بمُحاذاةِ النهرِ النحيلِ ذي الألفِ وجه
في أفياءِ أشجارٍ بأعمارِ مكتبات
بحذاءٍ رياضيٍّ مُجَنَّحٍ كما الريح
.أقطعُ مسافاتِ اليأسِ واليقين
أُفَكِّرُ في الشعراءِ العابرِينَ في الصدى
في المدى المرصوفِ بأزهارِ عبّادِ شمس
في أطفالٍ مُثْقَلِينَ بنهاياتِ المدن
.وقلوبُهُمْ تضحكُ وتبكي مع العصافير
.عندَ الزاويةِ تَقَعُ القيامة
.الكونُ نقطةٌ في كُرَّاسَةِ رَسْمٍ منسيّة
أمشي وأمشي وأمشي
مع المصابيحِ المُطْفَأَةِ والغيوم
مع المارّةِ والأيّام
مع السيّاراتِ المُسْرِعَة
وأحصنةِ منتصفِ الليل
مع القمرِ الواطئ كوطواط
،والأكياسِ المُتطايرةِ وَسْطَ الخُطى
أخُطُّ سطرًا يتيمًا
.ممّا يَوَدُّ قولَهُ عن نفسِهِ الطريق
أينَ اختفى الطغاة؟
على الأرجحِ كانوا أشباحًا
من أشعّةِ الغروب
.على غَسَقِ شارعِنا
كم من الخرابِ خَلَّفوا في روحي
.وعلى وجوهِ أزهارِ الرصيفِ الصفراء
على الدروبِ الدائريّةِ التي تُعيدُنا إلى الأعتاب
.أَشِفُّ وكأنَّني ورقةُ شجرٍ تُعاتِبُ الشمس
أمشي على كلماتِ الرمل
على ألواحِ خشبٍ مُتلاحقةٍ بأنينِ أغصان
.على أسفلتِ الدهشةِ والدموع
أعتذرُ لكلِّ نسمة
.حَمَّلْتُها قلبي
قُمْرَةُ القيادة قُمْرَةٌ مظلمة
تَطْوي جناحيْها وتَحُطُّ
،بسكونِ مكتبة
.الطائرةُ العملاقة
نَهْبِطُ في شارعٍ ترابيٍّ ضيّق
يتلألأُ بضوءِ قناديل
.من عصرٍ قديم
عبرَ الكُوَّةِ البيضَويّة، أُبْصِرُ بحرًا
ومنازلَ بيضاء
.مُبَعْثَرَةً على صخور
!ليست هذه باريس
نحنُ في لوحة
في نسيجِ مَدْرَجٍ غامض
.دونَما أثرٍ لسلالمَ أو حقائب
.بقيّةُ الرُّكَّابِ يبتسمون
.لا بُدَّ أنَّهُمْ وَصَلوا إلى وُجهتِهِمِ الصحيحة
بقمصانِ صيفٍ خفيفة
.وبعضُهُمْ بثيابِ الثلج
قبّعاتٌ من قشّ
.وأُخرى من صوف
،لمساعدِ الطيّارِ قَسَماتُ قُبطان
وما من مُضيفةٍ لطيفةٍ في الأُفُق
.لأستفسرَ عن بوصلتي المكسورة
هل تَحَطَّمَت الطائرةُ أثناءَ نومي؟
هل جَنَحْنا مع الأمواج
وصولً إلى هذه الجزيرة؟
،أنا في اللوحة
ولفرطِ الرطوبة
.أخشى أن تسيلَ بملامحي الألوان
على حافَّةِ البحرِ الأَدْرِياتيكيّ
بحرِ البَنادِقَة
!بحرِ البَلْقان
أُدْرِكُ موقعي بدِقَّةٍ على خطوطِ العرضِ والطول
.وكأنَّني دَبُّوسٌ أحمرُ على خارطةِ حرب
على ساحلِ إيطاليا الطويل
.على مَقْرُبَةٍ من كرواتيا الحزينة
مُجَسَّمُ الكُرَةِ الأرضيّةِ من طفولتي
.يتدحرجُ كُرَةً في ملعبي
الزرقةُ فادحة
.وكأنَّ كلَّ أحبارِ روحي تَصُبُّ عندَ هذا الرصيف
كيفَ أغادرُ اللحظة
وأواصلُ رحلتي؟
جورج الخامسُ في انتظاري
في الرَّدْهَة
.في بورتريه مَهيب
ريحٌ حانية، وشَعْري وشالي يطيران
،في مهبِّ المغامرة
.والمسافرونَ من حَوْلي يتفرَّقون
أينَ أَبيتُ الليلة؟
وبأيِّ غيمةٍ أستدلُّ على سبيل؟
.أمشي قليلًا
.أمشي طويلًا
.أمشي مع غربتي التي ليست عصًا سحريّة
بلا غاية
بلا ذاكرة
.بلا كاميرا
التائهون
قلوبُنا أحجار، لكنَّ أحدَنا يَحْمِلُ حجرًا كريمًا
.مكانَ قلبِه
مكانَ عينِهِ اليُمْنى
،قطعةٌ مفقودةٌ من فضاء
شمسُ دمعةٍ
أو تنهيدةُ شمعة
.لمُهادَنَةِ متاهة
كُنَّا قد قَطَعْنا أشواطًا من الوهمِ والخَسارة
وأغصانًا من شجرةِ الأرقِ الشاهقة
،والتِّينِ والتُّوت
ثُمَّ تفرَّقْنا بخِفّةِ رَفٍّ من العصافير
.حينَ اشْتَعَلَت مكتبةُ العالم
.كلُّ معرفةٍ من قشّ
.كلٌّ مضى إثرَ ظلِّهِ في سوادِ الغابة
،أملُ قفزَتْ داخلَ قبرِها بقَدَمٍ حافية
الآنسةُ كاف طَوَتْ حياتَها
،مع أجنحةِ طيورِ الأوريغامي
وأنا بتلكُّؤ ساعي بريدٍ على ضِفّةِ خريف
.مشيتُ نحوَ وَحْدَتي بلا رسالة
،ثُمَّ كانَ علينا أن نُعيدَ نَحْتَ براءتِنا من الوحل
بأعوادِ العشب
.بسكاكينِ الجيبِ أحيانًا
وجوهُنا الواسعةُ تلك
هَجَرْناها مع أهلِنا
في الصُّوَرِ التي لم تَعُدْ تشبهُنا
.في مراياهُمِ المُلْتَبَسَةِ بالكُرْهِ والهوان
تَرَكْناها دموعًا في مناشفَ ملوّنة
على أعتابِ حاناتٍ أَغْلَقَتْ أهدابَها
،في محطّاتٍ مُزْدَحِمَةٍ ومطاراتٍ خالية
مع بائعِ آيس كريم
،يَجُرُّ عَرَبَةَ ضحكاتِنا في الشتاء
أمامَ موقفِ باصَّاتٍ مهجور
،إلّا من غِربانِ الشروق
في مَمَرَّاتِ المدرسةِ والديسكو
.ومقبرةِ الفراشاتِ الشقيّة
كانَ علينا أن نُفْلِتَ كخفافيشَ من بيوتِ التعاسة
من نوافذِ الفصولِ القاتمة
،وأسى أدوارِنا
من أحضانِ الأسلاكِ الشائكة
،ولو من دونِ أعينِنا ودموعِنا
نحنُ الذينَ نَثِقُ بالقطيعةِ لقلبِ طاولة
.ونَعي أنَّ القلوبَ تسقُطُ وتنبُت
.تَبِعْنا أصداءَ الأميرِ الصغيرِ حتّى أقاصيَ الصِّدْق
.غَزَلْنا ظلًّا لبيتر بان من خيوطِ خلاصِنا
،حاوَرْنا الشوكَ دونَما شَكْوى
.أَلِفْنا الثعالبَ والثعابينَ والقراصنة
.غَفَرْنا ما كانَ للغرباءِ الذينَ سُرْعانَ ما أصبحوا إخوتَنا وأعداءَنا
.كم كَلَّفَتْنا الحرّيّة
بدهاءِ عاهرةٍ عجوزٍ تحتَ مظلّةٍ مُهانة
بابتسامةٍ مُحايدةٍ بنصفِ أسنانِها
أضاءت لنا دونَ مُقايضة
بما لا تقبِضُ على نورِهِ بكَفِّها المفتوحةِ نجمة
.لعلَّها تَحْظى بقطعةِ حلوى أو بقايا سيجارة
ثُمَّ كانَ علينا أن نعودَ إلى أعماقِنا قليلًا
إلى يأسِ الينابيعِ العالية
،والعُرى العميقةِ في عُقَدِ طفولتِنا
،إلى مقاعدِنا الشاغرةِ في صالةِ السينما
لعلَّنا في هذه المَرَّةِ نقفِزُ عن حافّةِ الأرضِ والألُفَة
قاطعِينَ حبالَ المشانقِ التي تَصِلُنا بعائلاتِنا
،ومسرحِ العرائسِ السعيدة
بأولئكَ الذينَ أحْبَبْناهُمْ عن جَهْل
.هربًا من أَنْفُسِنا
كانَ علينا أن نتخفَّفَ كخريفٍ من بياضِ كذبِنا
من باقةِ عَلاقاتٍ مُجفّفة
،وبطاقاتٍ بريديّةٍ فَقَدَتْ بريقَ صِدْقِها
من حَمْحَمَةِ عبد الوهاب العالقةِ بحنينِ حناجرِنا
من النجومِ التي تَفَتَّحَتْ بكافَّةِ نوافذِها
من آفاقِنا المُستديرةِ في آهاتِ منفضة
من الأكوابِ المكسورةِ في كلامِنا اليوميّ
من كلِّ عتابٍ على ترابِ شفاهِنا وأكتافِنا
.ومن الوقوفِ بلا وجهةٍ عندَ المفارقِ الوارفة
سوى أنَّ سيّارتَنا المُسْرِعَةَ نحوَ قوسِ قُزَح
.دَهَسَتْ قطّةً على الطريق
،أنا البراءةُ الطائشةُ في مصيرِ قطّة
والنبضُ الذي انتفضَ بحُرْقَةِ حياةٍ
.في عَجَلَةٍ تدور
.أنا دفترُ إسكيمو أضاعَ وجهَهُ في العاصفة
أنا القنفذُ بكاملِ أشواكِهِ
.والسُّلَحْفاةُ التي تَحْمِلُ بيتَها مع الرحّالة
أتأمَّلُ شروقَ الأشياءِ وأُفولَها
.عن مسافة
تُراني خُنْتُ الآخرِين
حينَ احتفظتُ بدُمْيَةٍ بحجمِ عُقْلَةِ الإصبع؟
لكنَّني احتفظتُ بأصابعي كاملةً
.رُغْمَ الشموعِ التي أشعلتُها لنفسي ولآخرِين
قهوةٌ قهوةٌ قهوة
لعلَّنا نُبْصِرُ النهارَ الطالعَ من سهرِ أجفانِنا
.وما تبقّى من أعمارِنا والطريق
قصيدةٌ قطرةُ مطر
.مطرٌ مليءٌ بالأشباح
.سماءٌ تتساقَطُ بناسِها
كيفَ لا أفتحُ نوافذي بوسعِ عيون؟
كيفَ أتركُ وجوهَ النهرِ
تتكسَّرُ من يأسِها
في الزجاجِ والحجر؟
على أسفلتِ الشارعِ المُهَشَّم
.مقبرةٌ تفيضُ بأطفالِ الماء
الناجي من بينِهِم
يَحْضُنُ حَبَّةَ تراب
.أو عشبةً مائلة
أجملُهُمْ حظًّا
حَطَّ بلُطْفِ فراشة
.على أنفِ كلبٍ ضالّ
.أبطالٌ بشجاعةِ الدموع
شعبٌ آخر
يُهْدِرُ أغنيةَ الغيمِ والثورة
.دونَ أن يرسِمَ قوسَ قُزَح
تحت شجرة فان غوغ
.ليسَ هذا الخريفُ سوى النُّسَخِ النافدةِ منِّي
كثيرةٌ هي الأوراق
.كي أكونَ دفترًا يُطْوى
أذكرُ أنَّني عَلَّقْتُ أصدقَ صُوَري
على غُصْنٍ واهٍ
،ولَهَوْت
مع رحلاتِ اليومِ الواحد
مع قصصٍ بقُصورِ مقطوراتِ المنازلِ المُتَنَقِّلَة
مع قُصورِ الرملِ المصقولةِ بصَمْغِ الغروب
مع رجالِ ثلجٍ بقَسَماتٍ وأعمارٍ مُتقاربة
مع ضحكةٍ فالتةٍ من فَرْدَةِ صندل
،مفقودةٍ في الموج
مع أصدقائي في لقطةٍ من القبّعاتِ والأقنعة
مع دمعةِ أوسكار وايلد
،ومع الثعالب
بينَ الكلماتِ والكُثْبان
مع قصيدةِ القمرِ التي تَنْقُصُها نجمة
كما يَمَّحي الحطّابونَ في لوحةِ الندم
بحقيبةِ ظهرٍ تُثْقِلُها قطعُ الحلوى والحنين
.بظلالٍ يرنو إلى رملِها النهرُ والأطفال
.جلستُ في مدارِ شجرة
.صرتُ اللونَ الأصفر
ثُمَّ جاءت الجميلاتُ دونَ دعوةٍ
،إلى قلبِ الغابة
.إلى وليمةِ وَحْدَتي
عَلَّقْنَ عيونَهُنَّ على شَمّاعاتِ النجوم
على أشجارِ سَرْوٍ تمشي في أحلامي
على الغيومِ الهائجة
،المائجةِ بجنونِ ريشة
قُبالةَ كُرْسِيِّ غوغان
.في مواجهةِ كتابيْنِ مُغْلَقَيْنِ وشمعة
كيفَ يَعْثُرُ على مخابئنا الأشباح؟
ٱمرؤ القيس مرّ من هنا
علّق دموعه على جدراني
في أكثرَ من مكانٍ في آن
،كما الحُبُّ والموت
،كما تبكي على امتدادِ كوكبٍ أنهار
.مثلما تتبعثرُ حياةٌ في حَبَّةِ رمل
.على الطريقِ المُلَطَّخِ بأشلاءِ مدينة
،وَسْطَ حُطامِ سفينةٍ
.على رأسي قبّعةُ قُبطان
أمامَ محطّةِ وقودٍ مهجورة
.إلّا من طفلٍ بقَسَماتِ قطرة
،في ركني، برفقةِ كأسِ كونياك وكلب
.بصقيعٍ ناصعٍ في أطرافِ الأصابع
في المتاهةِ الهائمةِ على وجهِ شمعة
في المرايا الغزيرةِ في دمعةِ غريق
.في مواجهةِ نسمةٍ بلا رسالة
.في المَمَرَّاتِ المُتتالية، أسنُدُ شبحَ أُمِّي بأهدابي
جوارَ أبي الذي صارَ في أيّامِهِ الأخيرة
.بخِفّةِ جوارب
في منازلَ مُضاءةٍ بأعيادٍ ماضية
في المترو المُشِعِّ بمقاعدَ قُزَحِيَّةٍ شاغرة
في فُسْحَةٍ مُشْمِسَةٍ من المغفرة
في هامشِ ملعبٍ من العشبِ والندى
في الصدى وفي الصراخ
،في بيروت وباريس، في صفحةِ ظلٍّ واحدة
في شارعيْنِ لا يتقاطعان
إلّا عندَ شجرةِ عصافير
.تصدحُ وَسْطَ روحي
في البئرِ الغائرةِ في كَفِّ الغابة
في مَرْمى موجةٍ في لوحة
في أرقِ الفندقِ الأحمر
.وفي محلِّ أزهار، أبحثُ سُدًى عن باقةِ قلبي
في قبري الذي أزيّنُهُ من تحتِ التراب
،وفي أحلامِ أصدقاءٍ لم أَطَأْها
.ولا أحدَ يحكي لي تفاصيلَ الحُلْم
أمور عالقة بالأمل
.الطريقُ بأطرافِها السائبة
الدرّاجةُ الناريّة
.بشَعْرِها الطويل
الحُبُّ في طبعةٍ وحيدةٍ
.نافدة
عتابُ الأبيضِ والأسود
العالقُ بينَ أوتارٍ ومطارق
.في قلبِ بيانو
حوانيتُ الحنينِ المنحوتةُ بمعاولِ المطر
.كما الكهوف
مفاتيحُ السعادةِ التي لم يَسْتَعِدْها
.من لوحةِ المفقوداتِ أحد
العاصفةُ والصحو
.في الصفحةِ نفسِها من سماء
ذاكرةُ السمكةِ الأُولى
.في حَوْضٍ أخيرٍ من النسيان
.الوصفةُ السحريّةُ لصناعةِ حياة
.المجرّةُ المُكْتَمِلَةُ كوليمةٍ في نافذةِ المطبخ
.الليلُ الذي يلعبُ بكُرَةٍ كبيرةٍ على سَطْحِ الجيران
البنتُ التي خرجَتْ خِلْسَةً من خيالِ موراكامي
لتدخلَ إلى حياتي مع كلابِها
وقطّتِها المفقودة
.وقبّعاتِها الاستوائيّة
.بيتُ القصيدِ المُتَهادي على ظهرِ سُلَحْفاة
البناياتُ التي تنبُتُ بينَ عَشِيَّةٍ وضُحاها
.وكأنَّها أعشابُ شاطئ
.البريقُ الناقصُ من نظراتِ الصغارِ الآليِّينَ نحوَ الشمس
.البراءةُ الفائضةُ عن ضحكةِ رجلِ ثلجٍ ذائبة
.القميصُ المُرَفْرِفُ بأصداءِ عناقٍ على حبلِ غسيل
.العصافيرُ المُتَقَمِّصَةُ لعناوينِ دواوينَ على رَفِّ مكتبة
.الحقيبةُ التي أضاعت قُفْلَها الأصفر في خريفِ السَّفَر
صورةُ البروفايل المُتَبَدِّلَة
بوجهٍ واحد
.وإشاراتٍ ورسائل
.الياسمينُ الذي يتفتّحُ حيثُما يمرُّ اليأس
.الأملُ الذي يملأُ دِلاءَهُ من قطراتِ الندى
.الكُرْسِيُّ الهزّازُ بأحزانِ الكوكبِ في كتابٍ مفتوح
.الأرجوحةُ الحائرةُ بينَ ضَمَّةٍ وسكون
.المدرسةُ المُختبئةُ داخلَ مُكَعَّبِ سُكَّر
.المقهى المرسومُ ببقايا القهوةِ والتبغِ والغيوم
.ثلاثيّةُ الكافيين والنيكوتين والكلماتِ الكثيفةِ في سطرِ سنونو
.ثنائيّةُ الكبريتِ والاعتذارِ المُكابر
.رباطُ الحذاءِ المحلولُ على رملِ أغنية
.القلبُ المواربُ في جُرْحِ حَبَّةِ فستق
.الغروبُ الغارقُ كسفينةٍ في كأسِ كونياك
غيابُكَ الطويلُ مثلَ خيطٍ
يَحيكُ دروبي كلَّها
.بلونِ اللؤلؤ
رحلة يوم وحيد
تُناديني أغنيةٌ من أعلى الجبال
،فأصْعَدُ بأحجارِ روحي
.يُجَنِّحُني الحُطامُ والمطر
مع الجسورِ التي سَهَوْتُ عن إحراقِها مع أوراقي
مع نُسورِ العالمِ الجديد
مع نُسورِ العالمِ القديم
عبرَ الوُدْيانِ الكابية
والقرى الفقيرةِ المُقْفِرَة
.بحقيبةٍ لا تَسَعُ حَبَّةَ رمل
تصحبُني سُحُبٌ وأشجارٌ وأُحْجِيات
أنهارٌ غائرةٌ في غياهبِ الأغصان
نوافذُ مُعَلَّقَةٌ كلوحاتٍ في مُتْحَفٍ مفتوح
.كلابٌ ضالّة، بعيونِ أطفالٍ في الضباب
ذئابٌ مُختبئةٌ خلفَ كُثْبانِ الثلج
عَرَباتٌ تئنُّ من الجوعِ إلى معنى
وأمنياتٌ أتَشَبَّثُ بأطرافِها المُتلاشيةِ مع الريح
.لكنَّها كما العُمْرِ تُفْلِت
هل تغفرُ الغيوم
غفوتي على الدرب؟
تُراها تسامحُني
الدروبُ التي لم أصحَبْها حتّى النهاية؟
أُكَذِّبُ ذاكرتي وأوراقَ العشب
.وتُدينُني على الترابِ دموعي
.دموع ب. ب
،تَصْحَبُني في الشوارعِ الشوارع
،إعلاناتُ شانيل 5 العابقةُ بعنفوانِ أُمِّي
أشباحُ الثورةِ الفرنسيّة
،بفِصامِ الشمعةِ والمَقاصِل
كلابٌ مشرّدة
،بعيونٍ عادلةٍ مع دموعي
أشجارٌ شاهقةٌ من أسفِ الأرصفة
على العابرِينَ عبثًا عبرَ العصور
.على جسورٍ تَمْتَدُّ بدمائهِم
مقاعدُ المقهى الحمراء
،وكأنَّها أوراقُ عُشَّاقٍ في غيرِ أوانِها
مظلّاتُ ماغريت المُتَساقِطَةُ دونَما مطر
،الواجهاتُ الجارحةُ لِوَحْدَةِ المانْكانات
الرياحُ الماحيةُ لوجوهِ الجميلاتِ الغافيات
بأهدابٍ كَحْلى
.تحتَ أغصانِ كستناءِ الحصان
،الحصى بانكساراتِهِ الخِلاسيّة
،قمصانُ الحديقةِ ذاتُ الأزرارِ المفتوحة
الغِربانُ التي تتخاصَم
،حولَ رُقْعَةِ شمسٍ على مصطبة
أحصنةُ الرخامِ الصامتة
لولا أصداءُ الصهيل
.بينَ إزميلٍ وأصابع
قواربُ النهرِ الرقراقة
،كقلوبٍ لم تَنْهَرْها ضفاف
،قبّعةُ البرجِ القابعِ في برجِهِ العاجيّ
الخطواتُ المُتَدَرِّجَةُ بأطيافِ غروبٍ بطيء
.بأخطائيَ الأُولى على سلالمِ التروكاديرو
،ضحكةُ قاطعِ الطريقِ على صَهْوَةِ درّاجةٍ ناريّة
الألعابُ الناريّةُ في قصّةِ حُبٍّ
،على طاولةٍ تنطفئُ شمعتُها
أطيافُ النادلةِ الآبنوسيّة
وهي تتهادى بينَ الطاولات
.بطُمأنينةِ أميرةٍ من أساطيرِ الطوارق
تَصْحَبُني بيروتُ في باريس
،وباريسُ في بيروت
كما تُحَتِّمُ المرايا والحقائب
.وأراجيحُ الحنين
تَصْحَبُني حروبٌ وزلازل
،ومنارةٌ مُقَلَّمَةٌ كرسالةِ غريق
أَزِقَّةٌ زاهدةٌ في الأمل
وضحكاتُ نُدَماءَ عالية
ورماحُ أندادٍ
.عميقةٌ في روحي
حكايةُ بنتٍ وحيدةٍ في ساحة
تقطعُ مسافةَ اليأسِ نفسَها
،مَرَّتَيْنِ في اليوم
من محطّةِ الباصِّ المُعَلَّقَةِ بينَ أجفانِ الجبال
حتّى أغنياتِ فيروز
.المُكَلَّلَةِ بملائكةِ الأعياد
تَصْحَبُني تميمةُ الحياةِ التي لها
،قلبُ بريجيت باردو
هذا الذي يَسَعُ مئةَ عشيقٍ
وسِتِّينَ قطّة
والكثيرَ من الجِراءِ التي وَجَدَتْ ضالَّتَها
،في حُضْن
،وقطيعًا من الخِرافِ والماعِز
وحِمارًا
وفرََسًا
،وحصانًا
وأربعَ محاولاتِ انتحارٍ
،فاشلة
وكأنَّهُ كوكبٌ يَكْتَمِل
.كلّما انْكَسَرَ أكثر
بورخيس يبتسم بيننا
مَنِ الذي يَسْكُنُ الوَحْدَةَ كما المتاحف
وحُرَّاسُها الباسمون
على مقاعدَ مؤلمة؟
،مِنَ الساحةِ التي تُشَجِّرُها تماثيلُ جَيّاشةٌ تحتَ الرذاذ
ويتشاجرُ مع حَمامِها
،كنّاسٌ مُجَنَّحٌ بكيسٍ هَفْهافٍ على الكَتِف
حتّى القاعاتِ المُتعاقبةِ عبرَ المَمَرَّات
،المُوَشَّاةِ بأرقامٍ مُذَهَّبَةٍ كما غُرَفِ الفنادق
والصبرُ حصانٌ كستنائيٌّ كُمَيْت
بعُرْفٍ ذهبيٍّ وذيلٍ مُتَأَهِّب
مُتَسَمِّرٌ على حافريْهِ الخلفيَّيْن
.وكأنَّهُ بالفعلِ فَحْلٌ في لوحة
المدينةُ الأُخرى ساحةٌ مائجةٌ بأزرقِ منتصفِ الليل
،بالوجوهِ المُتوارية
بقناديلَ عاليةٍ
ساطعةِ الشموعِ والهالات
على العابرِينَ الهُوَيْنا في الألوان
.وعلى العابرِينَ بذهولٍ من أمامِهِم
نهرٌ مَهولٌ بينَنا، هذه المرآةُ المُزدحمةُ
بالغرباءِ الذينَ سبقونا إلى التشكيلِ والتلاشي
.بضربةِ ريشةٍ على ضفافِ غيوم
بيكاسو طفلٌ تجاوزَ الأزمنةَ كلَّها
على صَهْوَةِ ثورٍ جريح
فقط ليسخرَ من خريفِ فان غوغ
،المُبالغِ في الغيمِ والبرد
من العارياتِ اللّواتي تَجَرَّدْنَ من كلِّ ورقةٍ ووجه
،لكَسْوِ وَحْشَتِهِ كخرشوفةٍ معروضةٍ تحتَ الأضواء
ومن المراحلِ الملوّنةِ والمُكَعَّباتِ المُتراكمةِ بلا معنى
.في معادلاتِ أعمارِنا المُخْتَلَّةِ الخاسرة
دونْ خوسْتينو دي نيفي
أدارَ ظهرَهُ ذا الرداءِ الدامس
.لزائرتِهِ التي لا تَحْمِلُ أزهارًا هذه المَرَّة
.دخلَ في قسوةِ الجدارِ والقُرون
تَبِعَهُ دونَما تَرَدُّد
.الكلبُ الصغيرُ من زاويةِ المكتبة
لكنَّ الحكايةَ تدورُ كمروحة
،في مكانٍ آخرَ من الصَّرْحِ المَهيب
في القَبْوِ المُؤَثَّثِ بأُلْفَةِ كافيتيريا
،بإنارةٍ حداثيّةٍ خَفِيَّة
حولَ الرجلِ الجالسِ ببَسْمَةِ شاربٍ خفيفٍ قُبالتي
،وبينَنا فنجانُ كابوتشينو كبير
حولَ مدارِ المرأةِ الغائرةِ كخنجرِ مُهَرِّجٍ في كُرْسِيِّها المتحرّك
.وعلى رأسِها قبّعةٌ مُضحكة
كم من البحرِ والشمسِ والثلجِ والصخر
،وعصافيرِ المحطّاتِ المُتطايرةِ في كلماتِها
في نافذةِ عينيها المكسورة
.المُرَقَّعَةِ بدمعةٍ مُكابرة
تكادُ نُكْتَةُ الحُبِّ تكتملُ أمامي
،لولا التصلُّبُ المُتَعَدِّدُ في أجنحةِ الرسّامةِ الصاخبةِ كعاصفة
لولا الهلعُ الهادئُ الذي يفيضُ عن ضحكةِ الرجلِ ذي العينيْنِ اللّازورديّتيْن
من محيطِ إيرلندا الأطلسيّ
،حتّى حافّةِ طاولتِنا المُنَقَّطَةِ بمطرِ معاطفِنا
بدموعٍ انهمرَتْ مَجازًا
في كأسٍ فارغة
وطبقِ حَساء
.وكلامٍ عابرٍ على مائدةِ المُصادفة
كم كَسَرتْنا الجائحةُ التي كقشّةٍ عائمةٍ بهدوءِ فَرَسِ نهر
.على سَطْحِ طُوفان
كم كُنَّا خائفينَ داخلَ جِلْدِنا وخلايانا
وخرائطِ جيناتِنا الغامضة
،وألعابِ مناعتِنا المليئةِ بالمفاجآت
في حجراتِنا ومنازلِنا المجهولة
في المدنِ المَوْبوءةِ بتنهيدةِ تِنِّين
وفي وقفةِ العالمِ كفزَّاعِ عصافيرَ فاردٍ ذراعيْه
.حتّى أقصى قشّةٍ من أكمامِه
على كَتِفي فراشةُ نظرة
.شعاعُ زهرةِ عبّادِ شمس
.الألوانُ تُناديني
.الغريبانِ في غُبارِ التقاطعِ الغريبِ للأقدار
.أحدُهُما يُقْبِلُ والآخرُ يُدْبِر
مَنْ ينزعُ الأشواكَ من نظرةِ شون
من عِظامِ ميليتا المُفتّتة
ومن القنفذِ المُختبئ كوردةٍ بلا مُسَدَّس
داخلَ قلبي؟
،ظالمةٌ هي ملامحُنا
.عبثًا نحاولُ تصحيحَها بممحاة
الحصانُ المصلوبُ على مصراعيْهِ يَصْهَل
على قطعةٍ شاهقةٍ من قُماش
.خلفَ أبوابٍ شفيفةٍ مُتأرجحة
الكاهنُ الإشبيليُّ يكادُ يخرجُ من صومعتِهِ
ليسألَني عن الطقسِ المجنون
.وعن قبرِ أبي
النهارُ لتشابهِ الملوك
للملائكةِ التي لا تحتاجُ إلى تقليمِ أظفار
للطبيعةِ الصامتةِ في تفاهةِ تُفّاحة
.ومناظرِ الطبيعةِ المحرومةِ من النزهات
بأكياسٍ خفيفة
.أخطو داخلَ متاهةِ بورخيس
النهارُ لأزهارٍ صفراء
.تتفتّحُ حيثُ نُسَطِّرُ خرائطَنا الكفيفة
خارطة الخروج من متاهة
الربيعُ رجلٌ يَحِلُّ الكلماتِ المُتَقاطِعَة
.في جريدةٍ خضراء
الأشجارُ تلوّنُ أثوابَها
بأقلامٍ من أخشابِها
.بأقدارِ فؤوس
أحصنةُ الفصولِ تدورُ من أيلولَ إلى آخر
وشبحُ شرلوك هولمز يترنّحُ حزينًا
.على أسفلتِ الطَّرَفِ الأغرّ
حينما تكونُ الحياةُ جُرْحًا مفتوحًا
.حتّى السكونُ يؤلمُنا
.المَشَّاءُ نهرٌ نَسَّاء
يُسْقِطُ عن نفسِهِ الورقَ اليابس
الوردَ الأصفر
قمصانَ العناقاتِ الناقصة
وقبّعاتِ الحُبِّ الأوّل
والثاني
.إلى ما لانهاية
يُسْقِطُ عن نفسِهِ تهمةَ التعاسة
.وتعاطيَ العدمِ بجُرُعاتٍ زائدة
تلمعُ في عيني العوّاماتُ العالقةُ بالطمي
،كأطفالٍ نائمينَ في طينِ أحلامِهِم
بشبابيكِها المُتشابكةِ بالأغصان
،وشاي شُرُفاتِها
:بأشيائها الفالتةِ كهواءٍ في الهواء
إبريقٌ فارغٌ من الكلام
أقداحٌ مقلوبةٌ على قلوبِها
.دُمْيَةٌ مُتَأَرْجِحَةٌ بنسيمِ ستارة
يُحَيِّيني دُبُّ محطّةِ بادِنْغْتون
،بمَرْطَبانٍ من المُرَبَّى في حُضْنِهِ
،حارسُ مسرحٍ عائمٍ على احتمالاتِ الفرح
مقهًى أخلاهُ روّادُهُ ونادلوه
،لعائلةٍ بلا وطنٍ من السناجب
عُشَّاقُ عُطْلَةِ الأحد
.المُطْمَئنُّونَ كجسورٍ فوقَ سَطْحِ الماء
يُحْييني الزنبقُ المائيّ
.بوجهِ أوفيليا الباسم
ماذا عن الجثثِ التي تطفو
بأسفِ سُفُنٍ غارقة
في الدقائقِ الخمسِ الأُولى
من كلِّ فقد؟
أتبعُ فُتاتَ عصافيرِ الضِّفّة
،كمَنْ يسابقُ المَجْرى والجناح
ولحظةَ وقوعِ جريمة
في شارعٍ خلفيّ
بينَ جدرانٍ لا تَشي بعطرِ قاتل
على مسرحٍ حافلٍ بالعازفِين
.بعصافيرَ كفيفةٍ على أكتافِهِم
روحُ المُحَقِّقِ مورْس تحومُ من حولي بحنانِها
بنظرتِهِ الزرقاءِ الشاردة
كغزالٍ بينَ الأَزِقَّةِ والأشجار
إثرَ كلِّ سطرٍ هاربٍ من كراريسِ الأوبرا
.من كتابِ الحُبِّ المُغْلَقِ بهدوء
هل من قطارٍ يُقِلُّني إلى بلادِ الخريفِ والخُرافة؟
مَنْ يَهِبُني ربيعًا بلا دمعة
لأملأَ بالأملِ كلَّ طريقٍ في طريقي؟
.الحُبُّ عابرٌ مثلَ يومٍ ماطر
الحُبُّ ساحرٌ بجَعْبَةٍ حاسرة
ينحني ببراءةِ بَجَعَةٍ على حافّةِ بُحَيْرَة
.مُتأمّلًا ملامحَهُ بصِبْغَةِ الغروب
.الحُبُّ مُهَرِّجٌ وَسْطَ ساحةٍ هَجَرَها الحمام
على ظهرِ فاتورةٍ بحبرٍ خفيف
على جدارٍ يشيحُ بوجهِهِ عن الأقنعة
أخُطُّ السطورَ سريعًا
.كمَنْ بخطواتِهِ يرسِمُ خارطةَ الخروجِ من متاهة
،القصيدةُ وقوفُ فزَّاعِ طيورٍ على أطلال
.وصوتي، عندَ هذه النقطةِ الناجيةِ من العاصفة، وَقْفٌ ساكن
لطالما حَلُمْتُ بأغنية
.تحملُ روحي كرسالة
موراكامي على الشاطئ
،التَّعَلُّقُ ولو بوجهِ غيمةٍ على الدرب
.دربٌ دامِغٌ إلى التعاسة
.بلا مظلّة، قَطَعْتُهُ تحتَ مطرِ تَمُّوز
ثُمَّ كصفحةٍ تَطْفَحُ بالأخطاءِ الفادحة
.قَطَعْتُهُ من دفترِ ربيعي
،أصْفادٌ حولَ المِعْصَمِ واليدِ والقصيدة
العَلاقاتُ التي تُعَطِّلُني عَنِ الطيران
.كقطارٍ عالقٍ في عُنُقِ نَفَق
،حبالُ مشانقَ مُحْكَمَة
وإن رَبَطْتُها على أشكالِ شرائط
.تَرِفُّ أطرافُها بالألوان
قضبانُ نافذةٍ تُقَسِّمُ القمر
بحِصَصِ تورتةِ عيدِ ميلادٍ من الشجن
.على أطفالٍ بنُحولِ القضبان
.كما بيتر بان، لا ظلالَ لي
لعلَّني أضلّلُ الموت
والمُتلصِّصينَ على روحِ مصباحي
.في منتصفِ متاهة
حتّى أقصى جزيرةٍ من العزلة
.يُجَنِّحُني الحُبُّ واليأس
حيثُ القراصنةُ وفُقْماتُ الرُّهْبانِ أصدقائي
يحاورُني بحرٌ بلازوردِ النسيان
.ونخيلُ جوزِ هِنْدٍ مُشاكس
موجةٌ بملامحِ دلفين
.تدفِنُ تعبي
يجاورُني بيتٌ مُشْمِس
من الخشبِ الأبيض
.والشبابيكِ الكثيرة
يسكنُهُ لحُسْنِ المُصادفة
صديقُ القططِ الناطقةِ في الكُتُب
،والمصائرِ المائجةِ بينَ الفصول
عاشقُ الأسطواناتِ والتي-شيرتات الملوّنة
.هاروكي موراكامي
.كيَراع، يختبئُ من هالتِهِ خلفَ سياج
يركضُ وحيدًا كشبحٍ على الشاطئ
هربًا من حروبِ طفولتِهِ
ومن الأمواجِ المُتَلاطِمَةِ بالجثث
،على ساحلِ مَنْشوريا
من مَسْطَرَةِ أبيهِ الخشبيّةِ على أصابعِ البراءةِ والبراعة
ومن الأبطالِ الذينَ تركَهُمْ وحيدِينَ في البئر
في العالمِ الموازي
.في نهاياتٍ ناقصةٍ مفتوحة
.ليسَ الكسل
هي الحرّيّةُ التي أوصى بتفكيكِها كافكا
.كافّةَ صغارِه
.هي هاواي التي لم أزُرْها قَطّ
مَسْقَطُ دمعةِ الدُمْيَةِ التي حَمَلَها أبي
.في حقيبتِهِ الفائضةِ بالعُقودِ والآمال
كأسُ ماي تاي كبيرة
.تُزَيِّنُها مظلّةُ صيفٍ ورقيّة
.طَبَقُ سَلَطَة بأطيافِ قوسِ قُزَح
.أقداحٌ وقَدَّاحاتٌ نافدة
.قمصانٌ مُبْهِجَةٌ تصلُحُ لمُعانقةِ الحياة
هي البقعةُ الأخيرةُ الناجيةُ من الطُّوفان
.لا لشيءٍ سوى أنَّنا -على جزيرةِ الكلماتِ السعيدةِ البعيدة- أوّلُ الغَرْقى
ورّاق اسمه الخريف
خطوة
خطوتان
.خريف
بلا بوصلة
وبلا تَوْقٍ إلى الوصول
بعينيْنِ مُطْبَقَتَيْنِ على طَيَّاتِ الطريق
،أَصِلُ إلى محطّةِ القلبِ الأصفر
هذه التي لا تُشيرُ إلى كُسوفِ شمسِها الكُلِّيّ
نرجسةٌ دفينةٌ في الخرائط
.أو نجمةٌ آفلةٌ من الأساطير
كما يَجْفَلُ نهرٌ في منتصفِ جُمْلَة
.ليصبحَ فجأةً صَفْصافة
مثلما يتسمَّرُ شبحٌ وَسْطَ حَلَبَةِ تانغو
.بمُلاءَةٍ مُتطايرةِ الأطراف
،مَنْ سوايَ يُراقصُ العدم
ويدوسُ سَهْوًا
على خطوتِهِ الواسعة؟
عبثًا أبحثُ عن نافذةٍ في النسيم
،لأُطِلَّ على الأطلالِ من خارجِ الخَسارة
لعلَّني أتلاشى على هامشِ صفحة
مع أوراقِ العشبِ الرابحة
.ومع الفراشاتِ العالقةِ بلحيةِ والت ويتمان الكثيفة
،ليسَ بوسعِ قطارٍ أن يقطعَ رحلتَهُ نحوَ الينابيع
.لكنَّني بقلبِ خارطةٍ سأحاول
على مقعدٍ مُعاكِس
.تُشْرِقُ روحي من رمادِها
أيُّ نسمةٍ تدفعُني بأهدابِها نحوَ النسيان؟
أنحني فوقَ فُوَّهَةِ بركانٍ خامدٍ في قلبي
.لأُشْعِلَ سيجارة
المحطّاتُ أكشاكُ شوكولاتَه لطفولةِ الطريق
منازلُنا حينَ تؤلمُنا البيوت
مقاهينا حينَ نهربُ من الجدرانِ إلى النوافذ
،مخابئُنا لأنَّنا بلا مخالب
والقلبُ قفزةُ غزالٍ مُباغتٍ في أقواسٍ بارعة
.في بُرْهَةِ الغابة
أكادُ أضحك
لولا أنَّني أُفَكِّرُ في الحُبِّ الذي تعثّرَ بي كطفلٍ في متاهة
في الغروبِ الفوّارِ بفقاقيعِ الكوكا كولا
في كأسِ الكونياك المتروكةِ على حافّةِ سفينةٍ غارقة
وفي الحصانِ المُجَنَّح
في كلِّ لمحة
.من زوارقِ النجاة
كما نحيا بالمُصادفة
وبحظوظِ نبتةِ الربيعِ ذاتِ الأوراقِ الأربع
يعرفُ الغرابُ مواعيدَ القطاراتِ بدِقَّةِ مزلقان
والأزهارُ البَرِّيَّةُ تنبُتُ
ببراءةٍ وجُرْأَةٍ وجنون
.بينَ خطوطِ السِّكَكِ الحديديّة
.كما نَأْتَمِنُ قلوبًا على قلوبِنا
،هكذا هو الخريف
وَرَّاقٌ يُعِدُّ القصائد
،بتَكرارِ الأملِ والكُتُبِ والأخطاء
وبيدِهِ الخاسرة
.يَعُدُّ النقود
حكاية السلحفاة
لم يَكُنْ كابوسًا
كي نَصْحُوَ من النهاية
على بَصَماتِ مطرٍ خفيفٍ على النوافذ
،وعلى أصواتِ عصافير
على قهوةِ صباحٍ مُرَّة
ومدينةٍ تنتظرُنا في الشارع
بأُلْفَةِ باصِّ مدرسة
.في طريقِ أطفالٍ وأشجارٍ وغيوم
،كُنَّا بكاملِ عددِنا ويقظتِنا ومَتاعِنا
عيونُنا المُسَهَّدَةُ على البحر
على الغابة
.على الغروبِ الدامي
،بَدَت الشمسُ أكبرَ من كوكبِنا لِوَهْلَة
وأقربَ من قاربِ صيدٍ
.مُهْمَلٍ في الرمال
تَسَلَّقَت النهارَ سَلاطيع
،بلا فُضولٍ وبلا مُتْعَة
ونَقَرَتْ ألواحَ الخشبِ المُتَفَرِّقَةَ بينَ أقدامِنا
.نوارسُ وغِربان
سُلَحْفاةٌ صفراءُ قَطَعَت الشاطئ من أمامِنا
بصندوقِها المُصَفَّدِ على ظهرِها
كما يَمُرُّ عُمْرٌ بكاملِ محطّاتِهِ
في لقطةٍ يتيمةٍ
.مُبْهَمَة
لم يَجْرُؤ أيٌّ مِنَّا على قَطْعِ طريقِها
،ولو لسؤالِها عَنِ الطريق
خَشْيَةَ أن نَكْسِرَ السكونَ المُقَدَّس
.تحتَ سَطْوَةِ الغَسَقِ الساخط
وَقَفْنا في رذاذِ الرملِ والرميم
:مشدوهِينَ ببداهةِ الأشياء
،المطرُ والطينُ وهَشاشةُ أوراقِنا
تتوسَّطُنا المُسَرْنَمَةُ الهادئةُ في مهبِّ الإعصار
ببيتِها المُغْلَقِ في وجوهِنا
بطُمأنينةِ حقيبةٍ مُعَدَّةٍ منذُ الأزل
.لليومِ الفاصلِ في المصائر
لن تأتيَ القيامة
كما مَهَّدَ لمتاهتِها
.مُنَجِّمونَ وفلاسفة
.المُسَوَّداتُ تمارينُ حزن
لن تكونَ كما رَسَمَها خوفُنا صغارًا
تِنِّينًا يئنُّ بنيرانِهِ
.في رمادِ الكراريسِ البيضاء
سوفَ يَسْعُلُ أحدُنا
في مكانٍ ما
،من قريةِ العالم
ثُمَّ تتساقَطُ بخباياها خرائط
.وتُقْفَلُ على النَّاسِ أبوابٌ وآفاق
كنتُ قد غَفَوْتُ لسنواتٍ تحتَ شجرة
بقبّعتي المُشَطْرَجَةِ على وجهي
.وعلى كَتِفي مِصْيَدَةُ فراشاتٍ لجَمْعِ الكلمات
.قطراتُ الطَّلِّ زادي
.تَخْطُرُني القطاراتُ مع غزلانِ الغابة
تتوالى الفصولُ بفصولِها من حولي
دونَ أن أتنبّهَ لزهرةٍ تتفتّحُ عندَ قَدَمَيَّ الحافيتَيْن
.أو لثلجٍ يذوبُ، بتلالِهِ ورجالِهِ، في مدارِ صمتي
.عَطَّلَني الحُبُّ طويلًا
ألقاني كإخوةٍ في بئر
،فأطْبَقْتُ السماءَ كحجرٍ على نفسي
،بعواصفِها ونجومِها وملائكتِها وسَهْوِها
فقط كي لا تواجهَني نسمةٌ
.فتُبكيني
.مَرَّ الحطّابونَ بفؤوسِهِمِ العالية
،مَرَّ الصيّادونَ بصمت
.ومَرَّت الأيائلُ والحِجْلان
مَرَّ صيفٌ ومَرَّ آخَر
وأزهارُ الجبلِ الصفراءُ في آنيتِها المُشْمِسَة
والغوّاصةُ الصفراءُ في أغنيتِها لا تَغْرَق
وأنا أشيخُ مع الأهِلَّةِ وأكاليلِ الزينة
.ومع مواسمِ الغاردينيا
مَنِ الذي يطاوعُهُ قلبُهُ
على إيقاظِ قلبٍ من النسيان؟
.كانت الأبنيةُ تتآكلُ أثناءَ نومي كما الشموع
،أرصفةٌ تتصدَّعُ بأعشابِها ومشرّديها
مدنٌ تنطفئُ من الوَحْدَة
،مثلما تختفي من مفارقِها أشجار
فيما يَمُرُّ عَدَّاء
،ويُلْقي تحيّةَ المساءِ على محلِّ الأزهار
ويَمُرُّ رجلٌ غامض
.بقناعِ حربٍ عالميّة
.الخيانةُ الأُولى هي الخياناتُ كلُّها
خنجرٌ واحدٌ في بُرْهَةِ البراءة
.ثُمَّ تتداعى الطعناتُ والجراح
أينَ هُمْ أصدقائي؟
كُنَّا نَقِفُ معًا
،في سطرٍ منيعٍ قُبالةَ العدم
،منذُ دقائق
.منذُ أكثرَ من ثلاثينَ سنة
،هي، النجمةُ المحفورةُ بحنانٍ في عمري
،بوجهِها الأجملِ من الأساطيرِ والأفلام
على شرفةٍ شاسعة
.على حُطامِ بيروت
،الشاعرُ خلفَ شبابيكِهِ الخضراء
وفي يدِهِ حصانٌ فِضِّيّ
ومَرْكَب
.ومرثيّة
كَنان وهداياها المُغَلَّفَةُ بورقِ الورد
وسَمَّاعةٌ واحدةٌ في أذنِها
،تَصْدَحُ بلحنٍ قديم
وحُبِّيَ الأوّلُ في مكانِهِ
.يتأرجحُ كنهرٍ في اللحن
دمعةٌ على الأديم
.ترفعُني نحوَ ينابيعِ المعنى
،السُّلَحْفاةُ في الزَّبَد
.تكادُ تُبْحِر
.لا أحدَ سوانا على الشاطئ المهجور
.أتنهّدُ وأتبعُ خَطَّ الرمال
:أبتسمُ بوسعٍ لبداياتي
لباريسَ في أبهى عصورِها
لبريدِ القرّاء
لبجعةٍ في علبةِ بريد
لحقيبةِ ساعي الرسائلِ البيضاءِ والسوداء
لأغنيةٍ حَفَرَتْ أنهاري في أنغامِها
لأصحابي الذينَ صاروا ذَهَبَ خريف
لسلالمِ التروكاديرو القصيرة
وللدربِ المديد
بينَ غربةٍ وأُخرى
.في غابةِ بولونيا البعيدة
عطلة قصيرة في أوتيل كاليفورنيا
أظنُّني أوَّلَ وآخرَ مَنْ خَرَج
وقلبُهُ معه
.من فندقِ الجحيم
أذكرُ أنَّني أسْقَطْتُ حقائبي
بالألعابِ وثيابِ الصيف
بالحقائقِ كلِّها والأوهام
كما تنجو شجرةٌ من أوزارِ أوراقِها
لأنْفَذَ بروحي ودفتري
كجناحيْنِ عبرَ نافذة
من البِناءِ الذي بلونِ زهرِ القُرَنْفُل
المُضاءِ بنيون الغروب
ونخيلِ جوزِ الهِنْدِ الشاهق
.من جميعِ الجهات
،كُنَّا كُثُرًا في داخلِه
كما تَجْمَعُ الدمعةُ الواحدة
بينَ دَفَّتَيْها
.أكثرَ من كتاب
أشدُّنا شجنًا
كانَ والت ديزني
بخرائطِهِ وعُقُودِهِ
.وفئرانِهِ الأليفة
كم سَخِرَ من أحلامِهِ
شبحُ والت ويتمان
بلحيتِهِ وحكمتِهِ
.وحُزْمَةِ الحطبِ الأخضرِ بينَ كَفَّيْه
،أذكرُ تلكَ الفراشاتِ المُتطايرةَ بحُرْقَة
.برمادِ رسائلِ بينهُما
.أحدُهُما أَوْصى الثاني بالأطفال
.كِلاهُما أَوْصاني بأوراقِ العشب
كم كُنَّا وحيدِينَ وراءَ الشبابيك
رُغْمَ الموسيقى الآسرة
وإيحاءاتِ الستائر
والكؤوسِ التي تدور
.مع الرؤوسِ والكواكب
ستيلّا الناجيةُ من الإعصار
بجِلْدِها الأسودِ وتجاعيدِها
وحفيدتِها الوحيدة
.بدُمْيَةٍ منقوعةٍ بالدموع
سائقُ سيّارةِ تيسلا للأُجْرَة
الهاربُ من كذبةِ كوبا الكبيرة
على موجةِ مَرْكَب
ليعانقَ جبالَ الآيس كريم
.والحياةَ والأحجارَ الكريمة
النادلةُ الأوكرانيّةُ التي تَكْرَهُ بوتين
وزوابعَ حُزَيْران
،وسُكارى الهزيعِ الأخيرِ من الليل
وتضحكُ لأنَّ جَرَّاراتِ الحقول
.أشجعُ من الدبّابات
دايف البارعُ في كافّةِ الحِرَف
عدا وَصْلِ أوتارِ جيتاراتِ الروك
.بجذورِ قلبِه
سِرْبُ غزلانِ الفجرِ على ضِفّةِ منتصفِ الليل
.كحُضْنٍ بأعشابٍ شاردة
العجوزُ المُنْهَمِكَةُ بمَسْحِ أرضيّةِ الحَمَّامات
بدَفْقَةٍ عميقةٍ
.من بكاءِ مكنسةٍ مُنْهَكَةٍ بينَ يديْها
ميكي ماوس بقبّعةِ ساحر
،ورداءٍ مَلَكِيٍّ مُرَقَّطٍ بالنجوم
ومدنِ خيالٍ تَشِعُّ بالدهشةِ والشجن
بضربةِ مُعَلِّم
.من عصاهُ السحريّة
،أورلاندو، أرضُ المنفيّينَ في الأرض
الناحيةُ التي يفتحُ فيها الغرباءُ قلوبَهُم
،وكأنَّها دفاترُ أو شبابيك
دونَ أن يَخْطُرَ لأيٍّ منهم
.أن يغادرَ بلدَ الغيومِ الشامِسَة
أذكرُ أنَّني كنتُ أركضُ وحدي
بينَ الغاباتِ والمستنقعات
،دونَ خوفٍ من الأيائلِ والتماسيح
دونَ اكتراثٍ بالخيطِ الفاصلِ بينَ المشانقِ
والقاطِراتِ المُعَلَّقَةِ بأبطالِ الرسومِ المتحرّكة
،فوقَ الطُّرُقِ السريعة
والفندقُ الغامضُ يَصْغُرُ ورائي
كسيجارةٍ مُشْتَعِلَةٍ مع الريح
كما كلُّ حياةٍ حذفتُها من حياتي
.لأُحَلِّقَ أعلى من منطاد
قطرة في أرض العمالقة
العابرةُ النحيلةُ كنخيلِ أورلاندو العابر
.بأشباحِهِ الشاهقةِ ذاتِ الشَّعْرِ الطويل
.الواجمةُ في وجوهِ المارّة
الناجيةُ في كلِّ مَرَّة
.من أفْكاكِ التماسيح
:الباسمةُ للبعض، كما يصطفي مطرُ صيفٍ مَصَبَّ دموعِهِ
،لسُحُبِ البَرْقِ والشوارع
للثعبانِ الأسودِ الذي يقتسِمُ الحديقة
،بسلامٍ مع الكنّاسين
للدُّبِّ البنيِّ الصغير
الذي ينبُشُ صناديقَ القُمامةِ مثلَها
،بحثًا عن كِسْرَةِ بسكويت
للسُّلَحْفاةِ العالقةِ بعيدًا عن بيضِها
،في نسيجِ سياج
.للنادلِ ذي الحزنِ المُشْرِقِ ولي
المُشَرَّدَةُ في ليالي أورلاندو
بعباءةِ سوبرمان العارية
بعَرَبَةِ سوبرماركت شبهِ فارغة
،على قارعةِ المقهى العربيّ
حيثُ يجتمعُ حشدٌ مهزومٌ من الرجال
،للَعِبِ النَّرْد
ويعلو صراخُ المتنافسينَ بعنف
.على فُسْحَةِ منفى
مارينا سميث التي جالَسَتْني كأميرةٍ من ديزني
قُبالَةَ الغروبِ المُعَلَّقِ عاليًا من غيومِهِ
وكأنَّنا على موعدِ عشاءٍ أخير
.على شَفا محيط
العجوزُ التي فتحَتْ لي قلبَها
وأكياسَها القليلة
:لتُطْلِعَني على كنوزٍ حزينة
قبّعةُ ميكي ماوس المُطَرَّزَةُ بنياشينِ الطفولة
آلةُ الهارمونيكا المُسَجَّاةُ في علبةٍ تحملُ اسمَها
وأدويةٌ كثيرة
للَدَغاتِ البَعوضِ والأفاعي
للسُّكَّرِ الذي يَلْتَهِمُ ضحكتَها وظلالَها
للقلب
.لأوجاعِ القلب
المُقامِرَةُ بوجودِها على أحصنةِ سباق
على أرقامٍ بلا حظوظٍ على قُصاصاتِ اللوتو
على الأرصفةِ التي لا تحنو على أحد
.لولا سُقوفُ المتاجرِ الحجريّة
مارينا التي قَبِلَتْ منِّي
ورقةً باهظةً كعشبةٍ خضراء
فقط لأنَّها تشتاقُ طعمَ الأعيادِ في دجاجِ كنتاكي
وتحلُمُ بتقليمِ أظفارِ قَدَمَيْها
.كي لا تتجذّرَ في اليأسِ مع الأشجار
.قَدَماها على الطريق
.قَدَماها الطريق
قَدَماها القصيدة
والرملُ الأحمر
.والكلمات
في مجرّة ميكي ماوس
بينَ باعَةِ الدموع
بعيارِ 24
وتُجَّارِ النجومِ الجَوَّالِين
بأسمالِ سَحَرَة
،وحُرَّاسِ جسور
أمشي في صَهْدِ النهار
بجَسارةِ قطرةٍ تَقْطَعُ صحراءَ الوجودِ بيقينِها
.دونَ حاجةٍ إلى قَدَمَيْنِ أو طريق
القمرُ مربوطٌ بخيطِ بالون
،كحصانٍ في الريح
والقلبُ قطارٌ يُصَفِّرُ داخلَ الصدر
.عاصفةٌ متواصلةٌ من العصافير
.على ظهري حقيبةٌ تُثْقِلُها الألعاب
وَسْطَ ظلالي
تَرِفُّ فراشاتُ النُّحاسِ النادر
.وتَشِفُّ أوراقُ شجر
كأنَّني نهرٌ يرتجلُ وجهَهُ
بما تجودُ به الأحجار
.من أجنحة
كيفَ تُؤْسَرُ الحرّيّةُ في تمثال؟
ومَنِ الذي سيُطفئُ حرائقَ الألعابِ الناريّةِ بجِلْدِهِ غيرَ التماسيح؟
على عاتقِ مَن يَقَعُ تصحيحُ خطإِ هيروشيما الفادح؟
ولماذا تُلِحُّ على دمعتي
أمامَ كلِّ دُمْيَةٍ في حُضْن
فادية، طفلةُ شارعِنا الشاردةُ في الشوارع؟
لا رِبْحَ من الرياح
لأنَّ الروحَ ليست برحابةِ الطواحين
مهما اشتدَّتْ أعاصيرُ الصيف
،واتَّسَعَ المدى بصدى أمنيات
ولا حوارَ حقيقيٌّ مع الأطفالِ الآليِّين
لأنَّني كَبِرْتُ على عشقِ كينغ كونغ
والكوكا كولا
والكاتشب
في الحروبِ الكثيرةِ بينَ شمعةٍ وأُخرى
،من أعيادِ ميلادِ طفولتي
.تلكَ التي لم يحضَرْها، بسببِ القصفِ، أحد
في مجرّةِ ميكي ماوس
.كلُّنا في المِصْيَدَة
المايسترو بعصاهُ السحريّة
فِرْقَةُ الفئرانِ الشجيّةُ الشُجاعة
والجمهورُ الجالسُ في الهواءِ الطَّلْق
بقبّعاتِهِ المُتشابهة
وأكياسِ مشترياتِهِ
:بكائناتٍ طريفةٍ على الأكتاف
.طائرٌ بأطيافِ برتقالة
.فيلٌ فارٌّ من وحوشِ السيرك
كُوالا أزرقُ صغير
جاءَ من كوكبٍ مجهول
فقط ليلتقِطَ صورةً للذكرى
.وأُخرى للنسيان
.يدورُ المسرحُ وكأنَّهُ الدنيا
.تدورُ الأرضُ وكأنَّها الحياة
وحدَها الفئرانُ تضحك
.لفوزِها بالقلوبِ والمليارات
في هذه المجرّةِ المُغْلَقَةِ على نفسِها كفُقّاعة
.وحدَها الموسيقى تؤنسُني
أغنيةٌ مشروخةٌ كأُسطوانة
،بسُعالِ موسيقارِ الأجيال
أُخرى لفرقةِ الخنافس
عن غوّاصةٍ ما
.غيرَ تلكَ التي لَحِقَتْ بمصيرِ السفينةِ الغارقة
لماذا اختارت ناسا مقطوعةً لباخ
كصندوقٍ أسودَ
بصوتِنا؟
ألا يكفي أنينُ الأرض؟
كما أبْصَرَ والت ديزني مدنَ المستقبلِ البَرَّاقَة
،في أَسَنِ المستنقعات
أنْحَتُ الصخرةَ السوداء
.برِفْقٍ من حولِ حُلُمي
.أمحو كلمةً، أكتبُ أخرى
،يطولُ سطرٌ ويتلاشى في الحبرِ طريق
وأنا في مكاني
يحوطُني الحُبّ
.وأبطالُ أفلامِ الكرتون الطيّبون
قصّة ناقصة
لا يلتقي غريبان
.إلّا لقلبِ حجر
فقط ليَشِعَّ الوجهُ الآخر
.الخَفِيُّ من الوجود
كما تَكْتُبُ الأقدارُ قصيدتَها الأصدق
على الوجهِ الخلفيِّ من الصفحة
.بخِلافِ ما أَوْصى رمْبو
كما تطولُ رحلةٌ بلُفافةٍ من ورقِ المفارق
.في الجهةِ المجهولةِ من الغابة
كما تتوالى في البراري البعيدة
أقواسُ قُزَحٍ لا يُبْصِرُها أحد
.وأقواسُ غزلان
هكذا التقينا
،في أقصى ضفافِ الأرض
.حيثُ الغروبُ بدايات
حيثُ الغيومُ مناطيدُ واطئة
وللشمسِ تكشيرةُ كينغ كونغ
.وضحكةُ إي.تي الشاسعة
مثلما يُديرُ كوكبٌ خدَّهُ الثاني
.لصفعةِ إعصار
مثلما تدورُ الطواحينُ إلى الوراء
.لعلَّها تتذكّرُ طفولتَها
،مثلما يَجْمَعُ المطرُ ناسًا تحتَ سقفِهِ
ثُمَّ يمضي كلٌّ منَّا نحوَ وَحْدَتِهِ
.بحُضْنٍ فارغٍ وخُطًى وارفة
العبور بسيّارة في قلب شجرة
أغفو على غابةٍ
يَقْطَعُها على قَدَمَيْنِ وعصًا
.رجلٌ وحيد
،ليسَ المعرِّي مُتَعَكِّزًا على كنزِ معنى
.وليسَ بورخيس في متاهةِ أيّامِهِ الأخيرة
،ليسَ حطّابًا لأحتاطَ بأغصاني من ضربةِ فأس
.وليسَ صيّادًا لأَفِرَّ في قفزةٍ مع الغزلان
جُذوعُ الأشجارِ مُتداخلةٌ كأطيافِ أوركسترا
،والضبابُ واطئٌ وكثيف
ويُخَيَّلُ لي
لِوَهْلَةٍ
أنَّ الغريبَ الغامضَ كغيمةٍ على الأرض
.هو أبي
،أتبعُهُ إلى رَدْهَةِ فندق
.إلى رَدْهَةِ مستشفى
نحنُ فجأةً في المشرحة
،عن طريقِ الخطأ
.ووجهُ الرجلِ خائف
.ليسَ أبي لأحتميَ من الموتِ في حُضْنِه
.أمامي طفلٌ يرتجفُ من الرهبةِ والبرد
.طفلٌ يشبهُني ولا يشبهُني
.نحنُ في الطائرة، وأبي ينزف
،دمٌ أسود
.دمٌ أخير
فوقَ الغيوم
،يدُهُ لا تُفْلِتُ الخيط
.لا تُفْلِتُ يدي
كَتِفًا إلى كَتِف
نمشي في بيروت
في مدريد
في امتدادِ شارعِ الشانزيليزيه
،جهةَ المَسَلّة
،تحتَ مطرِ صيفٍ خافت
كصديقيْنِ في حديقةِ بروست الهادئة
،كخَصميْنِ مُنْهَكَيْنِ من الكلامِ المُعاد
بعيدًا عن ماضينا المُتشابك
بحزنٍ وجَمال
.بجُذورِ هذه المدينة
،ندخلُ في ضجيجِ مقهى
نخرجُ من مرآةِ المواجهة
.بتناغمِ دمعتيْن
ثُمَّ ندخلُ في جوفِ شجرةٍ عملاقة
.بسيّارةٍ فارهةٍ خضراء
.كاديلاك طفولتي وسنواتِ السعادة
جِلْدُ السيّارةِ أبيض
.عابقٌ بالحنين
أبي خلفَ المِقْوَد
يضحكُ بكلِّ قلبِهِ
.والمدى شمسٌ أمامَنا
أخرجُ من قلبِ الشجرة
بمُفْرَدي كندم
،وفي يدي كوبٌ دافئٌ كبير
وكأنَّ الرحلةَ كلَّها
كانت لطَلَبِ القهوة
من نافذةِ السيّارة
ليقظتي الكاملة
.لبقيّةِ الطريق