.بيروت، صيف 2011
.رسم الغلاف للشاعرة
أنتظرك
بأقصى ما يستطيعه يأس
بأقلِّ قَدْرٍ من ظلّي
أثق بالمطر
كزهرة غاردينيا
تضيئني بئر
حياتي حبر على سحابة
خطوتي خلفي
أنا أخطائي
الليل قطعة من القلق صافية
ولكلّ طائر شكلُ صليب
*
ما في استدارته يخبّئه نهد
ما يبقي المجرّات حيّة بعيدة
ما ليس بوسعي إدراكه بحدس
وما من دليل
إلى ينابيعه
ما يكتشفه
في القطرة الأخيرة قدح
والحالم
بلا حسرة
حيث تسيء فهمي وأتمادى
في هشيمي
في هبائي
في ألعاب البنفسج
الجوْف، حيث لا وعي يؤنس صاحبه
*
هذه وجوهي
ألوان مائيّة على غابة
بأهداب مسدلة
بلا أنوف
بأفواه من الكرز زاهدة
حولها
تحوم أسئلة غرباء
على جدرانهم أعلّقها
أقترح مرايا
أطفالي ليسوا لي
صغارك أيضًا
وهل يعبأ نهر
بخاتم أو وريث؟
*
هي علاقة مفتوحة كجرح
كالتي بين فأس وشجرة
تعلو وتسطع
مع النهار والأسطورة الأولى
تسقطك نسمة
وألملمنا آنية من طين
بمتعة حطّاب
تقطِّع أطرافي
مزهوًّا تنتحر
متوهّمًا أنّك معذّبي وقاتلي
حطب مدفأة
مقعد في مقهًى على بحر
سرير وسط غرفة
واسع ووحيد
لولاك
لما صهرني الألم أوراقًا
لما أصبحتُ
كلَّ هذه الكائنات الأليفة
*
إلى فضاء
فراشة رئتيَّ
لسطرين من السنونو
هالتي
كلُّ ما كتبت
بلا صخب
أغادر صوري وأقفاصي
ببقايا من خمرك القاني
أخدِّر الضوء المريض
أخمد الأرق
لكنَّ العصافير
بألحان ملحَّة توقظني
على وجنتيَّ
مساحيق المهرّج
ماسح الأحذية أمامي
بصندوقه المدلَّى
حقيبة لا تسافر
والبيانو الذي
مثل مجنون
يبكي ويضحك
ونصفه جناح ناهض
وجميعه مفاتيح
تؤلمني الموسيقى
*
الواقع
بمطارقه المتلاحقة على عظامي
أنحني حتّى أصبح حضني
وحين أرفع رقبتي قليلاً
لأتفقَّد الفراغ وما فاتني
أجد الهلال الذي تركتُه يتكوَّن
مشنقةً مكتملة
كم بكيتُ
كي يشيخ إسمي
كساعٍ مسترسلٍ على درّاجة؟
هي برهة
وهْم الوقت الذي يمرّ
هكذا أهلكني الهجر
وما هالني
أنّنا انتهينا ألف مرّة وأكثر
دون أن أنسى
في مرّة
اسمك
*
على شارع من شجر الكستناء
أطلقه
لأشتّت ما بوسع اسم تبديده
من وحشة مشوار
لأستجمع خطى طفولتي
وأتبع
ما بعثرته من أعمار
وحصًى ملونة
براحتي
أحضن المقبض
أصافح الماضي
أسامحه
كأنّني لم أغادر
في الممرّ المشمس
إخوتي صغار
ضاحكين يركضون
أمّي صبيّة
عصبيّة
آسرة
كتبي
قواميسي
وقارورة عطر نسيت اسمه
على الرفّ العتيق
على عطر المدينة عقب المطر
أطلق اسمك
لتنتشي المباني المترفة
السيّارات المسرعة إلى مواعيدها
الأكشاك والمظلاّت
قبل إغلاقها
على المطر نفسه
في ماسات في شَعري تذوب
ترصّع الأسفلت والسلالم
عرقًا تسيل
عن عراء تماثيل
مع الطيور
عاليًا أطلقه
حرًّا من حروفه
من حبال الحناجر
من الدلالات الدامعة
وقشرة الألقاب
من قفص متناثر في صدري
كهديّة
بلا صبر فتحتُها
لألمس الجوهر
صلبًا أصيلاً كجوهرة
*
برج
كمنارة من المعدن
معشَّقة
ومض مجرى
رِهَم وزينة ميلاد
بيت
بأبواب متفرّقة
مغلقة
نوافذنا نحو النجوم
نافذة
ناجية
الكوكب رأسي
على ركبتيك
على وسني
رموشك أمّهات
خلافًا لقتامة القطيفة
خيوط مطرّزة
بألوان أمانينا
في مدينتنا
في البلد البعيد
كلّ أيّامنا أيلول
والغيث والغسق كلماتي
في محاولة
لوصف خصلة من شَعرك
*
عبثًا أحاول
أن أَشِمَ بصري
بالمشهد
بشارع من صدى
برصيفين ناصعين
بسياج حديقة مسحورة
بأثرنا فجرًا
على نعاس
ونَدَف
بك بقربي
بمعطفك
بشالك الأخضر
بقبّعة من الصوف وقُفّازين
بابتسامة لائمة
عبثًا أحاول إطالة اللحظة
مثل ظلٍّ أو طريق
عين العاصمة دوّامة تدور
المفارق ثابتة
وسيّارة الأجرة
بلا تلويحة
سوداء
تبتعد
*
الضباب وبرد ديسمبر
وعلبة ثقاب في جيبي
وقصيدة في البال
عنيدة عصيَّة
على مصطبة نائية
قبل أن ألقاك بدقائق
والأطفالَ
وأكياسَ الأعياد
في المحطّة القديمة الفاحمة
حيث الجرذان حمام لا يطير
القطارات تشطر الهواء
والمشاهد
أوتار في إسمنت
القضبان الهاربة
العابرون عابرون
وعليَّ كالعادة أن أعتني
بمِساحة وقت لا تقاس
بمفردي
أحدكم يلُوح
أُقْبِلُ وأُقَبِّلُ وأَقْبَلُ
بأيّة صيغة للوصل
بزجاجات في حقيبة جديدة
على جليد أجرُّها وأعرج
كأنّني نصفي
من تعبي
من تعاستنا
من الاحتمالات المستحيلة
والهامش المتاح
لولا وجهك
العالم عقابي
خطّ الخيبة أطول من الرحلة
*
كلّ ما أحببتُ كسرني
كلّما أحببته كسرني
لأشباح أشكو
لشمس شتاء في شِباك
لغراب يراقص غصنًا غائمًا
لبقعة قلبي على قميصي
لرجل ثلج ونادل ومجهول عبر الأسلاك
لهمهمة فيروز
لتذكرتك المهدورة
لرفاق الحفل والحانة
لغيابك الذي
في غيابك
صار صديقي
*
على أجفاني المقرَّحة
تشهد الغريبة
على شبحي المحموم
على فراش فندق كئيب
على فناجين الشاي الخادر
ومرارة ملعقة سكَّر
على مشيِنا
بروحَين حافيتَين
على ثلوج هاجعة
على شحوبي ونحولي
وجنوحي نحو جثّتي
على وقوفي
بلا فرس أو مفتاح
كمطلع مُعلَّقة على أطلالي
ولأنّ ما مضى
ضحكتي وجنوني
وما الشغف
إلاّ تكرار ذاته
تُذكّرني بالملاك الذي
بأصابعه لقّمني العسل والقوافي
وفي الصقيع جهرًا
وسّدني رعشة ركبتيه
*
في جوقة الأصدقاء
على غير هدًى
في الحشا لوعة
وفراغ غزالة
بدندنة أتظاهر
برفع نخبي
كإكليل في دخان
أهمل هاتفي
لعلّني ألهو
أغالب التوق
وتغلبني أغنية
عن غيمتي تطيح بي
على طاولة حقيرة
في المطعم العتيم
هكذا أسقط أمامهم
أعدائي سكارى
عازفون مكفوفون
بضعة كراسٍ شاغرة
قطع مجروحة جارحة
من خلالها أوقن
كم أنا كأس
*
كأنّما أفئدتهم
بشمعي مضاءة
دون نقصان في حناني
كأنّهم أصدقاؤك أنت
حصونك من حولي
أحصنتك الرابحة
كأنّني أكذب
كأنّ نواياك
بين أكفّهم
براهين
من أين
برهافة سهم
إلى رؤى الأصحاب تتسرّب؟
ومن أين لك
بهذه السطوة الطاغية
على حرّاس سقوطي؟
*
من الخوف
من الخوف من الخوف
المخابئ المكشوفة
أقْنِعَتُنا التي لا تقنع أحدًا
مثلك
من النشوة والشرخ أخجل
من هشاشة صرحي وتمثالي
من التسلّل والمواربة والأقفال
من تاج مستعار
ومملكة موقَّتة
من أذرعتهم الواسعة الواثقة
من شكّ
عادلاً كمقصلة
يوأد في أحشائهم
من غفوتهم المطمئنّة
كملائكة من حولك
من وهجنا
من وحلنا
من وجودنا الأبلق
من حقّنا هذا الأوج
ومجاورة الأفلاك
ومن المحتّم
رماد القشّ والرسائل
*
من خاتمة الخيال
من مآل النفق إلى نقطة انطلاقه
من زوال رغبتي في حوار أو حصاد
من زهر الليمون وتيجانه المداسة
من خفّة فراشة على قبر سحيق
بنداء الهاوية أبدأ حياتي
كمن يموت
مبتسمًا
لا لشيء
سوى أنّه أحبَّ وسامح وحلّق
بلا راية
مع النسور
*
يا صاحبي
يا ياسمين نسيان
يا غزالاً على ساعديَّ غفا
ومن ملامحنا في مرآة رواني
يا لغتي اليتيمة
يا طعم أوتاد في تنهيدة
يا محبرتي ومشاعلي
وجرّتي ووسادتي وردائي
يا سحر الصحراء
ومفاتيحها المدفونة في رمل
يا حنين الفضة فيَّ
والمعدن المصقول في سيف رهيف
يا قبائل العشّاق
وقوافلها السادية
يا ظمأ ظباء
وسدرة منتهًى
يا سراب النواحي والسبيل
يا معاركي الخاسرة
يا جرس مدرستي وسرو الأسوار
يا طفولتي التي لا تنفد
وعلبي الضائعة في بريد
يا أغنيات الغربة
وخريفها الأحمر
يا خزامى الغروب
يا مسك الختام
إلى خلودي خذني
وكأنّه سرير نحاسيّ
يغطّيه السكّريُّ المكسور كتّانًا
وعلى محيط سماويٍّ يطلّ
واحرسني هناك
دونما مرثيّة
بحكايات بصوتك أحبّها
مع جثث مسجّاة
كبَسْطاتِ باعة مفقودين
وسط شوارعنا
*
ربيع ورصاص
ضفائر وجنازير
وليس الموت مجازًا
وليس في سحنته
ملمح من ملاك
ثورة إثر ثورة إثر ثورة
والحرّيّة حورية
والسواحل مقابر تتراكم
في الزحام الحزين وحدي
في يدي مسبحتك العاجيّة
بخيطها الذي بلون التراب
بحبّات من حنانك تنفرط
في قطرات
لقرون أخَّرها السيل
كحياة تفلت من بين الأصابع
*
لدمعتي
أجنحة لا تحصى
كبحيرة بجع
أحبّك وأحوي أسرابًا
من شمس وصفصافة
أغزل قفطاني
قصيدتك ذات الأكمام الوارفة
على مدار ضفافي
أحلم أنّني
أروي الحكايا والغزلان
*
لملاقاة الأيائل
في قفار أعدو
أنشد نبعًا
لا تأسره حفرة
نشيدًا أرحب من ثقوب النايات
لو تقرِّب القطبين
ألفة أفق
لو أنّ الحياة
تفّاحة تحاورنا
في المعاناة
نواة معنًى
كلّ مصباح
يتخطّى صاحبيه
وللرياح العاتية
بصيرة صقر
وملمس سماء
*
في الهاتف المهشّم
أشرد
في تهم متبادلة
كقُبل
وطلقات رصاص
في فراق
ننصب فخاخه وننجو
لأنّنا في الانعكاس العاري
أكثر من عاشقين
والحياة مَرّة
مُرّة بعذابها الذي
من عذوبته
تنهل الأنهار
وتنتهي
تميمة ماء وملح
بذُلِّها
لأنّنا أصدق كاذبين
بقسوة لا تشبهنا
وتشوبنا
ولوهلة
أتوهّمها نحن
وأتألّم
بتفاهاتها
بحماقاتنا
بحروب الآخرين
وخراب الكوكب
ما همّني
سوى أنّها الآن هنا
بقربك
*
لا الأقدار
ولا الدروب الدالّة
على قدميَّ
أقطع الجسر المعلّق
وكلّ ما يصلني
بأصدائهم في الأصداف
لئلاّ يصلني
إلاّ صوتك
وكي لا أقيس أيّامي
بشموس وطُرُق
أطيل شَعْري
لعلّ لمستك معه تنمو
وتغدو السنوات
بيننا
ملموسة
*
كما لو عاشق
فارد جناحيه
كما لو شبّاك مصلوب
الفندق المطلّ
على شارعين ودموع
على هيئة بشر
ممرّ
على أطرافي أسابق قوسه
مصعد عابق
بلهفة باقة
برغبات من بلّور
لوحة كحكاية
في كفّ كهف
العوسج على ضلوعي
خفقة وجرَس خافت
قبالة وجهك
ووجودك
كلّ التفاصيل
ورطة فرح
الحجرة ستائر شفيفة
سقيفة كمشربيّة
شرفة على ساحة
مرفأ ومراكب
الحجرة صندوق من حرير
فلّينتان وقشر فستق
لطخة كحل على مخدّة
أختها الصغرى على خدّي
الحجرة نحن
أوصالنا
نصالنا
صبونا إلى تعشيقة
أعمق من قبر
تذكّر
*
عند أقدامنا
أقراص الفحم
في قعر الموقد تتلألأ
عيون عشّاق في ذروة
في الحضيض
في اشتعالها
كفراشات حول نفسها
أحدّق
في شموع مستديرة
على حوافّ لازورد
في قمر مقلوب في بقعة حبر
في شامة منمنمة
بريئة جريئة
نظرتك نبيذ أسود
لمّا منها تدنيني
أراها
فأُكْثِرُ من الشراب
أشربها لأرى
ولفرط عتمتها فيَّ
على نافذة نومك
بحواسّي أستدلّ
على زواياك في المنزل الوسيع
على شجرتك الأثيرة المائلة
وسُلَّمٍ بلا غاية
سوى الترفّع عن محطّ الغبار
والغناء عاليًا
ومغازلة ما يرهو بهامته من سحب
*
ببصمتين على وريدك
نتطابق
بإصبعيَّ أنصتُ
إلى نبض يحيلني
إلى حوافر بلا وصول
بلا خيول في منامي
أسمع سهدي
أم هو قلبك
يهجس؟
وما الفرق
ما دمنا
بالتساوي
نقتسم الكنز والأهوال؟
كأرجوحة
بين حصّتنا
وما نستحقّ
لو أنّني ميزان
ولا أجور كوحش على حالي
*
من برعم
إلى بهجة تفوح
إلى بتلات مبعثرة على يباس
بدر
كهذا الذي
كقلادة بعنقك
كذلك الذي في تجويفتك الجارفة
لو يدومان لي
ولا تكرَّس الأشواك وحدها
كأبد على سديم
*
كأنّك من هواء
كأنّني لم أُهْدَم
كعازف كمان على قرميد
يوم عازف عن الوجع
توت باكر
أنفاسك ونكهة صيف
مدينة مدينة
بزهرها لزيارتك
لزئبق نزهتنا
مرحَين
فسيحَين معًا
بين أزقّة، كقبور، ضيّقة
*
حول معصمي
الساعة السوداء
التاسعة تقريبًا
موعدنا المائج
على جفو
ورجاء
بتقاطع العقارب أستعيد
ما قاله عرّاف اصطفاني
أكثر من عاصفة
سبع عجاف
طوقًا
أتشبّث بنا
بأذرعتنا متهادنة متماهية
لعلّني عن مرساة القاع أطفو
أطأ السطح ثانية
أذرع الأديم
كما يذروه هدهد
وعلى كتفي تحطّ
ندفة من غمامة
*
أحدّثك وحمامة عبر السقف الشفيف
تحرث حيرتها
ضجرى
هذه حدودها
معضلة الأرض
الفضاء الذي ليس سوى منفًى
تجمّله المسافة والخرافة
بوجه بهزالِ ملصق ورقيٍّ على زجاج
على كون ذي معارج ومعجزات
أفكّر في الجنّة التي
في لحمنا تحفر
كي تحظى بخارطتها
كم هي
كالجحيم والغرام
ككلّ اغتراب في النرجس
لا شيء ولا أحد سوانا
السمّاعة على أذني
محارة إلى بحر يبوح
هادئ هادر
خاضع ناهٍ
مبحوح وجامح
سجّان نفسه
نختلف
لهول ما نتشابه
والافتتان يشترط
بتر أصابعنا
*
لستُ التراب
كي أنتشي بعودة جسد
وليست الروح من حجر
لأنحتها
وأحرّر حصانًا
إلى صهيله
داخل الصخرة العملاقة
أصغي
العاشق إناء فارغ
أعِدْني
ولا تَعِدْني
ليس الشروق على عاتقنا
وللربيع أزهار هشّة
على مهلها تهوي
ومهارات إله
ولنا أعمار
كأقواس قزح
قصيرة
يسبقها ويليها الطوفان
*
لنا ملاكان حارسان
لكلٍّ ملاكه ومروِّضه
ولنا وداعة نمرين
لو نستكين
ولكلٍّ وثبته
حين الفرصة بإغواء فريسة
والنار نهمة نشّابة
منذ انتصافه
حتّى وضح النوافذ
والليل مكالمة متقطّعة
خيبات الأمل
أكثر من الألم بيننا
وما بيننا
لا يُمحى
ولا يُستعاد
كمثل مطر على مخمل
كلّ كلمة
فعلها القاطع
*
في التباس الأزرق
بين طيران
وغرق
في غيمة تبغ
واهية
قصيّة
بقناع
تفضحه دمعتان
بلا أمتعة
على سفر إلى سواي
لك ما اخترتَ
من درب خلوة
وأطياف دخان
ولي درب التبّانة
وصبّارة صغيرة
ترتق ما يتلفه الدهر
بين الحنايا أربّيها
*
لو نزوة
لتجاوزناها بجرعة زائدة
لو لعنة
أظنّنا تخطّينا أمد العقوبة
لمللنا لو لعبة
لو مجرّد رهان
لكنّنا الهوى
بلا أسباب
سواه
سؤال الروح
إجابة الجسد
مدًى يستجيب
مدية مدمّاة
كوردة جيب
*
إلى العتبة نعود
مهد القُبلة الأولى
مسرح الوداعات المتعاقبة
حيث تخاصمنا كثيرًا
ثمّ بقبلة تصالحنا
في الظلام
في ظلال النخيل
لا لزوم لشمعة أو شهاب
الشوق يشقُّ المعبر
يده يمامة
في هديلها
ما يُنهي
عن النهايات وجهتنا
إلى عتبة وقبلة
نطيعه
ونطير
*
في المطبخ الذي
لكثافة أخشابه
يكاد يكون مركبًا
إلى طاولة طافية
على سهر طويل
كرسيّان
كوب واحد
رأسك إلى رأسي
غريقين
ووحدنا خلاصنا
بيننا سكّين
كسمكة وسط المائدة
كلام يتكرّر
كلانا يكابر
من الطاقة المستطيلة
نور ساطع ساكن
على كمنجات خفيّة
على عتب
واعتذار
وعناق عميق
كأنّني لأوّل مرّة أراك
وجهك
ضحكتك
عيناك الأجمل من أن تكونا
دمعة من إذًا
هذا العالم؟
بأقصى ما يستطيعه يأس
بأقلِّ قَدْرٍ من ظلّي
أثق بالمطر
كزهرة غاردينيا
تضيئني بئر
حياتي حبر على سحابة
خطوتي خلفي
أنا أخطائي
الليل قطعة من القلق صافية
ولكلّ طائر شكلُ صليب
*
ما في استدارته يخبّئه نهد
ما يبقي المجرّات حيّة بعيدة
ما ليس بوسعي إدراكه بحدس
وما من دليل
إلى ينابيعه
ما يكتشفه
في القطرة الأخيرة قدح
والحالم
بلا حسرة
حيث تسيء فهمي وأتمادى
في هشيمي
في هبائي
في ألعاب البنفسج
الجوْف، حيث لا وعي يؤنس صاحبه
*
هذه وجوهي
ألوان مائيّة على غابة
بأهداب مسدلة
بلا أنوف
بأفواه من الكرز زاهدة
حولها
تحوم أسئلة غرباء
على جدرانهم أعلّقها
أقترح مرايا
أطفالي ليسوا لي
صغارك أيضًا
وهل يعبأ نهر
بخاتم أو وريث؟
*
هي علاقة مفتوحة كجرح
كالتي بين فأس وشجرة
تعلو وتسطع
مع النهار والأسطورة الأولى
تسقطك نسمة
وألملمنا آنية من طين
بمتعة حطّاب
تقطِّع أطرافي
مزهوًّا تنتحر
متوهّمًا أنّك معذّبي وقاتلي
حطب مدفأة
مقعد في مقهًى على بحر
سرير وسط غرفة
واسع ووحيد
لولاك
لما صهرني الألم أوراقًا
لما أصبحتُ
كلَّ هذه الكائنات الأليفة
*
إلى فضاء
فراشة رئتيَّ
لسطرين من السنونو
هالتي
كلُّ ما كتبت
بلا صخب
أغادر صوري وأقفاصي
ببقايا من خمرك القاني
أخدِّر الضوء المريض
أخمد الأرق
لكنَّ العصافير
بألحان ملحَّة توقظني
على وجنتيَّ
مساحيق المهرّج
ماسح الأحذية أمامي
بصندوقه المدلَّى
حقيبة لا تسافر
والبيانو الذي
مثل مجنون
يبكي ويضحك
ونصفه جناح ناهض
وجميعه مفاتيح
تؤلمني الموسيقى
*
الواقع
بمطارقه المتلاحقة على عظامي
أنحني حتّى أصبح حضني
وحين أرفع رقبتي قليلاً
لأتفقَّد الفراغ وما فاتني
أجد الهلال الذي تركتُه يتكوَّن
مشنقةً مكتملة
كم بكيتُ
كي يشيخ إسمي
كساعٍ مسترسلٍ على درّاجة؟
هي برهة
وهْم الوقت الذي يمرّ
هكذا أهلكني الهجر
وما هالني
أنّنا انتهينا ألف مرّة وأكثر
دون أن أنسى
في مرّة
اسمك
*
على شارع من شجر الكستناء
أطلقه
لأشتّت ما بوسع اسم تبديده
من وحشة مشوار
لأستجمع خطى طفولتي
وأتبع
ما بعثرته من أعمار
وحصًى ملونة
براحتي
أحضن المقبض
أصافح الماضي
أسامحه
كأنّني لم أغادر
في الممرّ المشمس
إخوتي صغار
ضاحكين يركضون
أمّي صبيّة
عصبيّة
آسرة
كتبي
قواميسي
وقارورة عطر نسيت اسمه
على الرفّ العتيق
على عطر المدينة عقب المطر
أطلق اسمك
لتنتشي المباني المترفة
السيّارات المسرعة إلى مواعيدها
الأكشاك والمظلاّت
قبل إغلاقها
على المطر نفسه
في ماسات في شَعري تذوب
ترصّع الأسفلت والسلالم
عرقًا تسيل
عن عراء تماثيل
مع الطيور
عاليًا أطلقه
حرًّا من حروفه
من حبال الحناجر
من الدلالات الدامعة
وقشرة الألقاب
من قفص متناثر في صدري
كهديّة
بلا صبر فتحتُها
لألمس الجوهر
صلبًا أصيلاً كجوهرة
*
برج
كمنارة من المعدن
معشَّقة
ومض مجرى
رِهَم وزينة ميلاد
بيت
بأبواب متفرّقة
مغلقة
نوافذنا نحو النجوم
نافذة
ناجية
الكوكب رأسي
على ركبتيك
على وسني
رموشك أمّهات
خلافًا لقتامة القطيفة
خيوط مطرّزة
بألوان أمانينا
في مدينتنا
في البلد البعيد
كلّ أيّامنا أيلول
والغيث والغسق كلماتي
في محاولة
لوصف خصلة من شَعرك
*
عبثًا أحاول
أن أَشِمَ بصري
بالمشهد
بشارع من صدى
برصيفين ناصعين
بسياج حديقة مسحورة
بأثرنا فجرًا
على نعاس
ونَدَف
بك بقربي
بمعطفك
بشالك الأخضر
بقبّعة من الصوف وقُفّازين
بابتسامة لائمة
عبثًا أحاول إطالة اللحظة
مثل ظلٍّ أو طريق
عين العاصمة دوّامة تدور
المفارق ثابتة
وسيّارة الأجرة
بلا تلويحة
سوداء
تبتعد
*
الضباب وبرد ديسمبر
وعلبة ثقاب في جيبي
وقصيدة في البال
عنيدة عصيَّة
على مصطبة نائية
قبل أن ألقاك بدقائق
والأطفالَ
وأكياسَ الأعياد
في المحطّة القديمة الفاحمة
حيث الجرذان حمام لا يطير
القطارات تشطر الهواء
والمشاهد
أوتار في إسمنت
القضبان الهاربة
العابرون عابرون
وعليَّ كالعادة أن أعتني
بمِساحة وقت لا تقاس
بمفردي
أحدكم يلُوح
أُقْبِلُ وأُقَبِّلُ وأَقْبَلُ
بأيّة صيغة للوصل
بزجاجات في حقيبة جديدة
على جليد أجرُّها وأعرج
كأنّني نصفي
من تعبي
من تعاستنا
من الاحتمالات المستحيلة
والهامش المتاح
لولا وجهك
العالم عقابي
خطّ الخيبة أطول من الرحلة
*
كلّ ما أحببتُ كسرني
كلّما أحببته كسرني
لأشباح أشكو
لشمس شتاء في شِباك
لغراب يراقص غصنًا غائمًا
لبقعة قلبي على قميصي
لرجل ثلج ونادل ومجهول عبر الأسلاك
لهمهمة فيروز
لتذكرتك المهدورة
لرفاق الحفل والحانة
لغيابك الذي
في غيابك
صار صديقي
*
على أجفاني المقرَّحة
تشهد الغريبة
على شبحي المحموم
على فراش فندق كئيب
على فناجين الشاي الخادر
ومرارة ملعقة سكَّر
على مشيِنا
بروحَين حافيتَين
على ثلوج هاجعة
على شحوبي ونحولي
وجنوحي نحو جثّتي
على وقوفي
بلا فرس أو مفتاح
كمطلع مُعلَّقة على أطلالي
ولأنّ ما مضى
ضحكتي وجنوني
وما الشغف
إلاّ تكرار ذاته
تُذكّرني بالملاك الذي
بأصابعه لقّمني العسل والقوافي
وفي الصقيع جهرًا
وسّدني رعشة ركبتيه
*
في جوقة الأصدقاء
على غير هدًى
في الحشا لوعة
وفراغ غزالة
بدندنة أتظاهر
برفع نخبي
كإكليل في دخان
أهمل هاتفي
لعلّني ألهو
أغالب التوق
وتغلبني أغنية
عن غيمتي تطيح بي
على طاولة حقيرة
في المطعم العتيم
هكذا أسقط أمامهم
أعدائي سكارى
عازفون مكفوفون
بضعة كراسٍ شاغرة
قطع مجروحة جارحة
من خلالها أوقن
كم أنا كأس
*
كأنّما أفئدتهم
بشمعي مضاءة
دون نقصان في حناني
كأنّهم أصدقاؤك أنت
حصونك من حولي
أحصنتك الرابحة
كأنّني أكذب
كأنّ نواياك
بين أكفّهم
براهين
من أين
برهافة سهم
إلى رؤى الأصحاب تتسرّب؟
ومن أين لك
بهذه السطوة الطاغية
على حرّاس سقوطي؟
*
من الخوف
من الخوف من الخوف
المخابئ المكشوفة
أقْنِعَتُنا التي لا تقنع أحدًا
مثلك
من النشوة والشرخ أخجل
من هشاشة صرحي وتمثالي
من التسلّل والمواربة والأقفال
من تاج مستعار
ومملكة موقَّتة
من أذرعتهم الواسعة الواثقة
من شكّ
عادلاً كمقصلة
يوأد في أحشائهم
من غفوتهم المطمئنّة
كملائكة من حولك
من وهجنا
من وحلنا
من وجودنا الأبلق
من حقّنا هذا الأوج
ومجاورة الأفلاك
ومن المحتّم
رماد القشّ والرسائل
*
من خاتمة الخيال
من مآل النفق إلى نقطة انطلاقه
من زوال رغبتي في حوار أو حصاد
من زهر الليمون وتيجانه المداسة
من خفّة فراشة على قبر سحيق
بنداء الهاوية أبدأ حياتي
كمن يموت
مبتسمًا
لا لشيء
سوى أنّه أحبَّ وسامح وحلّق
بلا راية
مع النسور
*
يا صاحبي
يا ياسمين نسيان
يا غزالاً على ساعديَّ غفا
ومن ملامحنا في مرآة رواني
يا لغتي اليتيمة
يا طعم أوتاد في تنهيدة
يا محبرتي ومشاعلي
وجرّتي ووسادتي وردائي
يا سحر الصحراء
ومفاتيحها المدفونة في رمل
يا حنين الفضة فيَّ
والمعدن المصقول في سيف رهيف
يا قبائل العشّاق
وقوافلها السادية
يا ظمأ ظباء
وسدرة منتهًى
يا سراب النواحي والسبيل
يا معاركي الخاسرة
يا جرس مدرستي وسرو الأسوار
يا طفولتي التي لا تنفد
وعلبي الضائعة في بريد
يا أغنيات الغربة
وخريفها الأحمر
يا خزامى الغروب
يا مسك الختام
إلى خلودي خذني
وكأنّه سرير نحاسيّ
يغطّيه السكّريُّ المكسور كتّانًا
وعلى محيط سماويٍّ يطلّ
واحرسني هناك
دونما مرثيّة
بحكايات بصوتك أحبّها
مع جثث مسجّاة
كبَسْطاتِ باعة مفقودين
وسط شوارعنا
*
ربيع ورصاص
ضفائر وجنازير
وليس الموت مجازًا
وليس في سحنته
ملمح من ملاك
ثورة إثر ثورة إثر ثورة
والحرّيّة حورية
والسواحل مقابر تتراكم
في الزحام الحزين وحدي
في يدي مسبحتك العاجيّة
بخيطها الذي بلون التراب
بحبّات من حنانك تنفرط
في قطرات
لقرون أخَّرها السيل
كحياة تفلت من بين الأصابع
*
لدمعتي
أجنحة لا تحصى
كبحيرة بجع
أحبّك وأحوي أسرابًا
من شمس وصفصافة
أغزل قفطاني
قصيدتك ذات الأكمام الوارفة
على مدار ضفافي
أحلم أنّني
أروي الحكايا والغزلان
*
لملاقاة الأيائل
في قفار أعدو
أنشد نبعًا
لا تأسره حفرة
نشيدًا أرحب من ثقوب النايات
لو تقرِّب القطبين
ألفة أفق
لو أنّ الحياة
تفّاحة تحاورنا
في المعاناة
نواة معنًى
كلّ مصباح
يتخطّى صاحبيه
وللرياح العاتية
بصيرة صقر
وملمس سماء
*
في الهاتف المهشّم
أشرد
في تهم متبادلة
كقُبل
وطلقات رصاص
في فراق
ننصب فخاخه وننجو
لأنّنا في الانعكاس العاري
أكثر من عاشقين
والحياة مَرّة
مُرّة بعذابها الذي
من عذوبته
تنهل الأنهار
وتنتهي
تميمة ماء وملح
بذُلِّها
لأنّنا أصدق كاذبين
بقسوة لا تشبهنا
وتشوبنا
ولوهلة
أتوهّمها نحن
وأتألّم
بتفاهاتها
بحماقاتنا
بحروب الآخرين
وخراب الكوكب
ما همّني
سوى أنّها الآن هنا
بقربك
*
لا الأقدار
ولا الدروب الدالّة
على قدميَّ
أقطع الجسر المعلّق
وكلّ ما يصلني
بأصدائهم في الأصداف
لئلاّ يصلني
إلاّ صوتك
وكي لا أقيس أيّامي
بشموس وطُرُق
أطيل شَعْري
لعلّ لمستك معه تنمو
وتغدو السنوات
بيننا
ملموسة
*
كما لو عاشق
فارد جناحيه
كما لو شبّاك مصلوب
الفندق المطلّ
على شارعين ودموع
على هيئة بشر
ممرّ
على أطرافي أسابق قوسه
مصعد عابق
بلهفة باقة
برغبات من بلّور
لوحة كحكاية
في كفّ كهف
العوسج على ضلوعي
خفقة وجرَس خافت
قبالة وجهك
ووجودك
كلّ التفاصيل
ورطة فرح
الحجرة ستائر شفيفة
سقيفة كمشربيّة
شرفة على ساحة
مرفأ ومراكب
الحجرة صندوق من حرير
فلّينتان وقشر فستق
لطخة كحل على مخدّة
أختها الصغرى على خدّي
الحجرة نحن
أوصالنا
نصالنا
صبونا إلى تعشيقة
أعمق من قبر
تذكّر
*
عند أقدامنا
أقراص الفحم
في قعر الموقد تتلألأ
عيون عشّاق في ذروة
في الحضيض
في اشتعالها
كفراشات حول نفسها
أحدّق
في شموع مستديرة
على حوافّ لازورد
في قمر مقلوب في بقعة حبر
في شامة منمنمة
بريئة جريئة
نظرتك نبيذ أسود
لمّا منها تدنيني
أراها
فأُكْثِرُ من الشراب
أشربها لأرى
ولفرط عتمتها فيَّ
على نافذة نومك
بحواسّي أستدلّ
على زواياك في المنزل الوسيع
على شجرتك الأثيرة المائلة
وسُلَّمٍ بلا غاية
سوى الترفّع عن محطّ الغبار
والغناء عاليًا
ومغازلة ما يرهو بهامته من سحب
*
ببصمتين على وريدك
نتطابق
بإصبعيَّ أنصتُ
إلى نبض يحيلني
إلى حوافر بلا وصول
بلا خيول في منامي
أسمع سهدي
أم هو قلبك
يهجس؟
وما الفرق
ما دمنا
بالتساوي
نقتسم الكنز والأهوال؟
كأرجوحة
بين حصّتنا
وما نستحقّ
لو أنّني ميزان
ولا أجور كوحش على حالي
*
من برعم
إلى بهجة تفوح
إلى بتلات مبعثرة على يباس
بدر
كهذا الذي
كقلادة بعنقك
كذلك الذي في تجويفتك الجارفة
لو يدومان لي
ولا تكرَّس الأشواك وحدها
كأبد على سديم
*
كأنّك من هواء
كأنّني لم أُهْدَم
كعازف كمان على قرميد
يوم عازف عن الوجع
توت باكر
أنفاسك ونكهة صيف
مدينة مدينة
بزهرها لزيارتك
لزئبق نزهتنا
مرحَين
فسيحَين معًا
بين أزقّة، كقبور، ضيّقة
*
حول معصمي
الساعة السوداء
التاسعة تقريبًا
موعدنا المائج
على جفو
ورجاء
بتقاطع العقارب أستعيد
ما قاله عرّاف اصطفاني
أكثر من عاصفة
سبع عجاف
طوقًا
أتشبّث بنا
بأذرعتنا متهادنة متماهية
لعلّني عن مرساة القاع أطفو
أطأ السطح ثانية
أذرع الأديم
كما يذروه هدهد
وعلى كتفي تحطّ
ندفة من غمامة
*
أحدّثك وحمامة عبر السقف الشفيف
تحرث حيرتها
ضجرى
هذه حدودها
معضلة الأرض
الفضاء الذي ليس سوى منفًى
تجمّله المسافة والخرافة
بوجه بهزالِ ملصق ورقيٍّ على زجاج
على كون ذي معارج ومعجزات
أفكّر في الجنّة التي
في لحمنا تحفر
كي تحظى بخارطتها
كم هي
كالجحيم والغرام
ككلّ اغتراب في النرجس
لا شيء ولا أحد سوانا
السمّاعة على أذني
محارة إلى بحر يبوح
هادئ هادر
خاضع ناهٍ
مبحوح وجامح
سجّان نفسه
نختلف
لهول ما نتشابه
والافتتان يشترط
بتر أصابعنا
*
لستُ التراب
كي أنتشي بعودة جسد
وليست الروح من حجر
لأنحتها
وأحرّر حصانًا
إلى صهيله
داخل الصخرة العملاقة
أصغي
العاشق إناء فارغ
أعِدْني
ولا تَعِدْني
ليس الشروق على عاتقنا
وللربيع أزهار هشّة
على مهلها تهوي
ومهارات إله
ولنا أعمار
كأقواس قزح
قصيرة
يسبقها ويليها الطوفان
*
لنا ملاكان حارسان
لكلٍّ ملاكه ومروِّضه
ولنا وداعة نمرين
لو نستكين
ولكلٍّ وثبته
حين الفرصة بإغواء فريسة
والنار نهمة نشّابة
منذ انتصافه
حتّى وضح النوافذ
والليل مكالمة متقطّعة
خيبات الأمل
أكثر من الألم بيننا
وما بيننا
لا يُمحى
ولا يُستعاد
كمثل مطر على مخمل
كلّ كلمة
فعلها القاطع
*
في التباس الأزرق
بين طيران
وغرق
في غيمة تبغ
واهية
قصيّة
بقناع
تفضحه دمعتان
بلا أمتعة
على سفر إلى سواي
لك ما اخترتَ
من درب خلوة
وأطياف دخان
ولي درب التبّانة
وصبّارة صغيرة
ترتق ما يتلفه الدهر
بين الحنايا أربّيها
*
لو نزوة
لتجاوزناها بجرعة زائدة
لو لعنة
أظنّنا تخطّينا أمد العقوبة
لمللنا لو لعبة
لو مجرّد رهان
لكنّنا الهوى
بلا أسباب
سواه
سؤال الروح
إجابة الجسد
مدًى يستجيب
مدية مدمّاة
كوردة جيب
*
إلى العتبة نعود
مهد القُبلة الأولى
مسرح الوداعات المتعاقبة
حيث تخاصمنا كثيرًا
ثمّ بقبلة تصالحنا
في الظلام
في ظلال النخيل
لا لزوم لشمعة أو شهاب
الشوق يشقُّ المعبر
يده يمامة
في هديلها
ما يُنهي
عن النهايات وجهتنا
إلى عتبة وقبلة
نطيعه
ونطير
*
في المطبخ الذي
لكثافة أخشابه
يكاد يكون مركبًا
إلى طاولة طافية
على سهر طويل
كرسيّان
كوب واحد
رأسك إلى رأسي
غريقين
ووحدنا خلاصنا
بيننا سكّين
كسمكة وسط المائدة
كلام يتكرّر
كلانا يكابر
من الطاقة المستطيلة
نور ساطع ساكن
على كمنجات خفيّة
على عتب
واعتذار
وعناق عميق
كأنّني لأوّل مرّة أراك
وجهك
ضحكتك
عيناك الأجمل من أن تكونا
دمعة من إذًا
هذا العالم؟