.بيروت، صيف 2008
.رسم الغلاف للشاعرة
عاجزًا عن نسيانِ طينِهِ
يسقطُ الثلجُ
ما من بدايةٍ بيضاء
*
ليسَ الأسَى
النافذةُ جُرْحُ جدارٍ
البابُ مرآةٌ مُغْلَقَة
تعلمينَ
في العَثْرَةِ حجرٌ يُرْشِدُنا
على جانبي الأيسر
حافَّةُ السريرِ والعالم
الحائطُ وجهٌ قريبٌ
أقسو كي لا يكسرَني حناني
أيُّهُما القفصُ؟
مَنْ مِنَّا العصفورُ؟
ومِنْ أينَ يأتي العابرونَ لعُقَدِنا
بهذا الكرهِ الراسخِ للأقنعةِ والستائر؟
جماجمُ الأيائلِ
بقرونٍ ناعمةٍ تضيءُ
قمصانٌ داميةٌ
أرواحُنا المُعَلَّقَة
صفحةٌ من كتابٍ بلا كتابة
صرخةُ بئرٍ إزاءَ الصحراء
بغيرِ غيمةٍ واحدةٍ
دونما كوكبٍ على كَتِف
مجرَّدُ سقفٍ
ممحاةُ أفق
مَرَّ اللصوصُ، القَتَلَةُ
أطفالُ الورقِ البَرْدِي من حولي
لو أنَّ أحْبارَهُمْ دَمٌ
لو أنَّ الدُّمَى تنمو قليلاً
أعدُّ في خيالي الخِرافَ ولا أغفو
النومُ استراحةُ الظلِّ
*
بأغصانٍ غائرةٍ في الغيمِ
بنُسْغٍ غامضٍ عَنِ الرُّسْغَيْنِ يسيلُ
إلى نسيانٍ أتسلَّلُ
السَهْمُ في روحي
لا أثرَ لملاكٍ أو رُماة
السلالمُ خطواتٌ مُقَفَّاةٌ
ثقوبٌ لا تُرَقِّعُها موسيقى
هامدًا يهبطُ الثلجُ
لشجرةٍ في شارعٍ
وجهي وأوراقي
أنهاريَ المهدورةُ لِرَمْلٍ
وحيدةٌ على أقدامِها
المقاعدُ التي خَلَّفَها العازفونَ
وحدَها الفزَّاعاتُ
بظلالِها حَفِظَتِ اللحنَ
واحْتَفَظَتْ بقُبَّعاتِنا القديمة
*
الإشارةُ المُعَطَّلَةُ منذُ الأزل
الشرطيُّ الأسمرُ القليلُ
جِذْعانِ على رصيفٍ ذائبٍ
جارتُهُ بنايةٌ صفراءُ
بيتٌ
في طابقِها الخامسِ والأخيرِ
لا يُغادرني
كغيمةٍ عالقةٍ بشَعْرِ صفصافةٍ
بجدرانٍ شاحبةٍ
بلا شبابيك
بشرفةٍ رطبةٍ نحوَ ظِلِّي تميلُ
على حبلِ الغسيلِ
شبحُ قميصٍ
ألَوِّحُ
يذكرُ الذراعَ
يذرفُ مِلْقَطًا
كَفِّي أرجوحةُ عصفور
*
كُلَّما ابتعدتُ
أعادتْني الكوابيسُ
كتبتُها
كما كان الوعدُ
البترُ لا يُجدي
حزنٌ بكثافةِ حاجبيْنِ مَعْقُودَيْنِ
عينانِ مُغْمَضَتانِ على غُصَّةٍ
نصفُ ابتسامةٍ
طَوْقُ ذراعٍ
أقواسٌ بأقطابِها أقاومُ
جاذبيَّةَ فوهةٍ سوداء
انكسرتُ مرَّةً
انكسرتُ مرَّتيْن
كُلُّ موتٍ يتكرَّرُ
كُلُّ الطُرُق تؤدِّي إلى صلاح سالم
*
القصرُ المائلُ
في زاويةٍ من الزمنِ المائلِ
بسُورِهِ المَسْنُونِ
بسَرْوِهِ الأزرق
بأسرارِ سنواتٍ مَضَتْ
وأماتتْنا في مناماتِها
برموشِ الشمعِ الأسودِ
أشْعِلُ مرآةً
البوَّابةُ القاتمةُ ذاتُها
قضبانُها الكثيفةُ
القُفْلُ اليتيمُ
قسوتُكَ التي لم تَكُنْ يومًا أُمِّي
سقيفةٌ مُمَوَّجَةٌ بأسماءٍ منسيَّةٍ
ممَرَّانِ ضَيِّقانِ كعينيكَ في الضَّحِك
أعشابٌ ضئيلةٌ بينَ الأضلاعِ
حولَ أقدامِ القناديلِ
حفيفٌ جارحٌ لتمثاليْنِ من النحاسِ الأحمر
حارسا أرجوحةٍ بحبلٍ وحيدٍ
لحنٌ من جوفِ الزجاجِ
ينبضُ
يئنُّ
يؤلمُني
ليسَ الظمأ
كانَ عليَّ أن أتخبَّطَ في جدرانٍ عاليةٍ وأوثان
كي أكسرَ ذلكَ القَيْدَ
كانَ على الحصونِ أن تموتَ صغيرةً
في براعمِها
وعلى بيوتِنا والتوابيت
أن تكونَ خفيفةَ الظِلِّ أليفةً
بدفءِ عُلَبِ الكبريتِ
كُنَّا أطفالَها
هذه الحديقةُ الساحرة
أمراءٌ بطاعةِ الخواتمِ
حُرَّاسُ بئرٍ وسكونٍ
أكتافُنا بالكواكبِ تتهدَّلُ
عصافيرُ الصوفِ نياشينُ معاطفِنا
واطئةً تطيرُ الوطاويطُ
بينَ أرجلِنا في الجذورِ
*
أغْمِضُ لأرى
بأهدابي
أعيدُ حياكةَ الحكاياتِ
رسالةٌ على هاتفٍ قديمٍ
شمسٌ شائكةٌ
جسرٌ
نفقٌ
نافذة
البابُ العملاقُ
على عجلٍ أغلقُهُ
جمجمتي جيتارٌ
لمبةٌ جاحظة
ما يدفعُكَ نحوَ الألم
برفقٍ يدعوني إليهِ
ما الذي بوِسْعي أن أقولَهُ
سوى أنَّ الأعداءَ كانوا أكثرَ عَدْلاً
*
كمقعديْنِ متعاكسيْنِ في قطارٍ
ظهرُكَ المستقيمُ إلى قَوْسٍ مُقَصَّبٍ بفقراتي
عُمْلَةٌ لا يتواجهُ وجهاها
لأنَّكَ الملكُ
تمحوني الكتابةُ
ميزانٌ مائلٌ تحتَ بُرْجٍ ظالمٍ يجمعُنا
على أطلالِنا يستطيلُ ظِلٌّ
شجرةٌ مجروحةٌ يحنيها الحنانُ
أصابعُ القدميْنِ المُزْرقَّةُ
الخَدَرُ الخافتُ والخوف
كأنَّني كسلي
خطوتي تُفَّاحَةٌ اسْتَرَدَّتْها الأرضُ
*
كيُتْمٍ في تلويحةِ كفٍّ
كانتِ التيجانُ على حذائي تتناثرُ
ثلجًا ينهالُ بكثافةِ الكُحْلِ
قِطَعَ سماءٍ قاطعةَ طريقٍ
في اتِّجاهيْهِ المجهوليْنِ أركضُ
أركلُ الملائكةَ وكُلَّ ما بيننا
بينَ يديَّ أغصانٌ مقطوعةٌ
تُبْكيني الأشجارُ كُلَّما تذكَّرْتُ
أظفارَ الحديقةِ ظافرةً بظلِّي
معطفًا عالقًا بدبابيسِ دموعِها
ملكةُ ليلٍ تضحكُ في انعكاسِ
قطرةٍ أخيرةٍ من الكأسِ
*
بينَ نَحْرٍ وصَدْرٍ جَرَتْ دموعي
نهرَني النهرُ لأنَّني بكيتُ
ثُمَّ أسْرَعَ نَحْوَ السورِ يتوسَّلُ
بعددِ الخُطَى كانتِ الأخطاءُ
سامحيني
سبعَ سنواتٍ بينَ ساقٍ وسبيلٍ
أصِلُ الليلَ بالنهارِ ولا أصِلُ
براءتي خاتمٌ في بئرٍ
قدمي في صوتِكَ
السماواتُ تمرُّ
لو كنتُ أعلمُ
إلى أيِّ خرابٍ ستقودُنا الطُّرُقُ
لما قَطَعْتُها
لَقَطَعْتُ قبلَ أعناقِها شراييني
*
بكِسْرَةِ فَحْمٍ أرسمُهُ
سريريَ العابرَ مثلَ نَوْمِ نهارٍ في مرسمِك
لمَّا دثَّرْتَني بظلٍّ
فغفوتُ كذبيحةٍ عندَ ركبتيكَ
كانتِ الجدرانُ حولَنا من كُتُبٍ
رائحةُ الألوانِ نافذة
أن تبقى أهدابي مَعَ شمسِ الستائرِ مُسْدَلَةً
كانَ الحلمُ
*
في الحُلُمِ المُحَصَّنِ بألفِ رُمْحٍ
آخذًا ملامحَ حُرَّاسي
سيِّدي ووالدي
اليتيمةُ قبلَ ميلادِها أُمِّي
الحائمونَ حولَ حَدَقَةِ البئرِ بقميصي
أصدقائي الثعالبُ
القُسَاةُ الذينَ بنسيانِهِمْ أتسلَّى
على طَرْفِ جناحِهِ وردةٌ
في قبضتي سكِّين
أقتربُ
أشباحٌ كانت أشيائي
دُمْيَتي المُدَلاَّةُ
الشارعُ المُمْتَدُّ من فيءِ رموشِها إلى شرفتِك
تلكَ الدموعُ المُتلألئةُ مثلَ ماساتٍ سوداء على أسفلتٍ شائبٍ
الذي
كنصلٍ بينَ غيمةٍ وغروبٍ
مثلُ فاصلةٍ فِصامُها تفريقُ رصاصتيْنِ
يستحيلُ إنسانًا كانَ حبيبي
قُرْبَ أمكنةٍ نَأَتْ بناياتُها
تفاصيلَ امَّحَتْ
ويُصِرُّ على ألوانِها الثلجُ
من يدي الناعسةِ
من تعاستي الساهمةِ في سقفٍ
من شِباكِ العناكبِ في كوابيسي
يأخذُني
حنانُكَ
*
لأجلِكَ الجسرُ والعبورُ
من قالَ إنَّ الظلالَ لا تلتفتُ إلى الوراء؟
مظلَّةٌ مطليَّةٌ بالوَهَنْ
طَعْمُ غيمٍ
كنَّاسٌ مكسورٌ
بأوراقِها تتساقطُ الكلماتُ
الشجرةُ ذاتُ الشَّعْرِ الأحمر
الغابةُ التي غافلتْنا وغابَتْ
القصرُ المصلوبُ بينَ رصيفيْنِ كتقاطعٍ
ثُمَّ كغروبٍ مباغتٍ
صرخةُ مالك الحزين
صلاح سالم يُصْغي
نظَّارةٌ سوداء
كتفانِ بنجومٍ كثيرةٍ
في صدأ نياشينِهِ
ما يضيءُ خسائرَنا
ما لم تَقُلْهُ الوردةُ
في وَحْلِها تُدْرِكُهُ الدموعُ
*
ما حاجةُ السُّحُبِ إلى لمسةٍ من طين؟
ما حيلةُ زهرةٍ قبلَ الأصابعِ تَفْنَى؟
الخواتمُ للعابرينَ
خذ يدي
لأنَّني من دُخانٍ
أُفْلِتُ كُلَّ خيطٍ وأطيرُ
لأنَّكَ في المرآةِ كأسٌ
كُلُّ نسمةٍ سكِّين
السائرونَ إلى نسيانٍ
يضلِّلونَ الضوءَ بظلالِهِمْ
في ظلامِنا راقصةٌ حافيةٌ
خطوتُها خلخالُ دَمٍ
المقابرُ القريبةُ
الجبلُ الواطئٌ كنسرٍ
العُمْرُ الشاردُ في إشارةٍ مَمْحُوَّةٍ
قدمانِ من رماد
*
محطَّةُ باصاتٍ مهترئةٌ
مصباحٌ لا يصلحُ مشنقةً لحذائي
محبَّتُنا أوْدَعْتُها النهرَ
ضعفي في نقطةٍ
للمَرْسَى أسبابُهُ
النوارسُ للنسيانِ
مراكبُنا من ورقٍ
العالمُ لا يحتملُ دمعةً
يبعثرُني الثلجُ
كُلُّ ذلكَ القُرْب
كُلُّ هذا الألم
أسوارٌ عاريةٌ
أبوابٌ تئنُّ
أخشابُها اشتاقَتْ
أمَّاتُها في الغابةِ
أشجارٌ بأذرعةٍ كثيرةٍ تلوِّحُ
شبحٌ يَلُوحُ ويمَّحي
أعقابُ سجائرِنا علاماتُ سَيْرٍ
صلاح سالم شاعرٌ وحيد
*
حتَّى الأطفال لا يفعلونَها
كُلُّ ما أملكُ رَهْنُ حِضْنٍ من رمالٍ متحرِّكة
في الوَحْلِ حتَّى الركبتيْنِ
شَعْرِي يتطايرُ ويشيبُ
بينَ التماسيحِ التي تضحكُ
مَعَ التماسيحِ التي تبكي
نرجسةُ انعكاسي جمجمةٌ
يدايَ قطعتانِ مِنَ الورقِ البَرْدِي
في كُلِّ شارعٍ كنتُ نهرًا
كُلُّ نهرٍ ظِلُّ مدينةٍ وسماء
لو أنَّ المرآةَ بيضاءُ الثلجِ
ألامسُ نسمةً
تغادرُني الغربانُ
*
بلا سقفٍ كانَ الأذَى
والعابثونَ بأعضائي مَعَ الذُّبابِ يتكاثرونَ
جرذانًا تجذبُها رائحةُ الهزائمِ
في رُقْعَةِ قمرٍ عثروا على جثتي
قُرْبَ حُفْرَةٍ حديثةٍ في الجليدِ
بلا بوصلةٍ
دونَما حبالٍ
مومياءٌ مُنَمْنَمَةٌ في شرنقةِ أصابعي
وردةٌ من الدانتيل الأسود
ترقِّعُ ثقبًا في الجانبِ الأيسرِ من صدريَ العاري
أسقطُ
ما من قاعٍ لأرتطمَ
أظفارُهُمْ تسلبُني السماءَ
لو أنَّ للجماجمِ أجفانًا
*
لا رأفةَ في أرواحِهِمْ
أؤلئكَ الذينَ أوْصَدُوا على صوتيَ الرجاءَ
صفقةُ نَصْلٍ على أصابع
إبرةٌ بلا خيطٍ في البؤبؤِ المفتوحِ
لخناجرِهِمْ أدَرْتُ صرختي خدًّا
بالقوَّةِ تظاهرتُ
للحظاتٍ بالإيمانِ
ثُمَّ انْحَنَيْتُ لأستنجدَ بجذوري
لتفضحَني ورقةٌ
لم تتمالك موتَها
*
بخنجرٍ أحفرُ
خارطةُ كَفِّي من طينٍ
كثيرةٌ هي الكلماتُ التي أبكتْني وكفكفتُها
الخوفُ
بخطوطِهِ المتداخلةِ
نجمةٌ حولَ نَدْبَةٍ
هلالُ خاتمٍ مخدوعٍ
عُرْوَةُ قاربٍ موثوقٍ
بشجرةٍ تعتمُ الوقتَ
في ثنيةِ حَرْقٍ قديمٍ
ثلجٌ كثيفٌ
عصفورٌ بصورتِهِ مزهوٌّ
في زُرْقَةِ عِرْقٍ نافرٍ
حيثُ يتقاطعُ غريبانِ
الخسرانُ أصابعي الخمس
بحنانِ من حَلُمَ
شرياني نَحْتٌ لشارعٍ
كشكُ السجائرِ في ركنِهِ
متجرُ الألعابِ المُتْرِبُ
مكتبتي، كهولتي المبكرة
المقهى المُطِلُّ على ميدانٍ يسيِّجُهُ الأطفالُ
المُجاوِرُ لمدرسةٍ
نسيتُ اسمَها
مع أنَّني كطعنةٍ أذكرُ
طعمَ الصدأ في حروفِ يافطتِها
اليدُ المُنْقِذَةُ
تلكَ الخُرافة
راحتي لوحةٌ لديدانٍ
روحي عَرَبَةُ روبابكيا
*
واصطفانيَ الصمتُ لأكونَ رهانَهُ الأخير
الحصاةُ للنهرِ
الليلُ للذئبِ
العُشْبُ للحِمْلان
قرطُ الموسيقى
لأذُنٍ مقطوعةٍ
ساعةُ اليدِ القديمةُ
لساعي البريد
الدرَّاجةُ لأنَّ الوقتَ يمرُّ
طواحينُ الهواءِ
لأنَّ الأزهارَ إلى زوال
الحربُ
ليموتَ بعضُنا
نجومُ السماءِ بأسْرِها
لعاشقيْنِ في قاربْ
*
لِهَوْلِ صرخةٍ على جسرٍ
ينثني تمثالٌ
مَعَ جذعِهِ المُثْقَلِ بفُضُلاتِ عصافير
يَغْمَقُّ الوجهُ الحجريُّ للغروبِ
غرابٌ عن كتفِهِ يسقطُ
غيمةٌ تفقدُ اتِّزانَها
المارَّةُ في معاطفِهِمْ بلا خجلٍ
بخطواتٍ لا يختلفُ لبُرْهَةٍ إيقاعُها العابرُ
لولا أنَّهُمْ أصغرُ من دموعي المنهمرةِ على النهرِ
لأطلقْتُ حُكْمًا قاسيًا
ثُمَّ كمحراثِ ثلجٍ
لدفعتُ الضِفَّةَ البائسةَ
بعيدًا عن ضحكتي
*
الريحُ كَعْبُها العالي
الروحُ كَعْبٌ مكسورٌ
كسحابةٍ وسطَ السيَّاراتِ المُسْرِعَةِ
حولَ عينيها أحمرُ الشفاهِ
عاريةٌ بجناحيْنِ ناهديْنِ
عاهرةٌ لولا أنَّها تُشْبِهُ أمَّهاتِنا
هيكلُ عظامٍ على الأسفلتِ يتهاوى
تصرخُ
المسَّاحاتُ تمحوها
تركضُ
عجلاتُنا عمياءُ
نصفُ مجنونةٍ
نصفُ جنيَّة
دمعتانِ على المِقْوَدِ
شمسٌ واطئةٌ
هالةٌ تُوأدُ في تجويفةِ كتفِها
بشجرةٍ
بشبابيكٍ تتشابهُ
هاربًا يتراجعُ الشارعُ
شالاً يطيرُ من فُتْحَةِ نافذةٍ ويطولُ
المرأةُ المُطَرَّزَةُ بخيطٍ يربطُنا تختفي
في طيَّاتِ طرفِهِ النائي
*
الشوارعُ الفرعيَّةُ
الشوارعُ الخلفيَّةُ
ثُمَّ الشوارعُ المرسومةُ بأحبارٍ سريَّةٍ
بحدائقِها المُعَلَّقَةِ بحبالِ مشانقِنا
من قسوتِهِمْ
عَلَتْ بأسوارِها هذه القصورُ
الجبالُ الجائرةُ والجوارحُ
السلالمُ لأنَّنا نجوعُ
السكاكينُ لأنَّ الكلامَ يجرحُنا
دمعتُنا الأرضُ
بعضُ ظلالِنا السماواتُ
برطوبةِ الطَمْي تحتَ قناعٍ
بأبراجِهِ الثلجيَّةِ يرفعُنا الألمُ
أكثرُ هشاشةً من هيكلٍ عظميٍّ لعصفورٍ
لو رعشةُ هُدْبٍ
ننكسرُ
*
مَعَ أسنانِنا تلمعُ
تقويمًا لضحكاتٍ في اتِّجاهِ الضوءِ تميلُ
بأحجارِ قلوبِهِمْ سُنَّتِ الحوافُّ
تحتَ وساداتِنا
بينَ الرسائلِ والوساوسِ
جوارحُ بحجمِ الجيبِ
في بطانةِ معاطفِنا الطائرة
أكثرُ من هلالٍ
في الثلوجِ السوداءْ
بشراسةِ أسماكِ القرشِ
رائحةُ الدَّمِ تسحلُها
بلا وزنٍ
بلمعانِ الزئبقِ بينَ أصابعِنا
على الطُّرُقِ قانيةٌ
مُلْقاةٌ على عجلٍ
لأنينِها
نديرُ ظهورَها وظلالَنا
*
مُثْقَلِينَ بأخطائهِمْ
بأجنحةٍ مُضْحِكَةٍ لا تتجاوزُ العتبات
لا ترعبُنا عَتَمَةٌ أو أشباحٌ
بعماءٍ نتبعُ ظلالَنا
الطُّرُقُ البعيدةُ
على ضفافٍ تضحكُ
كطيورٍ نافقةٍ
تهوي قلوبُنا
شوارعٌ عاريةٌ
مَوْشُومَةٌ بالجماجمِ
آباءٌ بقسوةِ الشتاءِ
العالمُ والمَعْنَى
ألعابٌ مكسورةٌ
مثلَ بيتِنا نعرفُ العدم
*
الضحكُ بلا ضغائن
بعيدًا عن أسبابِهِ البكاء
ألعابُ العدمِ بينَ ضِفَّتَيْنِ
الموتُ مثلَنا يتعبُ
على قارعةِ طريقٍ
سُحُبٌ وسيَّاراتٌ
أشجارٌ سريعةُ الظلالِ
غافيًا يُفْلِتُ أقدارَها
قصورُنا في جيوبِنا
في قلوبِنا قراصنةٌ بأسنانِ ذهبٍ ذائبةٍ
مفاتيحُ الأبوابِ التي
كلوحاتٍ على جدرانٍ
نجمةٌ ناجيةٌ
على جليدِ أصواتِنا عصافير
الثلجُ في الطُّرُقاتِ
طفلٌ يلهو بممحاة
*
من الوَحْلِ حياةٌ
وحوشٌ تؤنسُ في الليلِ أرواحَنا
غيلانٌ بأحضانٍ دافئةٍ
لا نكادُ نألفُها
حتَّى في غيمٍ تختفي
أوهامًا صغيرةً
من صلصالِ أصابعِنا
*
كوردةِ وَحْلٍ تتفتَّحُ
إبتسامةٌ سمراء
وجهٌ كأنَّهُ الأبد
أجنحةٌ بكَثْرَةِ الثلجِ
شرنقةٌ فارغة
بعيدًا عن الدُّودَةِ أرفرفُ
مدينةٌ مُحَنَّطَةٌ
رئةٌ ترسَّبَ في بئرِها السُّعالُ
شوارعٌ متداخلةٌ
قصورٌ صغيرةٌ
ملوكٌ على شُرُفاتِ الضجر
مومياءٌ تعبرُ المرآةَ عاريةً
إلاَّ من ورقةِ جوكر
وغَمْزَةٍ بلا مَغْزَى
*
بلا حقائب
بتذاكرِ سينما منسيَّةٍ في الجيوبِ
أجنحةٌ مُعَطَّلَةٌ
أعلامٌ عارية
أيَّتُها الأرضُ الرمضاءُ
أطاحَتْ بنجومِنا الخماسينُ
رَمْلٌ ناصعٌ يتربُ الأهدابَ الطويلةَ
خطوةً خطوة تتقدَّمُنا الظلالُ
ما من أفقٍ لنقترب
الليالي بيضاءُ
طائراتٌ تُقْلِعُ
أُخرى تحطُّ
هديرُها غبارٌ لا تغامرُ باجتيازِهِ جرادة
على الجانبيْنِ المُشجَّريْنِ بأشباحٍ
محطَّاتُ بنزين
المصابيحُ مائلةٌ
ولاَّعاتُنا ملوَّنة
بينَ النورِ والنارِ
شارعٌ يمتدُّ كتنهيدةِ تنِّين
*
بعضُ ما مَضَى
كُلُّ ما كانَ
ضحكاتُنا التي لم تَدُمْ أطولَ من الثلجِ
على رُخامٍ نُلْقي عباءاتِ ظلالِنا
نظرةً أخيرةً على الأنهارِ إثرَنا
كُنَّا أشجارًا تتسلَّقُها السناجبُ
قلوبُنا حبَّاتُ بُنْدُق
البنادقُ على أكتافِنا باردةٌ
عيونُنا الوسيعةُ أعشاشُ عصافير
أذرعتُنا لِيُعَلِّقَ الغرباءُ معاطفَهُمْ
على أغصانٍ عودةَ الربيعِ
بعبورِنا عُراةً
تستيقظُ الحدائقُ النائمةُ
على إيقاعِ أقدامِنا
نبضُ الأرضِ ينتظمُ
أجسادُنا التي جاعَتْ كذئابٍ في غابةٍ من غربانٍ
وليمةُ الديدانِ
ابتسامةُ العدمِ الواعظة
قبورٌ أنيقةٌ
تليقُ بعظامِنا
من شواهدِها الأساطيرُ
الأبطالُ الذينَ لا تشبهُنا تماثيلُهُمْ
حكاياتُ الأطفالِ لحينٍ
أسماءُ الشوارعِ التي على أسفلتِها يتسكَّعُ
كسائحٍ بلا كاميرا
ترابُ خطواتِنا
*
دونما بلبلةٍ تنتحرُ الأشجارُ
فلتكفَّ عن صراخِها
العصافيرُ الناجيةُ
على أسلاكٍ
وأرصفة
بحذاءٍ ذائبٍ
بخطوةٍ متردِّدَةٍ دائمًا
العتبةُ تبتعدُ
المفتاحُ روحي
والفأسُ
على كَتِفِ معطفي
ورقةٌ صفراءُ عالقةٌ
الغابةُ السعيدةُ
حينَ نغنِّي
كأنَّها بالغريزةِ أمٌّ
في كُلِّ مرَّةٍ
نفوزُ بغفرانِها
*
بقلوبِنا ترتقُ أثوابَها
القمرُ رُقْعَةٌ قليلةٌ
أحذيةُ الأملِ بينَ الأقدامِ
ثلجٌ بلا مغفرة
من أهدابِنا السهرُ الذي
على الخرائبِ يهيلُ هالاتِهِ
يُلْهِمُ الصَبَّارَ أزهارَنا الصفراء
التبغُ في اللفائفِ
أطفالُ الطينِ الزائدِ
أسمالُنا
من الكاحلِ حتَّى استدارةِ الكتفيْن
مومياواتٌ بابتساماتٍ واسعةٍ
كائناتٌ غامضةٌ
من نسلِ الكَتَّانِ
*
لشارعِنا أسماءٌ كثيرةٌ كالحُبِّ
في حكاياتٍ تتشابهُ وتختلفُ
مَعَ بصماتِ أصابعِنا
لكُلِّ عاشقٍ أشواكُهُ
والعطرُ الذي إلى أعماقِهِ يعيدُهُ
مثلَ منامٍ طويل
كما لو دائرة
الوردةُ عينُها
ميدانٌ حولَهُ ندورُ
عشَّاقٌ تلملمُ أشلاءَهُمْ المواعيدُ
وداعاتٌ دامعةٌ على ناصيةٍ من جليدٍ
قصرٌ مسكونٌ بعناكبَ مرعوبةٍ
وعَبَدَةِ شياطين
عاليًا ترفرفُ الملائكةُ
حيثُ لا ستائرَ أو أعلام
*
سمكتانِ كفيفتانِ
صفصافةٌ صغيرةٌ عصاها
يضحكُ النهرُ سائلاً
كتمساحٍ مسحورٍ
عن التفاصيلِ الشائكةِ نغضُّ الأسئلةَ
لئلاَّ نمسَّ هالتَها بأشواكٍ
لتزدادَ فوقَ الأكتافِ شموخًا
فيما هياكلُنا تنحني
أكثرَ ممَّا تحتملُ المفاصلُ
دُفْعَةً واحدةً ندلقُ دموعَنا
دونَ أن نجرؤَ مَرَّةً
على مصارعةِ الأفعى في ملاكِها
القواربُ لنقتربَ قليلاً
من أجلِ أن تكونَ لنا أمًّا
نحتضنُ الدُّمَى بقوَّةٍ
نُدْمِيها
*
على غُصْنٍ أخيرٍ
ملاءةٌ مُلَطَّخَةٌ بالخرابِ
الملامحُ مُوحِلَةٌ
المرآةُ تكذبُ
غيمةٌ من غُبارٍ
الغابةُ التي كانت بيتًا وبراحًا
أشجارُها أصابعُ فَحْمٍ
طيورٌ في طينِها تتخبَّطُ
متطابقةً كطلقاتٍ
توقظُهُ ضحكاتُنا
حولَ معصمِهِ ساعةٌ معطَّلَةٌ
بُقْعَةٌ قديمةٌ
قلبُهُ العاشقُ
على وَقْعِ طبولٍ
تتساقطُ أسنانٌ
كأنَّهُ على ثلجٍ ينثرُ
رمادَ ابتساماتِهِ
كفنٌ يعجزُ عن اعتيادِ القسوةِ في قطنِهِ
*
بأزهارٍ قُزَحِيَّةٍ في المحاجرِ
بابتساماتٍ تحتَ المظلاَّتِ سوداء
صورةٌ جماعيَّةٌ كمقبرة
قبلَ الضلوعِ تفتَّتَتِ الأسنانُ
الأفواهُ بيوتُ نَمْلٍ
كلماتٌ مُتَسَوِّسَة
لكَثَرَةِ ما تساقطَتْ ثمارٌ وثلوجٌ
لفرطِ السُّكَّرِ في ترابِنا
*
بطعمِ طينِنا الكلامُ
كهوفٌ كالحةٌ
من حفريَّاتِ كآبتِنا
كأنَّنا صوتُ الترابِ الذي لا يُذْكَرُ
صراخُنا خُطى الآخرينَ
كتابتُنا ناقصةٌ
أقلُّ من قطرةٍ أيُّها النهرُ
أشدُّ قسوةً من المشارطِ أصابعُنا
كُلُّ ما رسمناهُ لمحةٌ
لونٌ وحيدٌ كحجرٍ
ثلجٌ
كُلَّما علوْنا بضحكةٍ
بأسنانِهِ أعادَنا إلى أرضِنا
*
ليست من ثلجٍ
وإن كانَ البَرْدُ
على سطحِها يُبكينا
الطيورُ حولَها
الحرائقُ في الأحشاءِ
ليست من قَشٍّ
كأنَّها كُرَةٌ من الكريستال
أرى الموتى أسماكًا
في استدارةِ كَفَّيَ
تُفَّاحةٌ تقضمُنا
هذه الأرضُ
*
لو قلمُ رصاصٍ
لكَتَبَتْ بدِقَّةِ طلقةٍ
لو فرشاةٌ
لرسمَتْ أشياءً تشبهُها
شارعٌ بضفيرةٍ طويلةٍ
أشجارٌ إثرَ فراشاتٍ
عُشَّاقٌ متعانقونَ في الشبابيك
أحصنةٌ من الحلوى
عرائسُ سُكَّر
إزميلٌ ينحتُ بملامحِكَ وحدتَهُ
يدي التي ليست حجرًا
لو ورقةٌ
لمَزَّقْتُها
*
بمعادلةِ عِطْرٍ وأشواكٍ
الوردةُ لوهلةِ وجودِها
بنباحٍ يبرزُ الأنيابَ
كلابُ الشوارعِ الخائفة
العصافيرُ
لهشاشتِها، لدهائها
بالتواطُؤِ مع الهواءِ
بعنادِهِمْ العُصاةُ
بولائها الملائكةُ
بوجوهٍ كثيرةٍ المرآةُ المُهَشَّمَة
المومساتُ بضحكاتٍ ملوَّنةٍ
بأغنيةٍ بلا غايةٍ
العازفُ الغافي تحتَ غطاءِ جيتارِهِ
للأشجارِ جذورٌ
شَعْرُها الأعشاشُ
للسحبِ ينابيعٌ
فرصةُ سماءٍ
المقاعدُ بظهورٍ
الأسرَّةُ بأسرارِنا
بسكاكينِهِ الكلامُ
ماذا عن الثلجِ يا إلهي؟
*
بعصفورٍ دائمًا
بوِسْعِ المراوحِ الورقيَّةِ
دهشةُ العينيْن
ذاتَ نافذةٍ على مدينةٍ يرجمُها الثلجُ
بكَفٍّ على كَتِفٍ مرتبكةٍ بجناح
على الجدرانِ العاريةِ ظلالُ أصابع
في رسومِ فنجانٍ
كأنَّ روحي كتابُ أطفال
كأنَّني أطيرُ
أسقطُ
اللوحةُ فارغةٌ
اللحظةُ عصفور
*
بنصفِ أزرارِهِ الذهبيَّةِ
مَعَ مياهِ النهرِ فوقَ رُكْبَتِي
بكُمَّيْنِ متآكليْنِ بالعَثِّ
بثلجِ النفتالين الذائبِ
في الطينِ تركتُها تلعبُ
القصرُ الشاهقُ بارتفاعِ كتفي
الشارعُ جِلْدُ ثعبانٍ
دمعتي أفقٌ
دُمْيَةٌ عندَ القدميْنِ تبكي
المدينةُ التي كانت في المرايا ضحكتَنا
طالتِ الشجرةُ
ليالي الشتاءِ الشاحبةُ
أيَّتُها الأرضُ البيضاءُ
طالَنا الزمنُ
*
بحنوِّ كمانٍ على كَتِفٍ
قمرٌ يكادُ يسقطُ خلفي
بلا أوتارٍ ترتفعُ السماواتُ
صوتُ الرصاصِ لا يكفي
لتتكسَّرَ مَعَ الكمنجاتِ كواكبُنا
عزفٌ خافتٌ
الطائرُ الذي حَلَّقَ منذُ قليلٍ
على الحافَّةِ الجارحةِ نفسِها
بينَ أسنانِ البَرْدِ كسيجارةٍ
عروقٌ مقطوعةٌ
وقتٌ يسيلُ
"مُغْلَقٌ"
القلبُ الذي كانَ مقهى
ضيوفُنا الجميلونَ
كم تأخَّرَتْ خطوتُكُمْ
*
بالأمسِ فقط
كانَ الملاكُ بينَ ذراعيَّ
لو هوى في رمادِ عيْني نجمٌ
لتمنَّيْتُ أن نكونَ سوانا
ليلٌ برموشٍ معدنيَّةٍ
ظلالٌ بمعاولِها
بعضُهُمْ يحفرُ الآبارَ
الآخرونَ قبورًا
دفءُ الدُّمَى لم يَدُمْ طويلاً في الأحضانِ
شالٌ لئلاَّ يطيرَ شَعْري وحيدًا كغرابٍ
قميصٌ ناصعٌ كي تبقى ياقةُ الروحِ مرفوعةً
قدمانِ حافيتانِ
لتمرَّ بلا أسئلةٍ
ولأنَّ الرُقْعَةَ لا تَتَّسِعُ لخاسريْنِ
شارعٌ بخطوتي يتدلَّى
كربطةِ حذاءٍ
*
دونَ عداوةٍ
بلا عتابٍ حتَّى
العتبةُ خلفي
العالمُ واسعٌ
أقلُّ من أن يكونَ نِدِّي
الشارعُ الذي تحنيهِ الشاحناتُ كرمشٍ
وتنتعلُ دموعَهُ
أقدامُ العابرين
*
كُوفيَّةٌ على كَتِفِ كُرسي
بذراعِهِ حقيبةٌ تتدلَّى
فارغةً مثلَ قلبٍ بلا كراكيب
فوقَ الطاولةِ أوراقٌ
محفظةٌ مفتوحةٌ
مفتاحٌ معقوف
المشجبُ عارٍ
معطفُ دموعِنا
دُمْيَةٌ على سجَّادةٍ عتيقة
الحذاءُ عندَ العتبةِ
خلعَ خلفَ البابِ خطوتَهُ
نفضَ الغبارَ والثلجَ
أوهامَ الطريق
الأشياءُ أماكنُها
مرآةٌ مرتَّبةٌ
الروحُ أصْلٌ وصورة
*
الصوتُ والصدأ
عصافيرُ البكاءِ على أسلاكٍ شائكةٍ
القطاراتُ القديمةُ
دمعُ المحطَّاتِ
قسوتُنا
أنْصِتُ
التفاصيلُ جارحةٌ
رصاصةٌ في رأسي
يليها النومُ الناصعُ
*
جبهةٌ تجاعيدُها الضجرُ
حاجبانِ مُلْتَصِقان كذُبابةٍ بلَوْحِ زجاج
وجهٌ برِقَّةِ ورقةٍ
كأنَّني قصيدةٌ بخَطِّ يدِكْ
داخلَ رأسي ثلجٌ كثيرٌ وقتلى
أجهلُ الأسماءَ
النسيانُ كتابٌ لا يكتملُ
كقطعةٍ من قطيفةٍ بيضاء
مشهدٌ لا يشبهُني
تَهُمُّ بالتقاطي عظامٌ
النافذةُ مُحْكَمَةٌ من الجهتيْنِ
وسطَ الأشباحِ الغائمةِ غرابٌ
يخلعُ معطفَهُ
يرقصُ
راسمًا بينَ أصابعِ ظِلِّي
مفتاحَ حياه
*
ما من آخرينَ
هي ظلالُنا
تكسو العالمَ العاري
تضيءُ النصفَ المعتمَ من محبَّتِنا
ترسمُ الوجوهَ جميلةً
بعيونٍ تَتَّسِعُ
فقط لترانا
*
وجهٌ وسطَ وسادةٍ
ملاءةٌ كأنَّها من ورقٍ
سقفٌ عارٍ
كامرأةٍ
على مَرْمَى مرآةْ
مثلُ وحيدِ قَرْنٍ بينَ أقرانِهِ
هذا الحزنُ الكثيرُ
لو أنَّ الأيامَ بيننا
لاقتربْنا وابتعدْنا كأرجوحةٍ
لأعادَتْنا لعبةُ البكاءِ أطفالاً
لصنعتُ للصغيرةِ رجلَ ثلجٍ
بلمسةٍ من قسوتِنا يذوبُ
بحيرةُ بجعٍ من طينِكَ الناصعِ
لدموعي ألفةُ الطبشورِ
أرسمُ طيورًا
تعلو وتعودُ
حولَ أناملي خيوطٌ
الأرضُ منطادٌ يبتعدُ
*
في قَعْرِ المرآةِ
لسماءٍ أدَرْتُ ظهري
هل تسامحُني النجومُ؟
لم أعُدْ ملاكًا
أجنحتي لطيورٍ
لستُ بالقساوةِ التي أُظْهِرُها
الظِلُّ يبالغُ
كمصباحٍ وسطَ عاصفةٍ أعبرُ
مستنقعٌ قارسٌ
التماسيحُ حولي تحومُ
ملامحي في السُّحُبِ
في حضني وجهُنا الذي سقطَ دونَ دويٍّ
قطعةٌ معدنيَّةٌ على قناعٍ استقرَّتْ
أغرقُ لأقتربَ
مَنْ سِواكَ؟
*
لأنَّ الكتابةَ لا تكفي
لأنَّ العمرَ أقصرُ من عناقٍ
لأنَّ الصدقَ مِقْصَلَةٌ
لأنَّكَ الكاذبُ الأكبرُ
لأنَّ الطاووسَ لا يطيرُ
لأنَّ الخطوةَ تسحقُنا
لأنَّ العالمَ لُعْبَةٌ
لأنَّني طفلةٌ لا تكبرُ
لأنَّ "الأشياءَ الظاهرةَ في المرآةِ
"تبدو أبعدَ ممَّا هي عليهِ في الواقع
لأنَّها مربطُ الفَرَسِ
أسطورةَ الشجرةِ والظلِّ
لأنَّ قصورَكَ من قشٍّ
شارعَنا عودُ رمادٍ
لأنَّ الكُحْلَ يكابرُ
فيما رموشي تنهمرُ
لأنَّ السماءَ سحابةٌ
سقطَتْ من تلقاءِ يأسِها
لأنَّ الهاويةَ لا تنتهي
لأنَّ القسوةَ بلا قاعٍ
لأنَّ أخطائي طيورٌ
لم تعلِّمْني ندمًا
لأنَّ طريقَ العودةِ
مضى في طريقِهِ من دوني
وليسَ في عظامٍ منخورةٍ بالخوف
ما يُغْرِي عصفورًا أو حطَّابًا
في بئرٍ أختبئُ
في رئتيَّ غيمٌ كثيرٌ
*
لعصافيرِ الأسفلتِ
لنجومٍ مُنَمْنَمَةٍ في رصيفٍ
لمقاهٍ من الماضي وأصدقاء
تشهدُ الشوارعُ أنَّني على روحي مشيتُ
لئلاَّ أمسَّ حجرًا بحذاءٍ
أو أوقظَ وحوشَ الوَحْلِ
أحببتُ وسامحتُ
الجُرْحُ تجاوزْتُهُ جسرًا
الجُثَّةُ في عُلْبَةٍ صغيرةٍ
كدُمْيَةٍ بينَ ألعابي
نسيتُ
ثُمَّ تذكَّرْتُ
ثُمَّ أهالَني من كُلِّ الجهاتِ ثلجٌ
ناقمًا ينهالُ
على دمعةٍ في رماد
*
كأنَّما لمحةٌ في حُلُمٍ
تلكَ السنواتُ السوداء
سنونواتُ محبَّتِنا
الحكايةُ التي انكسرَتْ كبلّورةٍ بينَ أصابعي
المشوارُ الذي انفرطَ في مسبحةٍ
الركبةُ الراكعةُ
رَمْلُ قدميْكَ
جناحٌ لِطَيِّ المسافةِ
شجرةٌ لطردِ الأشباحِ
ثلجٌ بحوافٍّ جارحةٍ
مرآةٌ داميةٌ
لِعِمْقِ ما نَحَرْتُ روحي
بلا خوفٍ
أقذفُ حصاةَ قلبي
دمعتي دائرةٌ تتسِّعُ
*
ما رَسَمَتْهُ بأوصالِها العصافيرُ
في وَحْلٍ
في سبيلِ وردةٍ
كتابتي
أصواتُنا التي من صلصالِها
ملامحُ المرايا
استدارةُ الأرضِ
صفاءُ النهرِ والأغنيات
إلى أين
أيَّتُها الثعالبُ اللاهثة؟
بلا يقينٍ
تتدلَّى أيقونةُ القمرِ
دونَ وصولٍ أو أصدقاء
الشوارعُ والثلوجُ
بأسئلةٍ سامَّةٍ
مَعَ ألسنةِ الثعابينِ
كقُبَّعاتٍ في عاصفة
صفحاتُنا والقصورُ
بُقْعَةٌ صغيرةٌ
ما كانَ على الكوكبِ مكانُنا
في غيمٍ أسافرُ
بلا حقيبةٍ أو حسرة
بيتي على حصاني
حصاني في روحي
.بوَّابةُ العالمِ تقترب
يسقطُ الثلجُ
ما من بدايةٍ بيضاء
*
ليسَ الأسَى
النافذةُ جُرْحُ جدارٍ
البابُ مرآةٌ مُغْلَقَة
تعلمينَ
في العَثْرَةِ حجرٌ يُرْشِدُنا
على جانبي الأيسر
حافَّةُ السريرِ والعالم
الحائطُ وجهٌ قريبٌ
أقسو كي لا يكسرَني حناني
أيُّهُما القفصُ؟
مَنْ مِنَّا العصفورُ؟
ومِنْ أينَ يأتي العابرونَ لعُقَدِنا
بهذا الكرهِ الراسخِ للأقنعةِ والستائر؟
جماجمُ الأيائلِ
بقرونٍ ناعمةٍ تضيءُ
قمصانٌ داميةٌ
أرواحُنا المُعَلَّقَة
صفحةٌ من كتابٍ بلا كتابة
صرخةُ بئرٍ إزاءَ الصحراء
بغيرِ غيمةٍ واحدةٍ
دونما كوكبٍ على كَتِف
مجرَّدُ سقفٍ
ممحاةُ أفق
مَرَّ اللصوصُ، القَتَلَةُ
أطفالُ الورقِ البَرْدِي من حولي
لو أنَّ أحْبارَهُمْ دَمٌ
لو أنَّ الدُّمَى تنمو قليلاً
أعدُّ في خيالي الخِرافَ ولا أغفو
النومُ استراحةُ الظلِّ
*
بأغصانٍ غائرةٍ في الغيمِ
بنُسْغٍ غامضٍ عَنِ الرُّسْغَيْنِ يسيلُ
إلى نسيانٍ أتسلَّلُ
السَهْمُ في روحي
لا أثرَ لملاكٍ أو رُماة
السلالمُ خطواتٌ مُقَفَّاةٌ
ثقوبٌ لا تُرَقِّعُها موسيقى
هامدًا يهبطُ الثلجُ
لشجرةٍ في شارعٍ
وجهي وأوراقي
أنهاريَ المهدورةُ لِرَمْلٍ
وحيدةٌ على أقدامِها
المقاعدُ التي خَلَّفَها العازفونَ
وحدَها الفزَّاعاتُ
بظلالِها حَفِظَتِ اللحنَ
واحْتَفَظَتْ بقُبَّعاتِنا القديمة
*
الإشارةُ المُعَطَّلَةُ منذُ الأزل
الشرطيُّ الأسمرُ القليلُ
جِذْعانِ على رصيفٍ ذائبٍ
جارتُهُ بنايةٌ صفراءُ
بيتٌ
في طابقِها الخامسِ والأخيرِ
لا يُغادرني
كغيمةٍ عالقةٍ بشَعْرِ صفصافةٍ
بجدرانٍ شاحبةٍ
بلا شبابيك
بشرفةٍ رطبةٍ نحوَ ظِلِّي تميلُ
على حبلِ الغسيلِ
شبحُ قميصٍ
ألَوِّحُ
يذكرُ الذراعَ
يذرفُ مِلْقَطًا
كَفِّي أرجوحةُ عصفور
*
كُلَّما ابتعدتُ
أعادتْني الكوابيسُ
كتبتُها
كما كان الوعدُ
البترُ لا يُجدي
حزنٌ بكثافةِ حاجبيْنِ مَعْقُودَيْنِ
عينانِ مُغْمَضَتانِ على غُصَّةٍ
نصفُ ابتسامةٍ
طَوْقُ ذراعٍ
أقواسٌ بأقطابِها أقاومُ
جاذبيَّةَ فوهةٍ سوداء
انكسرتُ مرَّةً
انكسرتُ مرَّتيْن
كُلُّ موتٍ يتكرَّرُ
كُلُّ الطُرُق تؤدِّي إلى صلاح سالم
*
القصرُ المائلُ
في زاويةٍ من الزمنِ المائلِ
بسُورِهِ المَسْنُونِ
بسَرْوِهِ الأزرق
بأسرارِ سنواتٍ مَضَتْ
وأماتتْنا في مناماتِها
برموشِ الشمعِ الأسودِ
أشْعِلُ مرآةً
البوَّابةُ القاتمةُ ذاتُها
قضبانُها الكثيفةُ
القُفْلُ اليتيمُ
قسوتُكَ التي لم تَكُنْ يومًا أُمِّي
سقيفةٌ مُمَوَّجَةٌ بأسماءٍ منسيَّةٍ
ممَرَّانِ ضَيِّقانِ كعينيكَ في الضَّحِك
أعشابٌ ضئيلةٌ بينَ الأضلاعِ
حولَ أقدامِ القناديلِ
حفيفٌ جارحٌ لتمثاليْنِ من النحاسِ الأحمر
حارسا أرجوحةٍ بحبلٍ وحيدٍ
لحنٌ من جوفِ الزجاجِ
ينبضُ
يئنُّ
يؤلمُني
ليسَ الظمأ
كانَ عليَّ أن أتخبَّطَ في جدرانٍ عاليةٍ وأوثان
كي أكسرَ ذلكَ القَيْدَ
كانَ على الحصونِ أن تموتَ صغيرةً
في براعمِها
وعلى بيوتِنا والتوابيت
أن تكونَ خفيفةَ الظِلِّ أليفةً
بدفءِ عُلَبِ الكبريتِ
كُنَّا أطفالَها
هذه الحديقةُ الساحرة
أمراءٌ بطاعةِ الخواتمِ
حُرَّاسُ بئرٍ وسكونٍ
أكتافُنا بالكواكبِ تتهدَّلُ
عصافيرُ الصوفِ نياشينُ معاطفِنا
واطئةً تطيرُ الوطاويطُ
بينَ أرجلِنا في الجذورِ
*
أغْمِضُ لأرى
بأهدابي
أعيدُ حياكةَ الحكاياتِ
رسالةٌ على هاتفٍ قديمٍ
شمسٌ شائكةٌ
جسرٌ
نفقٌ
نافذة
البابُ العملاقُ
على عجلٍ أغلقُهُ
جمجمتي جيتارٌ
لمبةٌ جاحظة
ما يدفعُكَ نحوَ الألم
برفقٍ يدعوني إليهِ
ما الذي بوِسْعي أن أقولَهُ
سوى أنَّ الأعداءَ كانوا أكثرَ عَدْلاً
*
كمقعديْنِ متعاكسيْنِ في قطارٍ
ظهرُكَ المستقيمُ إلى قَوْسٍ مُقَصَّبٍ بفقراتي
عُمْلَةٌ لا يتواجهُ وجهاها
لأنَّكَ الملكُ
تمحوني الكتابةُ
ميزانٌ مائلٌ تحتَ بُرْجٍ ظالمٍ يجمعُنا
على أطلالِنا يستطيلُ ظِلٌّ
شجرةٌ مجروحةٌ يحنيها الحنانُ
أصابعُ القدميْنِ المُزْرقَّةُ
الخَدَرُ الخافتُ والخوف
كأنَّني كسلي
خطوتي تُفَّاحَةٌ اسْتَرَدَّتْها الأرضُ
*
كيُتْمٍ في تلويحةِ كفٍّ
كانتِ التيجانُ على حذائي تتناثرُ
ثلجًا ينهالُ بكثافةِ الكُحْلِ
قِطَعَ سماءٍ قاطعةَ طريقٍ
في اتِّجاهيْهِ المجهوليْنِ أركضُ
أركلُ الملائكةَ وكُلَّ ما بيننا
بينَ يديَّ أغصانٌ مقطوعةٌ
تُبْكيني الأشجارُ كُلَّما تذكَّرْتُ
أظفارَ الحديقةِ ظافرةً بظلِّي
معطفًا عالقًا بدبابيسِ دموعِها
ملكةُ ليلٍ تضحكُ في انعكاسِ
قطرةٍ أخيرةٍ من الكأسِ
*
بينَ نَحْرٍ وصَدْرٍ جَرَتْ دموعي
نهرَني النهرُ لأنَّني بكيتُ
ثُمَّ أسْرَعَ نَحْوَ السورِ يتوسَّلُ
بعددِ الخُطَى كانتِ الأخطاءُ
سامحيني
سبعَ سنواتٍ بينَ ساقٍ وسبيلٍ
أصِلُ الليلَ بالنهارِ ولا أصِلُ
براءتي خاتمٌ في بئرٍ
قدمي في صوتِكَ
السماواتُ تمرُّ
لو كنتُ أعلمُ
إلى أيِّ خرابٍ ستقودُنا الطُّرُقُ
لما قَطَعْتُها
لَقَطَعْتُ قبلَ أعناقِها شراييني
*
بكِسْرَةِ فَحْمٍ أرسمُهُ
سريريَ العابرَ مثلَ نَوْمِ نهارٍ في مرسمِك
لمَّا دثَّرْتَني بظلٍّ
فغفوتُ كذبيحةٍ عندَ ركبتيكَ
كانتِ الجدرانُ حولَنا من كُتُبٍ
رائحةُ الألوانِ نافذة
أن تبقى أهدابي مَعَ شمسِ الستائرِ مُسْدَلَةً
كانَ الحلمُ
*
في الحُلُمِ المُحَصَّنِ بألفِ رُمْحٍ
آخذًا ملامحَ حُرَّاسي
سيِّدي ووالدي
اليتيمةُ قبلَ ميلادِها أُمِّي
الحائمونَ حولَ حَدَقَةِ البئرِ بقميصي
أصدقائي الثعالبُ
القُسَاةُ الذينَ بنسيانِهِمْ أتسلَّى
على طَرْفِ جناحِهِ وردةٌ
في قبضتي سكِّين
أقتربُ
أشباحٌ كانت أشيائي
دُمْيَتي المُدَلاَّةُ
الشارعُ المُمْتَدُّ من فيءِ رموشِها إلى شرفتِك
تلكَ الدموعُ المُتلألئةُ مثلَ ماساتٍ سوداء على أسفلتٍ شائبٍ
الذي
كنصلٍ بينَ غيمةٍ وغروبٍ
مثلُ فاصلةٍ فِصامُها تفريقُ رصاصتيْنِ
يستحيلُ إنسانًا كانَ حبيبي
قُرْبَ أمكنةٍ نَأَتْ بناياتُها
تفاصيلَ امَّحَتْ
ويُصِرُّ على ألوانِها الثلجُ
من يدي الناعسةِ
من تعاستي الساهمةِ في سقفٍ
من شِباكِ العناكبِ في كوابيسي
يأخذُني
حنانُكَ
*
لأجلِكَ الجسرُ والعبورُ
من قالَ إنَّ الظلالَ لا تلتفتُ إلى الوراء؟
مظلَّةٌ مطليَّةٌ بالوَهَنْ
طَعْمُ غيمٍ
كنَّاسٌ مكسورٌ
بأوراقِها تتساقطُ الكلماتُ
الشجرةُ ذاتُ الشَّعْرِ الأحمر
الغابةُ التي غافلتْنا وغابَتْ
القصرُ المصلوبُ بينَ رصيفيْنِ كتقاطعٍ
ثُمَّ كغروبٍ مباغتٍ
صرخةُ مالك الحزين
صلاح سالم يُصْغي
نظَّارةٌ سوداء
كتفانِ بنجومٍ كثيرةٍ
في صدأ نياشينِهِ
ما يضيءُ خسائرَنا
ما لم تَقُلْهُ الوردةُ
في وَحْلِها تُدْرِكُهُ الدموعُ
*
ما حاجةُ السُّحُبِ إلى لمسةٍ من طين؟
ما حيلةُ زهرةٍ قبلَ الأصابعِ تَفْنَى؟
الخواتمُ للعابرينَ
خذ يدي
لأنَّني من دُخانٍ
أُفْلِتُ كُلَّ خيطٍ وأطيرُ
لأنَّكَ في المرآةِ كأسٌ
كُلُّ نسمةٍ سكِّين
السائرونَ إلى نسيانٍ
يضلِّلونَ الضوءَ بظلالِهِمْ
في ظلامِنا راقصةٌ حافيةٌ
خطوتُها خلخالُ دَمٍ
المقابرُ القريبةُ
الجبلُ الواطئٌ كنسرٍ
العُمْرُ الشاردُ في إشارةٍ مَمْحُوَّةٍ
قدمانِ من رماد
*
محطَّةُ باصاتٍ مهترئةٌ
مصباحٌ لا يصلحُ مشنقةً لحذائي
محبَّتُنا أوْدَعْتُها النهرَ
ضعفي في نقطةٍ
للمَرْسَى أسبابُهُ
النوارسُ للنسيانِ
مراكبُنا من ورقٍ
العالمُ لا يحتملُ دمعةً
يبعثرُني الثلجُ
كُلُّ ذلكَ القُرْب
كُلُّ هذا الألم
أسوارٌ عاريةٌ
أبوابٌ تئنُّ
أخشابُها اشتاقَتْ
أمَّاتُها في الغابةِ
أشجارٌ بأذرعةٍ كثيرةٍ تلوِّحُ
شبحٌ يَلُوحُ ويمَّحي
أعقابُ سجائرِنا علاماتُ سَيْرٍ
صلاح سالم شاعرٌ وحيد
*
حتَّى الأطفال لا يفعلونَها
كُلُّ ما أملكُ رَهْنُ حِضْنٍ من رمالٍ متحرِّكة
في الوَحْلِ حتَّى الركبتيْنِ
شَعْرِي يتطايرُ ويشيبُ
بينَ التماسيحِ التي تضحكُ
مَعَ التماسيحِ التي تبكي
نرجسةُ انعكاسي جمجمةٌ
يدايَ قطعتانِ مِنَ الورقِ البَرْدِي
في كُلِّ شارعٍ كنتُ نهرًا
كُلُّ نهرٍ ظِلُّ مدينةٍ وسماء
لو أنَّ المرآةَ بيضاءُ الثلجِ
ألامسُ نسمةً
تغادرُني الغربانُ
*
بلا سقفٍ كانَ الأذَى
والعابثونَ بأعضائي مَعَ الذُّبابِ يتكاثرونَ
جرذانًا تجذبُها رائحةُ الهزائمِ
في رُقْعَةِ قمرٍ عثروا على جثتي
قُرْبَ حُفْرَةٍ حديثةٍ في الجليدِ
بلا بوصلةٍ
دونَما حبالٍ
مومياءٌ مُنَمْنَمَةٌ في شرنقةِ أصابعي
وردةٌ من الدانتيل الأسود
ترقِّعُ ثقبًا في الجانبِ الأيسرِ من صدريَ العاري
أسقطُ
ما من قاعٍ لأرتطمَ
أظفارُهُمْ تسلبُني السماءَ
لو أنَّ للجماجمِ أجفانًا
*
لا رأفةَ في أرواحِهِمْ
أؤلئكَ الذينَ أوْصَدُوا على صوتيَ الرجاءَ
صفقةُ نَصْلٍ على أصابع
إبرةٌ بلا خيطٍ في البؤبؤِ المفتوحِ
لخناجرِهِمْ أدَرْتُ صرختي خدًّا
بالقوَّةِ تظاهرتُ
للحظاتٍ بالإيمانِ
ثُمَّ انْحَنَيْتُ لأستنجدَ بجذوري
لتفضحَني ورقةٌ
لم تتمالك موتَها
*
بخنجرٍ أحفرُ
خارطةُ كَفِّي من طينٍ
كثيرةٌ هي الكلماتُ التي أبكتْني وكفكفتُها
الخوفُ
بخطوطِهِ المتداخلةِ
نجمةٌ حولَ نَدْبَةٍ
هلالُ خاتمٍ مخدوعٍ
عُرْوَةُ قاربٍ موثوقٍ
بشجرةٍ تعتمُ الوقتَ
في ثنيةِ حَرْقٍ قديمٍ
ثلجٌ كثيفٌ
عصفورٌ بصورتِهِ مزهوٌّ
في زُرْقَةِ عِرْقٍ نافرٍ
حيثُ يتقاطعُ غريبانِ
الخسرانُ أصابعي الخمس
بحنانِ من حَلُمَ
شرياني نَحْتٌ لشارعٍ
كشكُ السجائرِ في ركنِهِ
متجرُ الألعابِ المُتْرِبُ
مكتبتي، كهولتي المبكرة
المقهى المُطِلُّ على ميدانٍ يسيِّجُهُ الأطفالُ
المُجاوِرُ لمدرسةٍ
نسيتُ اسمَها
مع أنَّني كطعنةٍ أذكرُ
طعمَ الصدأ في حروفِ يافطتِها
اليدُ المُنْقِذَةُ
تلكَ الخُرافة
راحتي لوحةٌ لديدانٍ
روحي عَرَبَةُ روبابكيا
*
واصطفانيَ الصمتُ لأكونَ رهانَهُ الأخير
الحصاةُ للنهرِ
الليلُ للذئبِ
العُشْبُ للحِمْلان
قرطُ الموسيقى
لأذُنٍ مقطوعةٍ
ساعةُ اليدِ القديمةُ
لساعي البريد
الدرَّاجةُ لأنَّ الوقتَ يمرُّ
طواحينُ الهواءِ
لأنَّ الأزهارَ إلى زوال
الحربُ
ليموتَ بعضُنا
نجومُ السماءِ بأسْرِها
لعاشقيْنِ في قاربْ
*
لِهَوْلِ صرخةٍ على جسرٍ
ينثني تمثالٌ
مَعَ جذعِهِ المُثْقَلِ بفُضُلاتِ عصافير
يَغْمَقُّ الوجهُ الحجريُّ للغروبِ
غرابٌ عن كتفِهِ يسقطُ
غيمةٌ تفقدُ اتِّزانَها
المارَّةُ في معاطفِهِمْ بلا خجلٍ
بخطواتٍ لا يختلفُ لبُرْهَةٍ إيقاعُها العابرُ
لولا أنَّهُمْ أصغرُ من دموعي المنهمرةِ على النهرِ
لأطلقْتُ حُكْمًا قاسيًا
ثُمَّ كمحراثِ ثلجٍ
لدفعتُ الضِفَّةَ البائسةَ
بعيدًا عن ضحكتي
*
الريحُ كَعْبُها العالي
الروحُ كَعْبٌ مكسورٌ
كسحابةٍ وسطَ السيَّاراتِ المُسْرِعَةِ
حولَ عينيها أحمرُ الشفاهِ
عاريةٌ بجناحيْنِ ناهديْنِ
عاهرةٌ لولا أنَّها تُشْبِهُ أمَّهاتِنا
هيكلُ عظامٍ على الأسفلتِ يتهاوى
تصرخُ
المسَّاحاتُ تمحوها
تركضُ
عجلاتُنا عمياءُ
نصفُ مجنونةٍ
نصفُ جنيَّة
دمعتانِ على المِقْوَدِ
شمسٌ واطئةٌ
هالةٌ تُوأدُ في تجويفةِ كتفِها
بشجرةٍ
بشبابيكٍ تتشابهُ
هاربًا يتراجعُ الشارعُ
شالاً يطيرُ من فُتْحَةِ نافذةٍ ويطولُ
المرأةُ المُطَرَّزَةُ بخيطٍ يربطُنا تختفي
في طيَّاتِ طرفِهِ النائي
*
الشوارعُ الفرعيَّةُ
الشوارعُ الخلفيَّةُ
ثُمَّ الشوارعُ المرسومةُ بأحبارٍ سريَّةٍ
بحدائقِها المُعَلَّقَةِ بحبالِ مشانقِنا
من قسوتِهِمْ
عَلَتْ بأسوارِها هذه القصورُ
الجبالُ الجائرةُ والجوارحُ
السلالمُ لأنَّنا نجوعُ
السكاكينُ لأنَّ الكلامَ يجرحُنا
دمعتُنا الأرضُ
بعضُ ظلالِنا السماواتُ
برطوبةِ الطَمْي تحتَ قناعٍ
بأبراجِهِ الثلجيَّةِ يرفعُنا الألمُ
أكثرُ هشاشةً من هيكلٍ عظميٍّ لعصفورٍ
لو رعشةُ هُدْبٍ
ننكسرُ
*
مَعَ أسنانِنا تلمعُ
تقويمًا لضحكاتٍ في اتِّجاهِ الضوءِ تميلُ
بأحجارِ قلوبِهِمْ سُنَّتِ الحوافُّ
تحتَ وساداتِنا
بينَ الرسائلِ والوساوسِ
جوارحُ بحجمِ الجيبِ
في بطانةِ معاطفِنا الطائرة
أكثرُ من هلالٍ
في الثلوجِ السوداءْ
بشراسةِ أسماكِ القرشِ
رائحةُ الدَّمِ تسحلُها
بلا وزنٍ
بلمعانِ الزئبقِ بينَ أصابعِنا
على الطُّرُقِ قانيةٌ
مُلْقاةٌ على عجلٍ
لأنينِها
نديرُ ظهورَها وظلالَنا
*
مُثْقَلِينَ بأخطائهِمْ
بأجنحةٍ مُضْحِكَةٍ لا تتجاوزُ العتبات
لا ترعبُنا عَتَمَةٌ أو أشباحٌ
بعماءٍ نتبعُ ظلالَنا
الطُّرُقُ البعيدةُ
على ضفافٍ تضحكُ
كطيورٍ نافقةٍ
تهوي قلوبُنا
شوارعٌ عاريةٌ
مَوْشُومَةٌ بالجماجمِ
آباءٌ بقسوةِ الشتاءِ
العالمُ والمَعْنَى
ألعابٌ مكسورةٌ
مثلَ بيتِنا نعرفُ العدم
*
الضحكُ بلا ضغائن
بعيدًا عن أسبابِهِ البكاء
ألعابُ العدمِ بينَ ضِفَّتَيْنِ
الموتُ مثلَنا يتعبُ
على قارعةِ طريقٍ
سُحُبٌ وسيَّاراتٌ
أشجارٌ سريعةُ الظلالِ
غافيًا يُفْلِتُ أقدارَها
قصورُنا في جيوبِنا
في قلوبِنا قراصنةٌ بأسنانِ ذهبٍ ذائبةٍ
مفاتيحُ الأبوابِ التي
كلوحاتٍ على جدرانٍ
نجمةٌ ناجيةٌ
على جليدِ أصواتِنا عصافير
الثلجُ في الطُّرُقاتِ
طفلٌ يلهو بممحاة
*
من الوَحْلِ حياةٌ
وحوشٌ تؤنسُ في الليلِ أرواحَنا
غيلانٌ بأحضانٍ دافئةٍ
لا نكادُ نألفُها
حتَّى في غيمٍ تختفي
أوهامًا صغيرةً
من صلصالِ أصابعِنا
*
كوردةِ وَحْلٍ تتفتَّحُ
إبتسامةٌ سمراء
وجهٌ كأنَّهُ الأبد
أجنحةٌ بكَثْرَةِ الثلجِ
شرنقةٌ فارغة
بعيدًا عن الدُّودَةِ أرفرفُ
مدينةٌ مُحَنَّطَةٌ
رئةٌ ترسَّبَ في بئرِها السُّعالُ
شوارعٌ متداخلةٌ
قصورٌ صغيرةٌ
ملوكٌ على شُرُفاتِ الضجر
مومياءٌ تعبرُ المرآةَ عاريةً
إلاَّ من ورقةِ جوكر
وغَمْزَةٍ بلا مَغْزَى
*
بلا حقائب
بتذاكرِ سينما منسيَّةٍ في الجيوبِ
أجنحةٌ مُعَطَّلَةٌ
أعلامٌ عارية
أيَّتُها الأرضُ الرمضاءُ
أطاحَتْ بنجومِنا الخماسينُ
رَمْلٌ ناصعٌ يتربُ الأهدابَ الطويلةَ
خطوةً خطوة تتقدَّمُنا الظلالُ
ما من أفقٍ لنقترب
الليالي بيضاءُ
طائراتٌ تُقْلِعُ
أُخرى تحطُّ
هديرُها غبارٌ لا تغامرُ باجتيازِهِ جرادة
على الجانبيْنِ المُشجَّريْنِ بأشباحٍ
محطَّاتُ بنزين
المصابيحُ مائلةٌ
ولاَّعاتُنا ملوَّنة
بينَ النورِ والنارِ
شارعٌ يمتدُّ كتنهيدةِ تنِّين
*
بعضُ ما مَضَى
كُلُّ ما كانَ
ضحكاتُنا التي لم تَدُمْ أطولَ من الثلجِ
على رُخامٍ نُلْقي عباءاتِ ظلالِنا
نظرةً أخيرةً على الأنهارِ إثرَنا
كُنَّا أشجارًا تتسلَّقُها السناجبُ
قلوبُنا حبَّاتُ بُنْدُق
البنادقُ على أكتافِنا باردةٌ
عيونُنا الوسيعةُ أعشاشُ عصافير
أذرعتُنا لِيُعَلِّقَ الغرباءُ معاطفَهُمْ
على أغصانٍ عودةَ الربيعِ
بعبورِنا عُراةً
تستيقظُ الحدائقُ النائمةُ
على إيقاعِ أقدامِنا
نبضُ الأرضِ ينتظمُ
أجسادُنا التي جاعَتْ كذئابٍ في غابةٍ من غربانٍ
وليمةُ الديدانِ
ابتسامةُ العدمِ الواعظة
قبورٌ أنيقةٌ
تليقُ بعظامِنا
من شواهدِها الأساطيرُ
الأبطالُ الذينَ لا تشبهُنا تماثيلُهُمْ
حكاياتُ الأطفالِ لحينٍ
أسماءُ الشوارعِ التي على أسفلتِها يتسكَّعُ
كسائحٍ بلا كاميرا
ترابُ خطواتِنا
*
دونما بلبلةٍ تنتحرُ الأشجارُ
فلتكفَّ عن صراخِها
العصافيرُ الناجيةُ
على أسلاكٍ
وأرصفة
بحذاءٍ ذائبٍ
بخطوةٍ متردِّدَةٍ دائمًا
العتبةُ تبتعدُ
المفتاحُ روحي
والفأسُ
على كَتِفِ معطفي
ورقةٌ صفراءُ عالقةٌ
الغابةُ السعيدةُ
حينَ نغنِّي
كأنَّها بالغريزةِ أمٌّ
في كُلِّ مرَّةٍ
نفوزُ بغفرانِها
*
بقلوبِنا ترتقُ أثوابَها
القمرُ رُقْعَةٌ قليلةٌ
أحذيةُ الأملِ بينَ الأقدامِ
ثلجٌ بلا مغفرة
من أهدابِنا السهرُ الذي
على الخرائبِ يهيلُ هالاتِهِ
يُلْهِمُ الصَبَّارَ أزهارَنا الصفراء
التبغُ في اللفائفِ
أطفالُ الطينِ الزائدِ
أسمالُنا
من الكاحلِ حتَّى استدارةِ الكتفيْن
مومياواتٌ بابتساماتٍ واسعةٍ
كائناتٌ غامضةٌ
من نسلِ الكَتَّانِ
*
لشارعِنا أسماءٌ كثيرةٌ كالحُبِّ
في حكاياتٍ تتشابهُ وتختلفُ
مَعَ بصماتِ أصابعِنا
لكُلِّ عاشقٍ أشواكُهُ
والعطرُ الذي إلى أعماقِهِ يعيدُهُ
مثلَ منامٍ طويل
كما لو دائرة
الوردةُ عينُها
ميدانٌ حولَهُ ندورُ
عشَّاقٌ تلملمُ أشلاءَهُمْ المواعيدُ
وداعاتٌ دامعةٌ على ناصيةٍ من جليدٍ
قصرٌ مسكونٌ بعناكبَ مرعوبةٍ
وعَبَدَةِ شياطين
عاليًا ترفرفُ الملائكةُ
حيثُ لا ستائرَ أو أعلام
*
سمكتانِ كفيفتانِ
صفصافةٌ صغيرةٌ عصاها
يضحكُ النهرُ سائلاً
كتمساحٍ مسحورٍ
عن التفاصيلِ الشائكةِ نغضُّ الأسئلةَ
لئلاَّ نمسَّ هالتَها بأشواكٍ
لتزدادَ فوقَ الأكتافِ شموخًا
فيما هياكلُنا تنحني
أكثرَ ممَّا تحتملُ المفاصلُ
دُفْعَةً واحدةً ندلقُ دموعَنا
دونَ أن نجرؤَ مَرَّةً
على مصارعةِ الأفعى في ملاكِها
القواربُ لنقتربَ قليلاً
من أجلِ أن تكونَ لنا أمًّا
نحتضنُ الدُّمَى بقوَّةٍ
نُدْمِيها
*
على غُصْنٍ أخيرٍ
ملاءةٌ مُلَطَّخَةٌ بالخرابِ
الملامحُ مُوحِلَةٌ
المرآةُ تكذبُ
غيمةٌ من غُبارٍ
الغابةُ التي كانت بيتًا وبراحًا
أشجارُها أصابعُ فَحْمٍ
طيورٌ في طينِها تتخبَّطُ
متطابقةً كطلقاتٍ
توقظُهُ ضحكاتُنا
حولَ معصمِهِ ساعةٌ معطَّلَةٌ
بُقْعَةٌ قديمةٌ
قلبُهُ العاشقُ
على وَقْعِ طبولٍ
تتساقطُ أسنانٌ
كأنَّهُ على ثلجٍ ينثرُ
رمادَ ابتساماتِهِ
كفنٌ يعجزُ عن اعتيادِ القسوةِ في قطنِهِ
*
بأزهارٍ قُزَحِيَّةٍ في المحاجرِ
بابتساماتٍ تحتَ المظلاَّتِ سوداء
صورةٌ جماعيَّةٌ كمقبرة
قبلَ الضلوعِ تفتَّتَتِ الأسنانُ
الأفواهُ بيوتُ نَمْلٍ
كلماتٌ مُتَسَوِّسَة
لكَثَرَةِ ما تساقطَتْ ثمارٌ وثلوجٌ
لفرطِ السُّكَّرِ في ترابِنا
*
بطعمِ طينِنا الكلامُ
كهوفٌ كالحةٌ
من حفريَّاتِ كآبتِنا
كأنَّنا صوتُ الترابِ الذي لا يُذْكَرُ
صراخُنا خُطى الآخرينَ
كتابتُنا ناقصةٌ
أقلُّ من قطرةٍ أيُّها النهرُ
أشدُّ قسوةً من المشارطِ أصابعُنا
كُلُّ ما رسمناهُ لمحةٌ
لونٌ وحيدٌ كحجرٍ
ثلجٌ
كُلَّما علوْنا بضحكةٍ
بأسنانِهِ أعادَنا إلى أرضِنا
*
ليست من ثلجٍ
وإن كانَ البَرْدُ
على سطحِها يُبكينا
الطيورُ حولَها
الحرائقُ في الأحشاءِ
ليست من قَشٍّ
كأنَّها كُرَةٌ من الكريستال
أرى الموتى أسماكًا
في استدارةِ كَفَّيَ
تُفَّاحةٌ تقضمُنا
هذه الأرضُ
*
لو قلمُ رصاصٍ
لكَتَبَتْ بدِقَّةِ طلقةٍ
لو فرشاةٌ
لرسمَتْ أشياءً تشبهُها
شارعٌ بضفيرةٍ طويلةٍ
أشجارٌ إثرَ فراشاتٍ
عُشَّاقٌ متعانقونَ في الشبابيك
أحصنةٌ من الحلوى
عرائسُ سُكَّر
إزميلٌ ينحتُ بملامحِكَ وحدتَهُ
يدي التي ليست حجرًا
لو ورقةٌ
لمَزَّقْتُها
*
بمعادلةِ عِطْرٍ وأشواكٍ
الوردةُ لوهلةِ وجودِها
بنباحٍ يبرزُ الأنيابَ
كلابُ الشوارعِ الخائفة
العصافيرُ
لهشاشتِها، لدهائها
بالتواطُؤِ مع الهواءِ
بعنادِهِمْ العُصاةُ
بولائها الملائكةُ
بوجوهٍ كثيرةٍ المرآةُ المُهَشَّمَة
المومساتُ بضحكاتٍ ملوَّنةٍ
بأغنيةٍ بلا غايةٍ
العازفُ الغافي تحتَ غطاءِ جيتارِهِ
للأشجارِ جذورٌ
شَعْرُها الأعشاشُ
للسحبِ ينابيعٌ
فرصةُ سماءٍ
المقاعدُ بظهورٍ
الأسرَّةُ بأسرارِنا
بسكاكينِهِ الكلامُ
ماذا عن الثلجِ يا إلهي؟
*
بعصفورٍ دائمًا
بوِسْعِ المراوحِ الورقيَّةِ
دهشةُ العينيْن
ذاتَ نافذةٍ على مدينةٍ يرجمُها الثلجُ
بكَفٍّ على كَتِفٍ مرتبكةٍ بجناح
على الجدرانِ العاريةِ ظلالُ أصابع
في رسومِ فنجانٍ
كأنَّ روحي كتابُ أطفال
كأنَّني أطيرُ
أسقطُ
اللوحةُ فارغةٌ
اللحظةُ عصفور
*
بنصفِ أزرارِهِ الذهبيَّةِ
مَعَ مياهِ النهرِ فوقَ رُكْبَتِي
بكُمَّيْنِ متآكليْنِ بالعَثِّ
بثلجِ النفتالين الذائبِ
في الطينِ تركتُها تلعبُ
القصرُ الشاهقُ بارتفاعِ كتفي
الشارعُ جِلْدُ ثعبانٍ
دمعتي أفقٌ
دُمْيَةٌ عندَ القدميْنِ تبكي
المدينةُ التي كانت في المرايا ضحكتَنا
طالتِ الشجرةُ
ليالي الشتاءِ الشاحبةُ
أيَّتُها الأرضُ البيضاءُ
طالَنا الزمنُ
*
بحنوِّ كمانٍ على كَتِفٍ
قمرٌ يكادُ يسقطُ خلفي
بلا أوتارٍ ترتفعُ السماواتُ
صوتُ الرصاصِ لا يكفي
لتتكسَّرَ مَعَ الكمنجاتِ كواكبُنا
عزفٌ خافتٌ
الطائرُ الذي حَلَّقَ منذُ قليلٍ
على الحافَّةِ الجارحةِ نفسِها
بينَ أسنانِ البَرْدِ كسيجارةٍ
عروقٌ مقطوعةٌ
وقتٌ يسيلُ
"مُغْلَقٌ"
القلبُ الذي كانَ مقهى
ضيوفُنا الجميلونَ
كم تأخَّرَتْ خطوتُكُمْ
*
بالأمسِ فقط
كانَ الملاكُ بينَ ذراعيَّ
لو هوى في رمادِ عيْني نجمٌ
لتمنَّيْتُ أن نكونَ سوانا
ليلٌ برموشٍ معدنيَّةٍ
ظلالٌ بمعاولِها
بعضُهُمْ يحفرُ الآبارَ
الآخرونَ قبورًا
دفءُ الدُّمَى لم يَدُمْ طويلاً في الأحضانِ
شالٌ لئلاَّ يطيرَ شَعْري وحيدًا كغرابٍ
قميصٌ ناصعٌ كي تبقى ياقةُ الروحِ مرفوعةً
قدمانِ حافيتانِ
لتمرَّ بلا أسئلةٍ
ولأنَّ الرُقْعَةَ لا تَتَّسِعُ لخاسريْنِ
شارعٌ بخطوتي يتدلَّى
كربطةِ حذاءٍ
*
دونَ عداوةٍ
بلا عتابٍ حتَّى
العتبةُ خلفي
العالمُ واسعٌ
أقلُّ من أن يكونَ نِدِّي
الشارعُ الذي تحنيهِ الشاحناتُ كرمشٍ
وتنتعلُ دموعَهُ
أقدامُ العابرين
*
كُوفيَّةٌ على كَتِفِ كُرسي
بذراعِهِ حقيبةٌ تتدلَّى
فارغةً مثلَ قلبٍ بلا كراكيب
فوقَ الطاولةِ أوراقٌ
محفظةٌ مفتوحةٌ
مفتاحٌ معقوف
المشجبُ عارٍ
معطفُ دموعِنا
دُمْيَةٌ على سجَّادةٍ عتيقة
الحذاءُ عندَ العتبةِ
خلعَ خلفَ البابِ خطوتَهُ
نفضَ الغبارَ والثلجَ
أوهامَ الطريق
الأشياءُ أماكنُها
مرآةٌ مرتَّبةٌ
الروحُ أصْلٌ وصورة
*
الصوتُ والصدأ
عصافيرُ البكاءِ على أسلاكٍ شائكةٍ
القطاراتُ القديمةُ
دمعُ المحطَّاتِ
قسوتُنا
أنْصِتُ
التفاصيلُ جارحةٌ
رصاصةٌ في رأسي
يليها النومُ الناصعُ
*
جبهةٌ تجاعيدُها الضجرُ
حاجبانِ مُلْتَصِقان كذُبابةٍ بلَوْحِ زجاج
وجهٌ برِقَّةِ ورقةٍ
كأنَّني قصيدةٌ بخَطِّ يدِكْ
داخلَ رأسي ثلجٌ كثيرٌ وقتلى
أجهلُ الأسماءَ
النسيانُ كتابٌ لا يكتملُ
كقطعةٍ من قطيفةٍ بيضاء
مشهدٌ لا يشبهُني
تَهُمُّ بالتقاطي عظامٌ
النافذةُ مُحْكَمَةٌ من الجهتيْنِ
وسطَ الأشباحِ الغائمةِ غرابٌ
يخلعُ معطفَهُ
يرقصُ
راسمًا بينَ أصابعِ ظِلِّي
مفتاحَ حياه
*
ما من آخرينَ
هي ظلالُنا
تكسو العالمَ العاري
تضيءُ النصفَ المعتمَ من محبَّتِنا
ترسمُ الوجوهَ جميلةً
بعيونٍ تَتَّسِعُ
فقط لترانا
*
وجهٌ وسطَ وسادةٍ
ملاءةٌ كأنَّها من ورقٍ
سقفٌ عارٍ
كامرأةٍ
على مَرْمَى مرآةْ
مثلُ وحيدِ قَرْنٍ بينَ أقرانِهِ
هذا الحزنُ الكثيرُ
لو أنَّ الأيامَ بيننا
لاقتربْنا وابتعدْنا كأرجوحةٍ
لأعادَتْنا لعبةُ البكاءِ أطفالاً
لصنعتُ للصغيرةِ رجلَ ثلجٍ
بلمسةٍ من قسوتِنا يذوبُ
بحيرةُ بجعٍ من طينِكَ الناصعِ
لدموعي ألفةُ الطبشورِ
أرسمُ طيورًا
تعلو وتعودُ
حولَ أناملي خيوطٌ
الأرضُ منطادٌ يبتعدُ
*
في قَعْرِ المرآةِ
لسماءٍ أدَرْتُ ظهري
هل تسامحُني النجومُ؟
لم أعُدْ ملاكًا
أجنحتي لطيورٍ
لستُ بالقساوةِ التي أُظْهِرُها
الظِلُّ يبالغُ
كمصباحٍ وسطَ عاصفةٍ أعبرُ
مستنقعٌ قارسٌ
التماسيحُ حولي تحومُ
ملامحي في السُّحُبِ
في حضني وجهُنا الذي سقطَ دونَ دويٍّ
قطعةٌ معدنيَّةٌ على قناعٍ استقرَّتْ
أغرقُ لأقتربَ
مَنْ سِواكَ؟
*
لأنَّ الكتابةَ لا تكفي
لأنَّ العمرَ أقصرُ من عناقٍ
لأنَّ الصدقَ مِقْصَلَةٌ
لأنَّكَ الكاذبُ الأكبرُ
لأنَّ الطاووسَ لا يطيرُ
لأنَّ الخطوةَ تسحقُنا
لأنَّ العالمَ لُعْبَةٌ
لأنَّني طفلةٌ لا تكبرُ
لأنَّ "الأشياءَ الظاهرةَ في المرآةِ
"تبدو أبعدَ ممَّا هي عليهِ في الواقع
لأنَّها مربطُ الفَرَسِ
أسطورةَ الشجرةِ والظلِّ
لأنَّ قصورَكَ من قشٍّ
شارعَنا عودُ رمادٍ
لأنَّ الكُحْلَ يكابرُ
فيما رموشي تنهمرُ
لأنَّ السماءَ سحابةٌ
سقطَتْ من تلقاءِ يأسِها
لأنَّ الهاويةَ لا تنتهي
لأنَّ القسوةَ بلا قاعٍ
لأنَّ أخطائي طيورٌ
لم تعلِّمْني ندمًا
لأنَّ طريقَ العودةِ
مضى في طريقِهِ من دوني
وليسَ في عظامٍ منخورةٍ بالخوف
ما يُغْرِي عصفورًا أو حطَّابًا
في بئرٍ أختبئُ
في رئتيَّ غيمٌ كثيرٌ
*
لعصافيرِ الأسفلتِ
لنجومٍ مُنَمْنَمَةٍ في رصيفٍ
لمقاهٍ من الماضي وأصدقاء
تشهدُ الشوارعُ أنَّني على روحي مشيتُ
لئلاَّ أمسَّ حجرًا بحذاءٍ
أو أوقظَ وحوشَ الوَحْلِ
أحببتُ وسامحتُ
الجُرْحُ تجاوزْتُهُ جسرًا
الجُثَّةُ في عُلْبَةٍ صغيرةٍ
كدُمْيَةٍ بينَ ألعابي
نسيتُ
ثُمَّ تذكَّرْتُ
ثُمَّ أهالَني من كُلِّ الجهاتِ ثلجٌ
ناقمًا ينهالُ
على دمعةٍ في رماد
*
كأنَّما لمحةٌ في حُلُمٍ
تلكَ السنواتُ السوداء
سنونواتُ محبَّتِنا
الحكايةُ التي انكسرَتْ كبلّورةٍ بينَ أصابعي
المشوارُ الذي انفرطَ في مسبحةٍ
الركبةُ الراكعةُ
رَمْلُ قدميْكَ
جناحٌ لِطَيِّ المسافةِ
شجرةٌ لطردِ الأشباحِ
ثلجٌ بحوافٍّ جارحةٍ
مرآةٌ داميةٌ
لِعِمْقِ ما نَحَرْتُ روحي
بلا خوفٍ
أقذفُ حصاةَ قلبي
دمعتي دائرةٌ تتسِّعُ
*
ما رَسَمَتْهُ بأوصالِها العصافيرُ
في وَحْلٍ
في سبيلِ وردةٍ
كتابتي
أصواتُنا التي من صلصالِها
ملامحُ المرايا
استدارةُ الأرضِ
صفاءُ النهرِ والأغنيات
إلى أين
أيَّتُها الثعالبُ اللاهثة؟
بلا يقينٍ
تتدلَّى أيقونةُ القمرِ
دونَ وصولٍ أو أصدقاء
الشوارعُ والثلوجُ
بأسئلةٍ سامَّةٍ
مَعَ ألسنةِ الثعابينِ
كقُبَّعاتٍ في عاصفة
صفحاتُنا والقصورُ
بُقْعَةٌ صغيرةٌ
ما كانَ على الكوكبِ مكانُنا
في غيمٍ أسافرُ
بلا حقيبةٍ أو حسرة
بيتي على حصاني
حصاني في روحي
.بوَّابةُ العالمِ تقترب