.القاهرة، صيف 2007
.مختارات صدرت ضمن سلسلة "آفاق عربيّة" عن الهيئة العامّة لقصور الثقافة في مصر
.تصميم الغلاف: أحمد اللبّاد
.تصميم الغلاف: أحمد اللبّاد
عصفور المقهى
(1994)
مكانُكَ في المقهى
.ليسَ خاليًا
بعد رحيلك
جاءَ عصفورٌ
.وجلسَ في ركنِك
أتأمَّلُهُ
من بعيد
،مثلما كنتُ أتأمَّلُك
وهو يدخِّنُ سيجارتَهُ
ويشردُ بعينيهِ التائهتيْن
.في الدخان
مخبأ الملائكة
(1995)
هربًا
من زمانِ القُبْح
تختبئُ الملائكةُ
.في عينيك
جرح
كنتَ تلملمُ أشياءَكَ
المبعثرةَ في حجرةِ الفندق
وتجمعُها
في حقيبةِ سفرِك
:حينَ أردتُ أن أسألَك
هل لديكَ"
مكانٌ
يتّسعُ
"لشيءٍ صغير؟
لكنّكَ كنتَ تشكو
من كَثْرَةِ أشيائكَ
.ومن صِغَرِ الحقيبة
وردة الموت
في الوردةِ التي
تنبتُ من قلبِ التراب
.عطرُ موتانا
عدل
الليلُ عادلٌ
لا يفرِّقُ
بينَ بحرٍ
،وسماء
بينَ عصفورٍ غريبٍ عن الشرفةِ
.وإنسانٍ غريبٍ عن البلاد
الليلُ عادلٌ
.في االسواد
ليست أنا
في الصورةِ المعلَّقةِ على الجدار
طفلةٌ تشبهني
ولولا أنَّها تبتسمُ
.لظننتُها صورتي
إسم
ناديْتَني باسمي
...فأحببتُه
الموت الأخير
ثمَّةَ أشياءٌ
.لا نعتادُها
نموتُ
كُلَّ ليلةٍ
مؤقّتًا
لكنّ موتنا الأخير
يفجعُنا
.دائمًا
لا أشبه أحدًا
(1996)
لي خلف المجرَّات إخوة
وعلى الأرض أصدقاء
تُؤَرْجحُني
في فضاءٍ
كملاكٍ
لَهُ
خلفَ المجرّاتِ
إخوةٌ
وعلى الأرضِ
.أصدقاء
أغنيةُ آخرِ المساءِ وأوّلِ الليلِ
تهزّ
في الروحِ
أغصانًا
تطيّرُ الموتَ
.تطربُ الصمت
ضَحِكُ الأصحابِ
يقودني لبكاءٍ منسيّ
لأدراجٍ مغلقةٍ على أطفالٍ
يشعلونَ دموعَهُمْ
.ليستأنسوا
الدخانُ
وطنٌ
في الخلاءِ
.يتلاشى
الجرحُ
قمرٌ برتقاليٌّ
تشعلُهُ الجمرةُ
.ليتجلّى
الماءُ يضحكُ
.وحيدًا في القاع
الأصحابُ
يضحكونَ
عاليًا
.يلامسونَ الفرح
الفوانيسُ
والنباتاتُ
مُدلّاةٌ من السقفِ
.ظلاًّ لجنّةٍ بعيدة
أيقوناتُ الغربةِ
مُدلّاةٌ من جبيني
ضوءًا
لعتمةٍ
.صرفتُ في سوادِها طفولتي
بكاءُ النهرِ خَفَتَ
.يبدو أنّ الأسماكَ نامت
الريحُ
.ما زالت تهدهدُنا
.هل نغفو؟
أرجوحة النعاس
نَمْ
كملاكٍ
كموسيقى خافتةٍ
.كقُبْلَةِ بحر
حبيبي
.أيقونتي المكسورة
لأجلِكَ
يداي
،كتابٌ لحكايا الأطفالِ
صوتي
.فانوس
نَمْ
عميقًا
.كأرقي
أرى مقهى حميمًا
كصَدَفَةٍ
.وسطَ مُحيط
أرى أطفال
يصنعونَ
من قصائدِنا
.زوارقَ دمع
أرى أجنحتَهُمْ
تلامسُ سطحَ بكائنا
ترتعشُ
.تهوي
أرى العالمَ
.حجرةً زرقاء
هل ترى
ما أرى؟
العالمُ
يبدأُ من أهدابي
وعندَ شاطئيكَ
.ينتهي
هل تراني
في المرايا
أحبُّكَ
وأهذي؟
نَمْ
كرغبةٍ قديمةٍ
كمدينةٍ
.على هُدْبِ إله
أرجوحةُ النعاسِ
.لا تتّسعُ لاثنين
الغريبة
حملتُ
نعشَ طفولتي
على كتفي
ومشيتُ
.في جنازةِ أحلامي
تبعني أطفالٌ
عصافيرُ
ظلّي
رافضًا أن يكونَ
ظلاًّ
.لطفلةٍ ميّتة
حملتُ النعشَ الصغيرَ
ومشيتُ
قابلتُ قلوبًا أعرفُها
،وجوهًا لا أذكرُها
مشيتُ
.لم يعرفني أحد
الفجرُ الشاحبُ
يشبهني
النهرُ الأخضرُ
يشبهُ ذبولَ عينيك
جرحُ الشمسِ
في الشروقِ
.لا يشبهُ أحدا
تتشابهُ حقائبُ السفر
التذاكرُ
المطاراتُ
وليالي الوحدةِ
.في ظلِّ قمرٍ غريب
تتشابهُ بطاقاتُ الأصدقاء
أمطارُ الشتاء
المقاهي
المتاجرُ
وجوهُ الناسِ
.في الزحام
وحدي أنا الغريبةُ
.لا أشبهُ أحدا
مأساة المهرّج
الآنَ فقط
أحسستُ
بمأساةِ المهرّجِ
حينَ يفرغُ دمَهُ
كاملاً
في عروقِ النكتةِ
.ولا يضحكُ أحد
شتاء
لم أكن أبكي
لكنَّ الأصحابَ
كانوا يختفونَ في عينيَّ
كأضواءِ السيّاراتِ
.تحتَ المطر
حبّ
تعثّرتُ بضوئكَ
.عثرتُ على ظلّي
جرح
طفلاً محروقَ الوجنتيْن
يهرولُ
على الجسورِ المعتمةِ
هاربًا
من الرمادِ
.إلى الدخان
دمعة
طفلةً مبتلّةَ الثوبِ
تركضُ
من ضفّةِ النهرِ
.إلى عينيَّ
جناح
سأحملُ الطيرَ الأخضرَ
على كفّي
وأمضي
لعلَّ
ينبتُ لي
.جناحًا صغيرًا
أسطورة المطر
المطرُ
على نوافذِنا
.دمعُ أطفالٍ رحلوا
في السماءِ
يفتقدونَ أمّهاتِهِمْ
حجراتِهِمْ
دفاترَهُمْ
.ويبكون
قوسُ القزحِ
فرحةُ الأطفالِ ذاتِهِمْ
وقد ربّتَ اللّهُ على أكتافِهِمْ
.وابتسم
زمن الطفولة
(إلى أبي)
خذني
من يدي الصغيرةِ
إلى مدينتِكَ
مثلما كانَ الحزنُ يأخذني
.إلى مدرستي
رُدَّني
إلى ضفيرتي
.إلى مهري البنيّ الحزين
رُدَّني
إلى صورتي القديمةِ
.في مرآتي
خذني
حيثُ للأطفالِ
قلوبٌ ملوّنةٌ
وللأحصنةِ الخشبيّةِ
.أجنحة
.رُدَّني
احتمالات مستحيلة
لو أنّ
هذا الدُبَّ القطنيَّ الحزين
،يبتسم
لو أنّ
هذه الأزهارَ الذابلةَ
،تبتسم
لو أنّ
صورتَكَ العابسةَ
فوقَ الجدارِ المعتمِ
،تبتسم
.أنامُ الليلة
أزل
ليتني كنتُ
حينما كانت أمِّي
طفلةً حزينةً
تحتاجُ إلى صديقةٍ
.في مثلِ حزنِها
ليتني كنتُ هناك
أقاسمُها وحدتَها
يتمَها
وليتني كنتُ أكبرَ منها قليل
.لأكونَ أمَّها
الخروج من اللوحة
حينَ لامَسَتْ قدماي
أرضَ واقعِها
على السجّادةِ المجاورةِ
لسريري
خطوْتُ خارجَ اللوحةِ
التي رسمتُها لعمري
ومنذُ ذلكَ الصباح
وأنا أدورُ حولَ نفسي
كنقطةِ ضوءٍ
.على جدارٍ شفيف
حيرة
هذه التعاسةُ الرماديّةُ
في عينيك
ما سرُّها؟
وماذا أستطيعُ أن أفعلَ
.كي ألوّنَها؟
ملامح
نجمةٌ
نقشَتْ
أغنيةً
.على فضّةِ البدر
جلسَتْ
قبالةَ مرآتِها
تحدّقُ
في ملامح الضوءِ الساكنِ
:تتساءلُ
.لماذا نولدُ بوجوه؟
خيانة
الليلُ
لا يتّسعُ
.لأرقي
البكاءُ
لا يتّسعُ
.لدمعي
أصدقائي
لا يتّسعونَ
.لي
وحدُهُ الموتُ
.يتّسع
شمس مؤقّتة
(1998)
0
.يُغادِرُنا المكان
.مُرَبَّعاتُ الإسمنتِ أوَّلاً، ثُمَّ المقاعِدُ في إثرِها
الفراغُ المباغتُ
.يفرضُ تأثيثَ الأرواح
1
كانَ علينا أن نكونَ أكثرَ صلابةً وبياضًا
كأنَّنا الحوائطُ التي تُكَوِّنُ الزوايا
.وتسندُ السقفَ والظلال
كانَ على أصابعِنا ألاَّ ترتعشْ
وعلى الوقتِ
أن يُمْهِلْنا قليلًا
كي نمنحَ اللحظةَ ألوانَ لوحةٍ أخرى
غيرَ البغيضةِ
.غيرَ قتامةِ ملابسِنا
2
لم نَكُنْ نشعرُ بخشونةِ البردِ
.أو بالخفافيشِ العالقةِ بصُوفِ معاطفِنا
كُنَّا نسيرُ
كالتماثيل
مقنَّعينَ بأحجارٍ من كهوفِهِمْ
.كارثةً لا تعني أحدًا سوانا
حملْنا الصناديقَ
ومشينا نَحْلُمُ
بخشبِ التوابيتِ يخضرُّ
.يعودُ أشجارًا نتسلَّقُها
بقلوبٍ صغيرةٍ خبَّأناها في الجيوبِ
كعُلَبِ سجائر مجهولةٍ لآبائنا
بخطواتٍ متهدِّجةٍ
أنهكتْها الرطوبةُ في أصواتِهِمْ
بالمسافةِ حينًا
وحينًا بالسعال
نزحنا
من وهمٍ إلى آخر
.جذوعًا تركلُ تشوُّهاتِها في غبار
من أينَ نبدأ
في مثلِ هذا الخواءِ الشاسع؟
وإلى أيِّ هاويةٍ
سيقودُنا الأسف؟
.العيونُ لاغيةٌ
.الأقدامُ أمطارٌ تتساقطُ بانتظامٍ مُدْهِش
3
لأبوابٍ أغلقْناها على خلافاتِهِمْ
سنديرُ ظهورَنا المقوّسةَ ونمضي
وحيدِينَ صوبَ اختلافِنا
كشجرٍ غادرَ غابتَهُ
سنقطعُ كُلَّ الجذورِ التي تَصِلُ ترابَهُمْ بقلوبِنا
كأنَّ الذينَ يسكنونَ الصراخَ
ليسوا آباءَنا
كأنَّنا قادرونَ على النموِّ والضحِك
بضوءٍ قليلٍ
.دونَهُمْ
4
نحنُ الآنَ أكثرَ قدرةً على استيعابِ قسوتِهِمْ
وعلى افتعالِ الحنانِ
دونَ نفورٍ
كُلَّما احتكَّ جلدُهُمْ بيُتْمِنا
وكُلَّما عبرتْنا أحضانُهُمْ
مُسْرِعَةً
كأنَّها تهابُ ظلالَنا
تذكَّرْنا الحانةَ التي احتوتْنا
وليلاً كانَ يُرَبِّتُ على أكتافِنا المتكلِّسةِ
كُلَّما أحنيْنا على الخشبِ ظهورَنا
مُثقلينَ بهم
.أجنحةً دونَ وظيفة
5
.لا غربةَ أشدَّ من أصواتِهِمْ في النزاع
شرودُنا
إذ يزحفُ نحوَ عزلتِهِ
يُطمئنُ فئرانًا تقضمُ حوافَّ النومِ
بأسنانٍ حادَّةٍ
كأصواتِهِمْ
ولأنَّ أعضاءَنا ناقصةٌ
.سيئنُّ الخشبُ في المفاصل
6
من الدخانِ
نُولَدُ
وليسَ من أرحامِ الأمهاتِ
كما أوهمتْنا العائلةُ صغارًا
لكنَّ المرايا التي تعكسُ كؤوسًا متكرِّرةً بينَ الأصابع
ضلَّلَتْ رؤوسَنا
.تلكَ المثقلة بفاكهةٍ حامضة
7
هذا الدمعُ المنسكبُ في تراب
غيرُ قادرٍ على إعادةِ الروحِ لخلايا الكلوروفيل الميِّتةِ في أوراقٍ
لم تنجُ من حريقٍ أشعلناهُ
بأعقابِ السجائر
بغروبٍ تركناهُ وحيدًا وراءَنا
دونَ قصدٍ
دونَ درايةٍ بما يعنيهِ الجحيمُ آنذاك
.ولم تغفرْهُ لنا الغابةُ-الأمّ
وإلاَّ بماذا تفسِّرونَ تعثُّرَنا
بجذورٍ قاتمةٍ
وظلالٍ تتمايلُ
كُلَّما خَطَوْنا؟
8
مغروسونَ في الحرمانِ
حتَّى أعناقِنا المتغضِّنة
ولا لذَّةَ
تحفُّ العروقَ
غير َهواءٍ قليلٍ
.تُسَرِّبُهُ الأجنحةُ العابرةُ لذبولِنا
لم نَكْبُرْ
إنَّما المدرسةُ هي التي صَغُرَتْ
بسياجِها المطوِّقِ لبراءتِنا
وأشجارِ السَّرْوِ
.والباصات
.ما كانَ لنا أن نتبعَ خطوَنا على النار
.ما كانَ لأيدينا أن تمتدَّ لتلكَ الكؤوس
9
لن نألفَ الضغينةَ التي تجمعُنا
وأقدامُنا المثبَّتةُ في دائرةٍ
لن تطأ هذه العتمةَ ثانيةً
رُبَّما، بعدَ أيامٍ قليلةٍ
نعودُ بلا شمسٍ إلى المقهى
.بلا عصافير على الحواف
10
مُعَبَّأةٌ بدخانٍ يُبدِّلُ هيئتَهُ
من جبلٍ إلى تمساح
تحدِّقُ في عزلتِنا
في مللٍ يبادلُنا ورقَ الكوتشينة
وعلبةَ الكبريت
فيما الذينَ صلبوا طاقتَنا على خشبِ النماذج
يقتلعونَ الأحلامَ التي لم تنضج
بمناجل تلمعُ
دونَ أن يغيِّروا ثيابَهُمْ
يهشِّمونَ حيواتِنا
بمدنِها الصغيرةِ
.ومقاهيها المبتلَّةِ على أرصفةٍ تتآكل
أطفالُها الذاهبونَ إلى المدرسةِ شاحبون
كما لو أنَّ قلوبَهُمْ تفحَّمَتْ في الليلِ
.لتلائمَ البيوتَ التي يعلو بعواميدها الصراخ
11
من السقفِ الذي تسندُهُ يدُ التثاؤب
لئلاَّ يهبطَ الكابوسُ المتكرِّرُ
كعنكبوتٍ
,متشابكًا بأصواتٍ تخفتُ
.تتدلَّى حبالٌ دونَ جثث
نغلقُ أهدابَنا
كما في الموتِ
كما في دخولِنا هذه الحجرة السوداء
حيثُ وسادةٌ فقدتِ النومَ
وخزانةٌ عاريةٌ
وكرسيٌّ يجلسُ في ركنٍ
.مأخوذًا بجدارٍ خامس
نعلِّقُ الشمسَ
لحظةً تعبرُ الرتابةَ دونَ مطرٍ
أو أشجارٍ
أو حيواناتٍ أليفةٍ تلعبُ معنا
مؤرجحينَ أوهامِنا على عتباتِهِمْ
صانعينَ في كُلِّ مرَّةٍ تشكيلاً مختلفًا
تحملُنا الدهشةُ التي يُلقيها
إلى ذروةِ اللذَّةِ
.لتقذفَنا فجأةً في الضجر
.الساعةُ لا تشيرُ إلى زمن
.لا ساعةَ على الجدارِ أصلاً
.فقطْ حيواناتُ قِماشٍ على الموكيت الأبيض
.هكذا، أوهمْنا السقفَ أنَّنا بلا ماضٍ
12
كُلٌّ منَّا حائطٌ
وظِلٌّ
ولوحةٌ خاصَّةٌ بحالتِهِ
يشردُ بينَ زواياها طويلاً
كأنَّ المَرْسَمَ الكامنَ في مدينةٍ لم يمر بها قطارُنا
كانَ يطلُّ علينا
.تحتَ شجرةٍ لوَّثْنا رئتيها بالسجائر
13
العازفُ الذي يستخدمُ عُلْبَةَ غيتارِهِ تابوتًا
سيقفزُ من بابِ القطارِ فجأةً
ترافقُهُ آلتُهُ الموسيقيَّةُ
.وأصواتُنا
كعادتِنا
سنهزأ بالأمرِ
.ونستمرُّ في الضحكِ والتدخين
لكنَّنا في عودتِنا من مدينةِ الملاهي
سنتذكَّرُهُ
.ونتتبَّعُ صدأ دمعاتِهِ على القضبانِ الحديديَّة
14
الهيكلُ العظميُّ في مختبرِ المدرسة
بالقبَّعةِ السوداء
نحمي جمجمتَهُ من حرارةِ اللمبةِ الفوسفوريَّة
من تسرُّبِ جنونِنا إليها
وبشيءٍ من الرهبةِ
نفتحُ الفكَّينِ المثقلينِ بالصمتِ
مُثبِّتينَ سيجارةً مُشْتَعِلَةً
لن يتذوَّقَ تبغَها
ولأنَّ طاقتَنا لا تحتملُ فكرةَ الموتِ
نُدْخِلُ سمَّاعتينِ مكانَ أذُنيهِ
ونهزُّ عظامَهُ
.مُعانقينَ عجزَهُ عن الرقصِ معنا
15
رؤوسُنا للفراغ
لطيورٍ عملاقةٍ لا تمنحُ العظامَ ريشَها
لإلهٍ صغيرٍ
ألبسناهُ معطفَ دموعِنا
.كي تصدأ في الأرواحِ المشوَّهةِ مساميرُه
بعيدًا عن أجسادِنا المُعْتَلَّةِ
بهشاشةٍ يدركُها الحطَّابونَ
وينتهزونَها فرصةً لاغتصابِنا
.يُصْنَعُ الأثاثُ وتُحْكَمُ التوابيت
من جلدِنا الورقُ
.وقصائدُ المدرسةِ والمقاهي
.نحنُ الصناديقُ والموتى بداخلها
ما يُؤَرِّقُ الغاباتِ في رؤوسِنا
كُلَّما اختبأنا-
تحتَ ملاءاتٍ ناصعةٍ
-كأسنانِ أطفالٍ مُبْتَسِمِين
افتقادُ خشبِ الأسرَّةِ لجذورِنا
أو تسرُّبُ أنفاسِنا المخمورةِ
.من شقوقٍ صغيرةٍ في إطاراتِ النوافذ
16
ما الغرابةُ
أيُّها الأصدقاء
في عصفورٍ
يعبرُ غيمةً
في سقفِ الحانةِ
ويصطدمُ بشبيهٍ
في لمعانِ المرآة؟
ما عنصرُ المفاجأةِ
في تفكُّكِ جَمْعَتِنا
وتَحَلُّلِ الشموسِ المدلاَّةِ من الأعناق
إلى سوائل حامضة
تُفْسِدُ قمصانَنا المربَّعةَ
وتُخْمِدُ سعالاً متقطِّعًا في صدورِنا؟
كُنَّا على يقينٍ
أنَّ أرصفةً متصدِّعةً كرؤوسِنا ستنبذُنا
دونَ رفاقٍ أو موسيقى
.و أنَّ أسنانَنا سيحرثُها الضحك
17
دائمًا في أمكنةٍ ضيِّقةٍ
.تُعيقُ رفرفةَ أذرعتِنا
على ظهورِ المقاعد
نسندُ تقوُّسًا وراثيًّا
.ضاعَفَتْ درجتَهُ حقائبُ المدرسةِ والسفر
ندخِّنُ الهزائمَ بشراهةٍ عضويَّةٍ
أحيانًا، نميلُ برؤوسِنا إلى الوراء
.لعلَّ الصداعَ يسقطُ بالوساوس
الأسودُ الحادُّ
وحشةٌ على الجدران
دونَ لوحاتٍ
.دونَ ظلالٍ تمرّ
لأطفالِنا الميِّتين
خِفَّةُ الملائكةِ في الأحضان
لَهُمْ جلدٌ في حنانٍ مزرقٍّ
وعيونٌ منمنمةٌ أليفةٌ
.تحدِّقُ في فجيعتِنا ولا ترانا
18
لن يصحبَنا أحدٌ إلى تلكَ الحجراتِ المخنوقةِ المتربة، حيثُ لا مفاتيحَ ضوءٍ ولا نوافذَ نواربُها. ستكونُ الأمهاتُ مشغولاتٍ بإخوتِنا، أشباهًا جارحينَ كحوافِّ المرايا. سيذرفنَ الحسرةَ دونَ انتباهٍ في الأواني، ليكونَ طعامُ العائلةِ مالحًا، مُرًّا، كالترابِ في أفواهِنا، كُلَّما ابتسمْنا لملاكٍ يعبرُ عتمتَنا ويتوارى. أمَّا الأصدقاء، فلا بُدَّ أنَّهم سيعونَ فكرةَ الموتِ مبكرًا ويرتبكونَ تجاهَ التعلُّقِ والفقد. رُبَّما يتركونَ لنا بعضَ ورداتٍ على عتباتِ أبوابٍ لن تُفْتَح. سنذهبُ وحيدينَ إذًا، ترافقُنا الأجسادُ لحينٍ، ثُمَّ تُنْسَلُ ببطءٍ خيوطًا لا تلحظُها الستائر، تمامًا كالأرواحِ التي غادرتْنا.
19
.كانَ الحنانُ أوّلَ من سقطَ منَّا
.كانَ الليلُ أطولَ من أذرعتِنا في العناق
يداك في فراغٍ
.والاستحواذُ كامنٌ في كمائنِ الاحتواء
لم تكن تلكَ المحبةُ خالصةً
المرآةُ لم تكشفْ لي أوراقًا
شجرةٌ هَوَتْ في شارعِك
.أخرجَتْني من وهمِ الغابة
هل كانَ حِضْنُكَ حقيقيًّا؟
هل أسندتُ رأسي -فعلاً- على روحٍ تنتفضُ عبرَ أنفاسِها؟
.لا أذكرُ من الحجرة ِسوى نافذةٍ بحجمِ البحرِ أغرتْني بانتحارٍ أجَّلْتُهُ لحينَ فقدانِك
.ذلكَ العطرُ ما زالَ عالقًا بالخيوطِ التي قطعتُها، ملاكًا مشنوقًا من جناحيْه
ظلُّ الطائرةِ الورقيَّةِ لا يغادرُ مساحةَ طفولتي
رغمَ أنّني أفلتُّها
.وبترتُ أصابعَ اليدِ الواحدةِ التي كنتُ أحصي بها أصدقائي
20
كنافذةٍ ملوَّنةٍ في لوحة
قِطٌّ
على حافَّتِها
رغبتُهُ صفراء
أطلُّ
ورؤوسُ الصغارِ
على غيمةٍ خشنة
.تجرحُ الأجنحةَ في عبورِها
لا معطفَ
أدسُّ في جيبِهِ وردتي
لا خواتمَ
.لا عازفَ كمانٍ على سطحِ البيتِ المجاور
.برجٌ منتصبٌ كشجرةٍ معدنيَّة
.بناياتٌ مبعثرةٌ، مطفأة
رغمَ هندسةِ الحنانِ في مُكَعَّباتِ السُّكَّر
أتفكَّكُ
عن خلفيَّةِ الرموزِ وأطفالِ الورق
عن الزجاجِ المغبرِّ في سنواتٍ دهسَتْ براءتي
مثلَ شاحناتٍ ثقيلةٍ
قوَّسَتْ جسورَ الليلِ
."بما أسمِّيهِ الآنَ "الوعي
21
.لن أذرفَ أقنعتي على الطاولةِ أمامهم
سأدلقُ براميلَ من الألوانِ والبيرة
مُوهِمَةً أصدقائي بالبهجة
.غناءً خلفَ أبوابِ الحمَّامات
من الخيوطِ و القصاصاتِ
-إذ لم أمتلك الأحجارَ في تدحرُجِها-
.سأصنعُ المشانقَ والميِّتين
لشموسٍ عديدةٍ
بستارتي لَوَّحْتُ
لراحلين
خلَّفوا سجائرَهُمْ في المنافض
.تَفْنَى من تلقاءِ نفسِها
كُلُّ ما كانَ لي
تركتُهُ على الحبالِ
القمصانُ
وتلكَ الجثثُ المزرقَّةُ
كأظفاري
كسماءٍ في الحقدِ
تمطرُ الغابةَ
.بضحكٍ حامضٍ وخذلان
كُلُّ ما حلمتُ به
خذلني
وكأنَّ قدميَّ الصغيرتينِ
.مخلوقتانِ للانزلاق
22
كجذعٍ هجرتْهُ العصافيرُ
أقفُ وحدي
أكسرُ حدَّةَ الفراغِ
بقامةٍ ضئيلةٍ
وأصدُّ الرياحَ المنهكةَ
عن ظلٍّ يتطايرُ
.ولا يلامسُ أطرافَ المطر
:كُلَّما قطعتُهُ التأم
الشريانُ الذي يَصِلُ خياناتِهِمْ بدمي
وهذه الديدانُ
كُلَّما هَوَتْ
متخمةً بفاكهتي
أعدتُها إلى الجُرْحِ
.يدًا تجدِّدُ خلايا عزلتِها
بمفتاحينِ ذهبيِّي
-هُما كُلُّ ما تبقَّى منهما-
أغلقُ عينيَّ
على الفقرِ في العلاقة
على هذيانِ المرتعدينَ من أنفاسِهِمْ
لعلِّي في الوقتِ الذي على هيئةِ نهرٍ
أسقطُ
.خشبًا على خديعة
23
.شبحًا، أخترقُ الجدار
أستلقي على آلامِ ظهري
شاردةً في السقفِ الشاهقِ
.كصرخةِ جبل
جُثَّتي مُدَلاَّةٌ
تتأرجحُ بينَ ظلالِهِمْ
طائرةً من الورقِ المقوَّى
عَلِقَتْ بجسرٍ أحدبٍ
يعبرُهُ الصبيةُ العائدونَ من مدارسِهِمْ
يجمعونَ عصافيرَ ميِّتةَ في الطرقات
يتبادلونَ الأجنحةَ
حالمينَ بفضاءٍ أكثرَ اتِّساعًا
وآباءٍ أقلَّ قسوةً
خشيةً من تآكلِ الأبوابِ
.بأحقادِ البكتيريا
قلبي فَرْدٌ
آنيةُ دمعٍ خاويةٌ
إلاَّ من عفونةِ الأزهارِ المتحلِّلةِ إلى حشراتٍ
.تتنامى على غُبارِ الكومودينو الأسود
24
بأيَّةِ يدٍ أقْفِلُ النافذة َعلى المشهد؟
.صناديقُ الموتى تزحمُ حجرتي
الأمُّ تهمسُ لعشيقِها بأسرار ِالعائلة
،صوتُها الخؤونُ يقودُني على أسلاكٍ مكشوفةٍ
وهذه الجرذانُ في الزوايا متربِّصةٌ
.تتغذَّى على ما ترسَّبَ في الدمِ من أقراصٍ مهدِّئة
.مسَّني جنون
أصابعُ المهرِّجينَ في خواتمِ الدخانِ
والحسرةُ شجرةٌ محنتُها الفقدُ
.تحدِّقُ في حذائها
هل يستمرُّ الأطفالُ الملوَّنونَ طويلاً على بياضِ الحوائط؟
من دلَّ أقدامَهُمْ على طريقٍ سلكَتْهُ الراقصةُ بعدَهُمْ؟
وكيفَ استطاعوا أن يتسلَّلوا إلى الكوابيس
دونَ أن يرجِّفوا الظلّ؟
وحيدونَ في حضنِها
رغمَ تداخلِ الأعضاءِ والشوارع
يُعانقونَ دميةً تُشْبِهُها ولا تُبادِلُهُمْ القُبَل
ولأنَّ السلالمَ لا تصعدُ
يتسلَّقونَ آثامَهُمْ
عتمةً ثنائيةَ الجنسِ
.وردًا عائمًا يرافقُ انجرافَ الجثَّة
ربما يكونُ الإدراكُ قد أتلفَ تعدُّدي
فلا أستمتعُ بالصخبِ والكؤوسِ ثابتةً
.ولا أقوى على تحمُّلِ حناني
.شخوصٌ يتكاثرونَ حولَ السرير
.يُعْتِمونَ في الغيبوبةِ مساحةَ الركض
بطلقةٍ واحدةٍ
يمكنني التخلُّصَ من كُلِّ هذه الأشباحِ في الرأس
.في أنفاسِ حجرةٍ تضيقُ وتتّسع
25
.عَبَرْت
.رأيتُ غابةً هادرة
.أعرفُ الوجوه
.لا أذكرُ أسماءَها
.ليسَ الأزرقُ لونًا أو سماءً أو بحرًا
.الأزرقُ لوحةُ طفولتي
،الأزرقُ عصفورٌ بلا شجرة
.أسماكٌ في العينين، في الرئتين، في العروق
رأيتُ قصيدتي تُغادرُني
،كالمكان)
(كمُرَبَّعاتِ الإسمنتِ والمقاعد
روحًا تحلِّقُ فوقَ الجثَّةِ
.ثُمَّ تتَّجهُ نحوَ النفق
.إنَّني الآن على الجانب الآخر
.عبرتُ حياتي حيثُ لا شيء، لا أحد، سوى هذا الفراغ الأسود
.ما من أحدٍ مغلق
26
الشوارعُ ذاتُها
بالأسماءِ التي تحملُها منذُ قرونٍ
بأشجارِها العاريةِ
.عروقًا في أعضاءِ الفراغ
عناوينُنا فقطْ
.هي التي تغيَّرَتْ
أمشي
ظلِّي آخرٌ
شأنَ أفرادِ العائلةِ
.مثلَ أصدقائي
ثمّةَ عصافيرُ من الغليسرين تنهمرُ
مطرًا خادعًا
رغمَ تدفُّقِهِ
.كالحنانِ الذي في قسوتك
27
.ليست هذه مدينتي، أعلم
الخواءُ ضيِّقٌ، ما من رفاقٍ في هذا البلدِ البعيدِ يوسِّعونَ الروحَ
.والأمكنة
أكثرَ وحدةً من جُثَّةٍ لم تألفْ عتمتَها بعد
الذينَ أخمدوا صرختي بترابٍ
.عادوا إلى منازلهم
في انتظارِهِ
.سريرٌ وامرأة
أدخِّنُ الفقدَ
رئتينِ متفحِّمتينِ تنتفضانِ بسُعالك
كي أصنعَ غيمًا يؤنسُ ظلّي
.وأجعلَ من السقفِ سماءً صغيرة
28
من أطفأَ الأباجورةَ العاليةَ في غرفتي؟
.لا بُدَّ أنَّ شبحًا يقيمُ حيثُ كانَ لي في الزاويةِ سرير
.ثمَّةَ يدٌ مجهولةٌ نزعتْ صورةَ المغنِّي عن جدارِها، وألقَتْ بخشبِ غيتارِهِ في المدفأة
.الستارةُ في الطابقِ الثالثِ من العتمةِ والريحِ تلوِّح
لعلَّها لمحَتْ يدي المعلَّقةَ في خواءٍ
.غيمةً بلا خواتم
29
الشجرةُ التي حدَّثتني عنها مرارًا
التي تُسْقِطُ أوراقَها الصفراء
كمن ينفضُ عن معطفِهِ بعضَ الغُبار
.لم تَعُدْ أمِّي
.ما عادَ الطائرُ الأزرقُ الذي تطوِّقُهُ بذراعيها يأمنُ مزاجَ حنانِها
30
هكذا أعودُ
في ساعةٍ متأخِّرةٍ من التعب
.لعلَّ الجمرَ الذي في الأعضاءِ يستحيلُ رمادًا
.أخرجُ عن سياقِ الكؤوسِ والأصدقاء
.أغادرُ الضحكَ مكانًا لا يتَّسِعُ لانسكابي
.أتبعُ الوقتَ الذي مرَّ كغريبٍ تحتَ النافذة
.لم يَعُدْ في القسوةِ ما يُدْهِش
يدي اعتادَتْ سقوطَ خواتمها
وأشباحَ المحبَّةِ
خارجةً من المناديل
.حينَ ألوِّح
هكذا
عبرَ البياضِ في أكفانٍ مرصوصةٍ خلفَ البابِ
...توطَّدَتْ علاقةُ الأصابعِ بالفراغ
.أطفالي نائمونَ في الورق
توسَّدوا الألوانَ
.ناموا
.مُحْكَمٌ بيننا الزجاجُ، لئلاَّ توقظَ أحدَهُمْ خشونةُ سعالي
.أستلقي على السريرِ الأَرِقِ بثيابي
.علبةُ السجائر في مكانِها والهاتفُ المنسيّ
أفكِّرُ في النُدْبِ الذي في خدِّها الأيمن. تلكَ المرأةُ الغامضةُ لم تُسْقِطْ كُلَّ جلودِها. ليست عاهرةً، كما صوَّرَتْ لنا ملابسُها الفاضحةُ أحيانًا وتعدُّدُ لهجاتِها. ولا أعتقدُ أنَّ المقهى المهدومَ .سيعودُ إلى ما كانَ عليهِ: قشُّ السقفِ والجدران، الحبالُ الملوَّنةُ، وتلكَ الجَمْعَةُ المفكَّكةُ رغمَ الجلساتِ التي توحِّدُنا وغابةِ النراجيل.
.أُغْمِض
.ما عادَ ممكنًا أن أستعيدَها أمًّا ليتمي
.حِضْنُها مغلقٌ. ما من مفتاحٍ للبوَّابةِ التي تخذلُ ظلِّي كُلَّما اقتربْت
31
تحتَ مطرٍ من شجرٍ في السماءِ
سأقفُ
جذعًا ميِّتًا
نحتَتْهُ
-ليصيرَ أنا-
ريحٌ
.في خشبِهِ، نفخَتْ روحَها
سيَّاراتٌ قليلةٌ ستعبرني
في ظلِّي، سيدخِّنُ صغارُ المدرسةِ
كما كُنَّا نفعلُ في الماضي تمامًا)
تحتَ تلكَ الشجرةِ الكبيرةِ
قُرْبَ البوَّابةِ الرئيسيةِ
.(والسورِ الأحمر
سأنصتُ لارتطامِ الطيورِ
على المعطفِ البلاستيكيّ
والأسفلتِ الموحش
حتَّى تُفقِدني أحماضُ الملائكةِ وجهي
ويدي
.والأرضَ التي لم تعرف بعدَ الغيابِ حذائي
32
البابُ المعدنيُّ الأخضرُ
ذو القضبانِ العديدةِ والحارسِ الأوحد
الذي كُنَّا ندخلُهُ في الصباحِ ركضًا والحقائبُ الصغيرةُ تقفزُ على ظهورِنا مثلَ ضفادع تبعتْنا من النهرِ البعيدِ
.البابُ -عتبةُ الجنَّةِ في الخروج- مغلقٌ على طفولتِنا
.يدي تحثُّني على ملامسةِ حديدٍ مبتلّ
.لا أجرؤ
33
:على الرصيفِ المقابلِ، شبحُ ذلكَ المقهى. دوريٌّ على كتفِهِ الأيمن يحدِّقُ في ظلِّي. غبارُ السنواتِ بيننا. مِنْهُ، يولدُ المكانُ ثانيةً، وتحلِّقُ عصافيرُهُ بذاكرتي البابُ الخشبيُّ الخشنُ، المتأرجحُ الستارةِ بينَ صقيعِ الشارعِ العموميّ والدخان. الطاولاتُ المستطيلةُ ذاتَ المنافض والفناجين والصحون والأيدي. الكراسي التي قوَّسَتْ ظهورَنا. الجدرانُ الصفراءُ كأسنانِنا. النادلةُ الطيّبةُ التي تعرفُنا أكثرَ من أمّهاتِنا. النافذةُ الكبيرةُ التي يتسلّلُ منها الهواءُ الباردُ وضوءٌ يُشْبِهُهُ وتلكَ العصافير الرماديَّة، هذه التي تحلِّقُ برأسي الآن.
.مروة، عالية، منى، أنا: أربعةُ حوائط هُدِمَتْ في مثلِ هذا المطر
.السقفُ موتٌ ملوَّنٌ، معلَّقٌ في الخواءِ، يظلِّلُ رأسَ الشبحِ ودهشةَ الدوريّ على الرصيفِ المقابل
34
تحتَ هذا المطر المتساقط من الأعالي
سأقفُ
جذعًا يقلُّ
.وحلاً تتكاثرُ فيه أعقاب السجائر
.لن يفتحَ البابَ الحطَّابُ الذي قطَّعَ أعضائي
لن تحطَّ على كتفي
لن تدركني
في هذا المكانِ القديمِ
.شمسُ الأصدقاء
35
.أرجِّحُ الاحتمالاتِ الطيِّبةَ لِكُلِّ السوءِ الذي حَدَث
المحبَّةُ خدعةٌ
والحنانُ مشبوهٌ
.لكنَّني -رغمَ حِدَّةِ الألم- سأستمرُّ في تصديقِ ما لا أراه
ما من يد
(1999)
نعامة صغيرة على الحبّ
.كأنَّما قلبُها علبةُ ألوان
"...أنا طائرٌ"
.كانت تردِّدُ طفلةً
هل كانَ ضروريًّا
أن تكسرَ ساقيْها مرَّتين
.كي ينتبهوا؟
شبيهةٌ بمساحيقِها
بملابسِها
بالبطاقاتِ التي تزحمُ بها حيطانَ الغرفةِ
.لئلاَّ تنامَ في البياضِ وحيدة
في الشارعِ
يتهافتُ عليها الأطفالُ
.لعلَّهُمْ ينتزعونَ من جسمِها قطعةَ حلوى
.بالخفاشتيْنِ لقَّبونا
هُمْ ذاتُهُمْ
الذينَ تغذُّوا
.عن الدمِ السائلِ من براءتِنا
جدَّتُها
في البلدِ البعيدِ
.حدَّثَتْها عن نجمةٍ تملكُها
.إرثُ الجدَّةِ تأخَّرَ كثيرًا
ما زالت تنتظرُهُ
.ما زالَ ريشُها يحلمُ بالهواء
أظفار مطليَّة بالشهوة
كانَ صباحًا داكنًا كقهوتِنا
كعينيْها الحادَّتيْنِ
.كذلكَ الغموض في القصَّة
شمسٌ سوداء في غيمِ النراجيلِ
القطَّةُ نائمةٌ
النادلُ ببابيونتِهِ المعوجَّةِ يتثاءبُ
.عندَ السياجِ الخشبيِّ غريبان
ساقان عاريتان
أظفارٌ مطليَّةٌ بالشهوةِ
.ندبٌ يجرحُ ضحكتَها
من أينَ جاءت بأسمائنا؟
كيفَ انضمَّتِ الطاولتان؟
نخونُ وعدَنا لأمَّهاتِنا
.ونأخذُ قطعَ حلوى من أشخاصٍ لا نعرفُهُمْ
تفتحُ دونَ مواربةٍ قلبَها
:بيتًا مؤثَّثًا بالبشر
الخائنٌ لأنوثتِها
أطفالٌ معوَّقونَ بأمومةٍ ناقصة
الرجلُ الذي يأكلُ نصفَ الكلام
ويقضمُ بكثيرٍ من القسوةِ تفاحتَها
المشعوذُ ذو الأرنبِ والعينينِ الزجاجيتينِ
.عجائزُ بعددِ التجاعيد
في البيتِ
تُحَفٌ من أصابعِها
نباتاتٌ
.إمرأةٌ وحيدة
كرسيٌّ من قش لا يشعلُهُ الحنين
وحيدٌ
.بقدرِ ما في البحرِ من زرقةٍ وجثث
في الرملِ يغرسُ أرجلَهُ
حالمًا بالجذورِ
ململمًا من حولِهِ الأصداف
.أصواتًا لا تخفت
."يسمُّونَهُ "الغريب
"لماذا لا يبني مثلنا القصورَ ويهدمُها؟"
لو اقتربوا من صحراءِ قلبِهِ قليلاً
لأدركوا أنَّهُ طفلٌ يشبهُهُمْ
.وسألوهُ عن اسمِه
.ألفتْهُ النوارس
.بذراعيهِ استبدلتِ المراكبَ وألسنةَ الصخر
هنا على الأقلّ
لن يرشَّها الصغارُ بالماءِ
ستشاهدُ الغروبَ
.بعينيهِ الفاضحتينِ ملحًا و أسماكًا
:كانَ من الممكن أن يكونَ آخرَ
...فزَّاعُ طيورٍ في حقلٍ ما
لكنَّ اليدَ التي صنعتْهُ
فرضت هذه الهيئة
.هذه الحياة
جلباب الدمع
تكنسُ الكوابيسَ كُلَّ فجرٍ عن عتبةِ البيتِ
تقشِّرُ قبالةَ النافذةِ بصلتيْن
.كي لا يسألَها اليمامُ عن دموعِها
بطرفِ جلبابِها
تلمِّعُ المرايا
عاجزةً عن إزالةِ حنانٍ مُترهِّلٍ
.يقرِّبُ قلبَها من التراب
ليلاً هدهدتِ الأطفالَ بحكاياتِ البحر
في جلبابِها رائحةُ الحارةِ
.ألوانُ عرائسِ الحلوى والأحصنةِ الصغيرة
.وعدتْهُمْ بفطيرةِ جُبْنٍ ساخنةٍ في الصباح
الشمسُ"
في هذه المدينةِ الكئيبةِ
باردةٌ
قاسية
"...ستكسِّرُ أسنانَنا
لا بُدَّ من حيلةٍ أخرى
.!تُخْرِجُهُمْ من دفءِ القُطنِ والأحلام
لو كانت روحُها سجَّادةً
لنفضَتْ عنها هذا الغبار
لتركتْها في الهواءِ قليلاً
...تتنفّس
الفراشة
العصافيرُ الرماديَّةُ
لا تصدِّقُ
.!أنَّها لا تستخدمُ المساحيقَ لتزيينِ جناحيْها
عصفورٌ صغيرٌ
فكَّرَ في الأمرِ طويلاً
اتَّهمَها بلبسِ المرايا
.وخداعِ العيونِ بانعكاساتِ الزهور
"!تعالَ وفتِّش خزانتي أيُّها السفيه"
صرخَتْ في وجهِ دبُّورٍ أسود
حاولَ أن يلامسَ جسدَها في مرورِهِ
.لعلَّ ألوانَها تبهتُ على معطفِهِ الداكن
بَكَتْ طويلاً
على كتفِ شجرةٍ
"!لستُ ساحرةً كما يُشيعونَ في هذه الغابة"
يومَ أحرقوها
تصاعدَ إلى السماءِ دخانٌ غامضٌ
ليستقرَّ في قلبِ الزرقةِ
قوسُ قزحٍ
.شعاعًا بسيطًا من روحِها
فزَّاع الطيور
كثيرةٌ هي أمنياتُهُ
أكثرَ من السنواتِ التي أمضاها واقفًا في هذا الخلاءِ
أكثرَ من البذورِ التي يحرسُها الهواءُ
.عبرَ جسدِهِ القليل
يحلمُ بمقعدٍ يريحُ ساقَهُ النحيلةَ
بوضعِ يدِهِ في جيبٍ
في كفِّ امرأةٍ
بغيمةٍ تستقرُّ فوقَ رأسِهِ تمامًا
بأطفالٍ طيِّبينَ يقذفونَ نحوَهُ كُرَةَ القدمِ
بينَ حينٍ وآخر
بدلاً عن الأحجارِ
بأزهارٍ قليلةٍ تنبتُ حولَهُ
ليطمئنَّ أنَّ أحدًا في العالم سيفتقدُهُ
إن سقَطَ
.بضربةِ مِنْجَل
يحلمُ بالعصافير
تلامسُهُ
دونَ خوفٍ
حتَّى إن أخذَتْ مقابلَ حنانِها العابرِ
قشَّ القبَّعةِ التي تحميهِ
في هذا الخلاءِ
.من قسوةِ الشمسِ والمطر
"طابع البريد: عصفور "ميرو
ستُصيبُها أمراضُ الأطفالِ
ويصفرُّ جلدُها
آخذًا لونَ الوردِ الذي تحبُّهُ
لونَ الصوصِ القطنيِّ النائمِ على طرفِ السرير
لونَ شَعْرِهِ
الأميرُ الذي أحبَّتْ ضحكتَهُ واختفى
في صفحةٍ أخيرةٍ
.من رواية
سيملؤها الفراغُ بفراشاتِهِ البيضاء
وتكتشفُ
كمن يرى نفسَهُ لأوَّلِ مرَّةٍ في مرآةٍ
أنَّ حياتَها لا تشبهُها
وأنَّها أساءَتْ فهمَ الغربةِ
.زمنًا طويلاً
.لا تحاولي"
لا النعناعُ ولا نصفُ الليمونةِ في ماءِ النارجيلةِ
.سيعيدانِ إليكِ طعمَ الشتاءِ الماضي
.الأغاني -أيضًا- عاجزة
فمُكِ الذي لم يبحْ سوى بنصفِ الأسرار
.عضوٌ ناقص
.لا كلامَ ولا قُبَل
."فقط ابتسامةٌ صغيرة
ستبكي
حتَّى تحوِّلُها الدموعُ
.إلى غيمة
من عرشِها الأزرقِ البعيدِ
ستراهُمْ
بأحجامِهِمْ الحقيقيَّةِ
.بلا أسفٍ أو حنين
"ستصادقُ عصفورَ "ميرو
والسمكةَ التي تغنِّي
.في مربَّعٍ من ورق
في زاويةٍ صغيرةٍ من روحِها
ستعيدُ بناءَ المقهى القديم
ستحفرُ على بابِهِ
.ضحكةً من خشبِ الورد
إلى أحلامِها
ستخرجُ
:وتعملُ بالنصيحةِ
"العسلُ وقِطَعُ السكَّر"
الشمسُ الذائبةُ في قلبٍ كبيرٍ
أيامٌ حلوةٌ
.رُبَّما
كائن اسمه الحبّ
(2001)
تضيءُ عريَها
بنجومٍ ورقيَّة
،كالتي في دفاترِ الأطفال
.بنتُ ليل
*
زهرةٌ إلكترونيَّة
:تتنهَّد
."لو يضمُّني كتاب"
*
كُلَّما حطَّ على كتفِهِ طائرٌ
،تذكَّرَ الشجرةَ التي كانَها
.مقعدٌ منسيٌّ في حديقة
*
شريطةٌ في شَعْرِ طفلة
تحلمُ
.بأن تكونَ فراشة
فراشةٌ
تحلمُ بأن تكون
.شريطةً في شَعْرِ طفلة
.طفلةٌ تحلم
*
في الدمعةِ
سمكةٌ
تذرفُ
.البحر
*
:نغمةٌ تعاتبُ الناي
"لِمَ لَمْ تتركني مع العصفور؟"
*
زجاجةٌ فارغة
.آنيةُ زهرتِه
زهرةٌ مرمية
.في كومِ قمامة
*
تعلِّمُ الرقصَ
.لقطَّتِها
خلفَ النافذةِ
:كلبٌ ينبحُ
"وأنا؟"
*
.شارعانِ، في عناقٍ، عندَ تقاطع
إشارةٌ معطَّلة
تحملقُ في المارَّة
.بعينٍ حمراء
*
.بدموعِها، تمسحُ البلاط
.تمزجُها جيِّدًا بالصابون
سيِّدةُ البيت
.لا تحتملُ غبارَ الحزن
*
خُفَّاشٌ
:يسألُ الليل
لماذا أنتَ قاسٍ، هكذا"
"يا أبي؟
*
جسرٌ قديم
:يوبِّخُ قوسَ قزح
لا تغترّ، يا ابني، بهذه الألوان"
."كنتُ أنا مثلك
*
.أذنُهُ على جدارِ الزنزانة
ينصتُ
إلى
نبضِ
عصفورٍ
رسمَهُ
.بأظفارِه
*
.فنجانٌ حزينٌ جدًّا
كيفَ لَهُ أن يحضنَها
فيما تقبِّلُهُ
ولَهُ ذراعٌ واحدة؟
*
هيكلٌ عظميٌّ
ينحتُ
،ما يتبقَّى
أسنانٌ قليلةٌ
.تبتسم
مصباح كفيف
(2002)
كوكب أحمر
.ما عادَتْ لي رغبةٌ في أرض
،بلادُ اللهِ ما عادَتْ واسعة
الأرواحُ أيضًا ضاقَتْ
.كأحذيةٍ قديمة
القارَّاتُ
القُرى
القلوبُ
.قبائلُ من القتلةِ والقتلى
الشمسُ جارحةٌ
.والليلُ، خُفَّاشًا، ينهشُ لحمَ النجوم
الجثثُ هنا
أكثرَ من الزهورِ
وساقيةُ الدم
.لا تكُفُّ عن الدوران
الروح في مصيدتها
أفترضُ فضاءً وأدخلُ
أدخلُ احتمالَ المكان
المكانُ الذي لا يتَّسعُ لشجرةٍ
لطائرٍ
.لراحةِ يد
على الكرسيِّ نفسِهِ
كلَّ ليلةٍ
.والعالمُ من أمامي عابر
الفأرةُ في كفِّي
.الروحُ في مصيدتِها
بلوحِ زجاجٍ
أبدَلْتُ حياتي
والشمسَ التي لم تدُم طويلاً
.بأيقوناتِ مريم
كُلَّ ليلةٍ
ومن الكرسيِّ ذاتِهِ
.أغادرُ جسمي وصوتي والذاكرة
أبتكرُ مخلوقاتٍ ناعمةً
تبدِّدُ رتابةَ المربَّعات
:تضيءُ في الزوايا عزلتَها
زهرةَ حائطٍ
غزالةً من عينِ الدمعِ تشربُ
.قريةً من ترابٍ وقناديل
لا أحملُ
إلاَّ عينيَّ
،لأرى
لأتلمَّسَ في الظلامِ كائناتِهِ
أشعلُ قلبي
.مصباحًا كفيفًا
إستعارات خادعة
.كُلُّ شئٍ مُستعارٌ هُنا
،الجدارُ والنافذة
،ظلالُ السقفِ
،البابُ الخادعُ بين فراغين
.إسمي ودمعةُ مِصباحِك
نافذة ما
لنفترضْ
أنَّها نافذةٌ
من خشبٍ محفورٍ
،وعصافير زُجاج
الشاشةُ الباردةُ
دمعُ نجومٍ
بينَ إسمينا
.تجمّد
لنفترضْ
أنَّها جذورٌ
هذه الأسلاكُ المُمتدَّةُ
من قلب الآلةِ
،إلى عروقِنا
وأنَّ أطرافَنا عبر المفاتيح تتشابكُ
أغصانًا
.عناقُها الأبواب
لنفترض بيتًا سقفُهُ الخلاءُ
(جدرانُهُ من جلدِنا / صمتُنا غفوةُ حارسِهِ)
وحديقةً يُسيِّجُها العشبُ
وفراشاتٍ مُرقَّعَةً بألوانِ المطر
ظلالُها نمورٌ نُفتِّتُ لأجلِها خُبزَ الأصابعِ
.والكلمات
لنفترضْ زمنًا لا يهربُ من الزمنِ
مكانًا لا يخافُ من المكان
بشرًا جميلين
طينُهُم ماءُ عيني
مذروفًا
.في غُبارِ ضحكاتِك
لنفترضْ حياةً أُخرى
خارجَ الجسدِ
وأبعدَ من الروح
ولنفترضْ
.أنَّها نافذةٌ ما
وردة الحواس
أمكنةٌ بعددِ أسمائك
والأطفالِ الذينَ يكنسونَ بضحكاتِهِم الشوارعَ
كانَ عليّ أن أهدمَها
من أجلِ بيتٍ
يسكنك
كحُبٍّ
كحياةٍ
كمثلِ حكاياتي عن حُجُراتٍ جارحةِ الجدرانِ
ومقاهٍ ذرفتني مقاعدُها
.دمعةً وحيدة
قلبي
ذلكَ المعولُ
قلبُكَ
.هذا الحجر
من أجلِ وردةِ الحواس
.كانَ لا بُدَّ من خرابٍ هائل
حيث لا ظلال
لأنَّ البياضَ مربكٌ كوطنٍ عارٍ، سأبني في هذه البقعةِ من الفراغ بيتًا صغيرًا من خشبٍ ملوّن. نافذتاهُ تحدِّقان في وجوهٍ خلف الزجاج. بابُهُ يبتسمُ. ورغم أنَّهُ لا شمسَ هنا ولا أمطار، سأجعلُ من سقفِهِ قبَّعةً تعشِّشُ بين قشَّاتِها عصافيرُ نزفت على الأسلاكِ أجنحتَها. بلمسةٍ، سأمنحُ الخلفيَّةَ حديقةً بلا سياج وأنثرُ الكلمات زهورًا تتفتَّحُ بلمسةٍ. لن أزحمَ بالأثاثِ منزلي. سأغادرُ الأشياءَ وأشباحَها إلى حيث لا ظلال.
.سعادتي في أن أقيمَ خارجَ المكان
عاشقان و تفّاحة
،لسْنا عاشقًا ومعشوقًا
وليستِ الأرضُ
يابسةً
.ومياهًا
مثلُ هذا التقسيمِ
يُحَتِّمُ شمالاً وجنوبًا
شرقًا وغربًا
ليلاً ونهارًا
كلابًا وقِططًا
قِطَطًا وعصافيرَ
عالمًا حقيقيًّا وآخرَ من وهمٍ
جبالاً تعلو بوحدتِها
.وعُزلةَ أصدافٍ في الأعماق
نحنُ عاشِقان
وعناقُنا كوكبٌ مُكتمِلٌ
.كالتُفَّاحةِ التي لا تعرفُ مكانَ خَدِّها
حنان بمرارة الحنين
من نافذةٍ صغيرةٍ، بيضاء
لإطارِها لونُ يومٍ مُهملٍ في المطر
أُطِلُّ على غربةِ يديك
بحكاياتٍ عن مشربيَّاتٍ قديمة
حفر خشبَها الهواءُ
.لوًّحتها الشمسُ بسُكَّرٍ محروق
كان ذلك في مدينةٍ سكنتني
بحاراتها
وبيوتها
.وفوانسيها الملوَّنة
:أضحكُ إذ تقولُ
لو كنتُ أعلم ُ أنَّ اليوم عيد ميلادك"
"لقدَّمتُ قلبي قطعةَ حلوى
.أبكي لأنَّ حنانَك بمرارةِ الحنين
دكّان الورد
.دُكَّانٌ في شارعٍ مهجور
،قرميدُهُ ناياتُ ريحٍ
.أقدامُهُ ملحٌ ذائبٌ في المطر
خلفَ الزجاج المُغَبَّش
أوانٍ فارغةٌ
شرائطُ غادرتْها الفراشاتُ
.مقصٌّ ملطَّخٌ بدمِ زهرة
وردةٌ معلَّقةٌ على البابِ
:تختصِرُ عناءَ الكلمات
."كُنَّا نبيعُ الوردَ، هُنا"
...
.الأرضُ بلغَتْ هاويتَها
،ما عادَتْ أمامَنا طُرُقٌ
والوقتُ الذي بحجمِ دمعةٍ
أقلَّ ممَّا نحتاجُ
كي نموتَ
.مُبتسمِين
لنتخيّل المشهد
(2004)
لنبدأ بالنهاية
(لئلاَّ نبتذلَ أشواقَهُما بالتشويق)
.عاشقان في الليل
خائفان
كدمعتين
في عينيْ طفلٍ
مثقوبِ القلب
.وردتُهُ مجروحة
معطفُهُ على كتفيها
ذراعُها حول عنقِهِ
يرتعشان
بردًا وعتمة
مثلَ ورقتيْ شجرةٍ
.شبهِ عارية
يحبُّها
وتحبُّهُ
لكنَّهُما
عندَ نهايةِ الشارعِ الطويل
.سيفترقان
انظروا إلى الرسالةِ التي
يسطعُ
طرفُها الشاحبُ
،من حقيبةِ يدِها
انظروا إلى المصابيح التي تنطفئُ
إثرَ خطواتهما
سربَ نجومٍ
.تتساقطُ أجنحتُه
سيمضي
وحيدًا
بدموعِها الساخنة
على خدِّهِ
وستختفي هي
عندَ المفرقِ
متكئةً
على ظلِّها
:وحنانِ كلماتِهِ الأخيرة
."صَحِبَتْكِ الملائكةُ يا حبيبتي"
كم أنتَ قاسٍ
.!أيُّها العالم
(1994)
مكانُكَ في المقهى
.ليسَ خاليًا
بعد رحيلك
جاءَ عصفورٌ
.وجلسَ في ركنِك
أتأمَّلُهُ
من بعيد
،مثلما كنتُ أتأمَّلُك
وهو يدخِّنُ سيجارتَهُ
ويشردُ بعينيهِ التائهتيْن
.في الدخان
مخبأ الملائكة
(1995)
هربًا
من زمانِ القُبْح
تختبئُ الملائكةُ
.في عينيك
جرح
كنتَ تلملمُ أشياءَكَ
المبعثرةَ في حجرةِ الفندق
وتجمعُها
في حقيبةِ سفرِك
:حينَ أردتُ أن أسألَك
هل لديكَ"
مكانٌ
يتّسعُ
"لشيءٍ صغير؟
لكنّكَ كنتَ تشكو
من كَثْرَةِ أشيائكَ
.ومن صِغَرِ الحقيبة
وردة الموت
في الوردةِ التي
تنبتُ من قلبِ التراب
.عطرُ موتانا
عدل
الليلُ عادلٌ
لا يفرِّقُ
بينَ بحرٍ
،وسماء
بينَ عصفورٍ غريبٍ عن الشرفةِ
.وإنسانٍ غريبٍ عن البلاد
الليلُ عادلٌ
.في االسواد
ليست أنا
في الصورةِ المعلَّقةِ على الجدار
طفلةٌ تشبهني
ولولا أنَّها تبتسمُ
.لظننتُها صورتي
إسم
ناديْتَني باسمي
...فأحببتُه
الموت الأخير
ثمَّةَ أشياءٌ
.لا نعتادُها
نموتُ
كُلَّ ليلةٍ
مؤقّتًا
لكنّ موتنا الأخير
يفجعُنا
.دائمًا
لا أشبه أحدًا
(1996)
لي خلف المجرَّات إخوة
وعلى الأرض أصدقاء
تُؤَرْجحُني
في فضاءٍ
كملاكٍ
لَهُ
خلفَ المجرّاتِ
إخوةٌ
وعلى الأرضِ
.أصدقاء
أغنيةُ آخرِ المساءِ وأوّلِ الليلِ
تهزّ
في الروحِ
أغصانًا
تطيّرُ الموتَ
.تطربُ الصمت
ضَحِكُ الأصحابِ
يقودني لبكاءٍ منسيّ
لأدراجٍ مغلقةٍ على أطفالٍ
يشعلونَ دموعَهُمْ
.ليستأنسوا
الدخانُ
وطنٌ
في الخلاءِ
.يتلاشى
الجرحُ
قمرٌ برتقاليٌّ
تشعلُهُ الجمرةُ
.ليتجلّى
الماءُ يضحكُ
.وحيدًا في القاع
الأصحابُ
يضحكونَ
عاليًا
.يلامسونَ الفرح
الفوانيسُ
والنباتاتُ
مُدلّاةٌ من السقفِ
.ظلاًّ لجنّةٍ بعيدة
أيقوناتُ الغربةِ
مُدلّاةٌ من جبيني
ضوءًا
لعتمةٍ
.صرفتُ في سوادِها طفولتي
بكاءُ النهرِ خَفَتَ
.يبدو أنّ الأسماكَ نامت
الريحُ
.ما زالت تهدهدُنا
.هل نغفو؟
أرجوحة النعاس
نَمْ
كملاكٍ
كموسيقى خافتةٍ
.كقُبْلَةِ بحر
حبيبي
.أيقونتي المكسورة
لأجلِكَ
يداي
،كتابٌ لحكايا الأطفالِ
صوتي
.فانوس
نَمْ
عميقًا
.كأرقي
أرى مقهى حميمًا
كصَدَفَةٍ
.وسطَ مُحيط
أرى أطفال
يصنعونَ
من قصائدِنا
.زوارقَ دمع
أرى أجنحتَهُمْ
تلامسُ سطحَ بكائنا
ترتعشُ
.تهوي
أرى العالمَ
.حجرةً زرقاء
هل ترى
ما أرى؟
العالمُ
يبدأُ من أهدابي
وعندَ شاطئيكَ
.ينتهي
هل تراني
في المرايا
أحبُّكَ
وأهذي؟
نَمْ
كرغبةٍ قديمةٍ
كمدينةٍ
.على هُدْبِ إله
أرجوحةُ النعاسِ
.لا تتّسعُ لاثنين
الغريبة
حملتُ
نعشَ طفولتي
على كتفي
ومشيتُ
.في جنازةِ أحلامي
تبعني أطفالٌ
عصافيرُ
ظلّي
رافضًا أن يكونَ
ظلاًّ
.لطفلةٍ ميّتة
حملتُ النعشَ الصغيرَ
ومشيتُ
قابلتُ قلوبًا أعرفُها
،وجوهًا لا أذكرُها
مشيتُ
.لم يعرفني أحد
الفجرُ الشاحبُ
يشبهني
النهرُ الأخضرُ
يشبهُ ذبولَ عينيك
جرحُ الشمسِ
في الشروقِ
.لا يشبهُ أحدا
تتشابهُ حقائبُ السفر
التذاكرُ
المطاراتُ
وليالي الوحدةِ
.في ظلِّ قمرٍ غريب
تتشابهُ بطاقاتُ الأصدقاء
أمطارُ الشتاء
المقاهي
المتاجرُ
وجوهُ الناسِ
.في الزحام
وحدي أنا الغريبةُ
.لا أشبهُ أحدا
مأساة المهرّج
الآنَ فقط
أحسستُ
بمأساةِ المهرّجِ
حينَ يفرغُ دمَهُ
كاملاً
في عروقِ النكتةِ
.ولا يضحكُ أحد
شتاء
لم أكن أبكي
لكنَّ الأصحابَ
كانوا يختفونَ في عينيَّ
كأضواءِ السيّاراتِ
.تحتَ المطر
حبّ
تعثّرتُ بضوئكَ
.عثرتُ على ظلّي
جرح
طفلاً محروقَ الوجنتيْن
يهرولُ
على الجسورِ المعتمةِ
هاربًا
من الرمادِ
.إلى الدخان
دمعة
طفلةً مبتلّةَ الثوبِ
تركضُ
من ضفّةِ النهرِ
.إلى عينيَّ
جناح
سأحملُ الطيرَ الأخضرَ
على كفّي
وأمضي
لعلَّ
ينبتُ لي
.جناحًا صغيرًا
أسطورة المطر
المطرُ
على نوافذِنا
.دمعُ أطفالٍ رحلوا
في السماءِ
يفتقدونَ أمّهاتِهِمْ
حجراتِهِمْ
دفاترَهُمْ
.ويبكون
قوسُ القزحِ
فرحةُ الأطفالِ ذاتِهِمْ
وقد ربّتَ اللّهُ على أكتافِهِمْ
.وابتسم
زمن الطفولة
(إلى أبي)
خذني
من يدي الصغيرةِ
إلى مدينتِكَ
مثلما كانَ الحزنُ يأخذني
.إلى مدرستي
رُدَّني
إلى ضفيرتي
.إلى مهري البنيّ الحزين
رُدَّني
إلى صورتي القديمةِ
.في مرآتي
خذني
حيثُ للأطفالِ
قلوبٌ ملوّنةٌ
وللأحصنةِ الخشبيّةِ
.أجنحة
.رُدَّني
احتمالات مستحيلة
لو أنّ
هذا الدُبَّ القطنيَّ الحزين
،يبتسم
لو أنّ
هذه الأزهارَ الذابلةَ
،تبتسم
لو أنّ
صورتَكَ العابسةَ
فوقَ الجدارِ المعتمِ
،تبتسم
.أنامُ الليلة
أزل
ليتني كنتُ
حينما كانت أمِّي
طفلةً حزينةً
تحتاجُ إلى صديقةٍ
.في مثلِ حزنِها
ليتني كنتُ هناك
أقاسمُها وحدتَها
يتمَها
وليتني كنتُ أكبرَ منها قليل
.لأكونَ أمَّها
الخروج من اللوحة
حينَ لامَسَتْ قدماي
أرضَ واقعِها
على السجّادةِ المجاورةِ
لسريري
خطوْتُ خارجَ اللوحةِ
التي رسمتُها لعمري
ومنذُ ذلكَ الصباح
وأنا أدورُ حولَ نفسي
كنقطةِ ضوءٍ
.على جدارٍ شفيف
حيرة
هذه التعاسةُ الرماديّةُ
في عينيك
ما سرُّها؟
وماذا أستطيعُ أن أفعلَ
.كي ألوّنَها؟
ملامح
نجمةٌ
نقشَتْ
أغنيةً
.على فضّةِ البدر
جلسَتْ
قبالةَ مرآتِها
تحدّقُ
في ملامح الضوءِ الساكنِ
:تتساءلُ
.لماذا نولدُ بوجوه؟
خيانة
الليلُ
لا يتّسعُ
.لأرقي
البكاءُ
لا يتّسعُ
.لدمعي
أصدقائي
لا يتّسعونَ
.لي
وحدُهُ الموتُ
.يتّسع
شمس مؤقّتة
(1998)
0
.يُغادِرُنا المكان
.مُرَبَّعاتُ الإسمنتِ أوَّلاً، ثُمَّ المقاعِدُ في إثرِها
الفراغُ المباغتُ
.يفرضُ تأثيثَ الأرواح
1
كانَ علينا أن نكونَ أكثرَ صلابةً وبياضًا
كأنَّنا الحوائطُ التي تُكَوِّنُ الزوايا
.وتسندُ السقفَ والظلال
كانَ على أصابعِنا ألاَّ ترتعشْ
وعلى الوقتِ
أن يُمْهِلْنا قليلًا
كي نمنحَ اللحظةَ ألوانَ لوحةٍ أخرى
غيرَ البغيضةِ
.غيرَ قتامةِ ملابسِنا
2
لم نَكُنْ نشعرُ بخشونةِ البردِ
.أو بالخفافيشِ العالقةِ بصُوفِ معاطفِنا
كُنَّا نسيرُ
كالتماثيل
مقنَّعينَ بأحجارٍ من كهوفِهِمْ
.كارثةً لا تعني أحدًا سوانا
حملْنا الصناديقَ
ومشينا نَحْلُمُ
بخشبِ التوابيتِ يخضرُّ
.يعودُ أشجارًا نتسلَّقُها
بقلوبٍ صغيرةٍ خبَّأناها في الجيوبِ
كعُلَبِ سجائر مجهولةٍ لآبائنا
بخطواتٍ متهدِّجةٍ
أنهكتْها الرطوبةُ في أصواتِهِمْ
بالمسافةِ حينًا
وحينًا بالسعال
نزحنا
من وهمٍ إلى آخر
.جذوعًا تركلُ تشوُّهاتِها في غبار
من أينَ نبدأ
في مثلِ هذا الخواءِ الشاسع؟
وإلى أيِّ هاويةٍ
سيقودُنا الأسف؟
.العيونُ لاغيةٌ
.الأقدامُ أمطارٌ تتساقطُ بانتظامٍ مُدْهِش
3
لأبوابٍ أغلقْناها على خلافاتِهِمْ
سنديرُ ظهورَنا المقوّسةَ ونمضي
وحيدِينَ صوبَ اختلافِنا
كشجرٍ غادرَ غابتَهُ
سنقطعُ كُلَّ الجذورِ التي تَصِلُ ترابَهُمْ بقلوبِنا
كأنَّ الذينَ يسكنونَ الصراخَ
ليسوا آباءَنا
كأنَّنا قادرونَ على النموِّ والضحِك
بضوءٍ قليلٍ
.دونَهُمْ
4
نحنُ الآنَ أكثرَ قدرةً على استيعابِ قسوتِهِمْ
وعلى افتعالِ الحنانِ
دونَ نفورٍ
كُلَّما احتكَّ جلدُهُمْ بيُتْمِنا
وكُلَّما عبرتْنا أحضانُهُمْ
مُسْرِعَةً
كأنَّها تهابُ ظلالَنا
تذكَّرْنا الحانةَ التي احتوتْنا
وليلاً كانَ يُرَبِّتُ على أكتافِنا المتكلِّسةِ
كُلَّما أحنيْنا على الخشبِ ظهورَنا
مُثقلينَ بهم
.أجنحةً دونَ وظيفة
5
.لا غربةَ أشدَّ من أصواتِهِمْ في النزاع
شرودُنا
إذ يزحفُ نحوَ عزلتِهِ
يُطمئنُ فئرانًا تقضمُ حوافَّ النومِ
بأسنانٍ حادَّةٍ
كأصواتِهِمْ
ولأنَّ أعضاءَنا ناقصةٌ
.سيئنُّ الخشبُ في المفاصل
6
من الدخانِ
نُولَدُ
وليسَ من أرحامِ الأمهاتِ
كما أوهمتْنا العائلةُ صغارًا
لكنَّ المرايا التي تعكسُ كؤوسًا متكرِّرةً بينَ الأصابع
ضلَّلَتْ رؤوسَنا
.تلكَ المثقلة بفاكهةٍ حامضة
7
هذا الدمعُ المنسكبُ في تراب
غيرُ قادرٍ على إعادةِ الروحِ لخلايا الكلوروفيل الميِّتةِ في أوراقٍ
لم تنجُ من حريقٍ أشعلناهُ
بأعقابِ السجائر
بغروبٍ تركناهُ وحيدًا وراءَنا
دونَ قصدٍ
دونَ درايةٍ بما يعنيهِ الجحيمُ آنذاك
.ولم تغفرْهُ لنا الغابةُ-الأمّ
وإلاَّ بماذا تفسِّرونَ تعثُّرَنا
بجذورٍ قاتمةٍ
وظلالٍ تتمايلُ
كُلَّما خَطَوْنا؟
8
مغروسونَ في الحرمانِ
حتَّى أعناقِنا المتغضِّنة
ولا لذَّةَ
تحفُّ العروقَ
غير َهواءٍ قليلٍ
.تُسَرِّبُهُ الأجنحةُ العابرةُ لذبولِنا
لم نَكْبُرْ
إنَّما المدرسةُ هي التي صَغُرَتْ
بسياجِها المطوِّقِ لبراءتِنا
وأشجارِ السَّرْوِ
.والباصات
.ما كانَ لنا أن نتبعَ خطوَنا على النار
.ما كانَ لأيدينا أن تمتدَّ لتلكَ الكؤوس
9
لن نألفَ الضغينةَ التي تجمعُنا
وأقدامُنا المثبَّتةُ في دائرةٍ
لن تطأ هذه العتمةَ ثانيةً
رُبَّما، بعدَ أيامٍ قليلةٍ
نعودُ بلا شمسٍ إلى المقهى
.بلا عصافير على الحواف
10
مُعَبَّأةٌ بدخانٍ يُبدِّلُ هيئتَهُ
من جبلٍ إلى تمساح
تحدِّقُ في عزلتِنا
في مللٍ يبادلُنا ورقَ الكوتشينة
وعلبةَ الكبريت
فيما الذينَ صلبوا طاقتَنا على خشبِ النماذج
يقتلعونَ الأحلامَ التي لم تنضج
بمناجل تلمعُ
دونَ أن يغيِّروا ثيابَهُمْ
يهشِّمونَ حيواتِنا
بمدنِها الصغيرةِ
.ومقاهيها المبتلَّةِ على أرصفةٍ تتآكل
أطفالُها الذاهبونَ إلى المدرسةِ شاحبون
كما لو أنَّ قلوبَهُمْ تفحَّمَتْ في الليلِ
.لتلائمَ البيوتَ التي يعلو بعواميدها الصراخ
11
من السقفِ الذي تسندُهُ يدُ التثاؤب
لئلاَّ يهبطَ الكابوسُ المتكرِّرُ
كعنكبوتٍ
,متشابكًا بأصواتٍ تخفتُ
.تتدلَّى حبالٌ دونَ جثث
نغلقُ أهدابَنا
كما في الموتِ
كما في دخولِنا هذه الحجرة السوداء
حيثُ وسادةٌ فقدتِ النومَ
وخزانةٌ عاريةٌ
وكرسيٌّ يجلسُ في ركنٍ
.مأخوذًا بجدارٍ خامس
نعلِّقُ الشمسَ
لحظةً تعبرُ الرتابةَ دونَ مطرٍ
أو أشجارٍ
أو حيواناتٍ أليفةٍ تلعبُ معنا
مؤرجحينَ أوهامِنا على عتباتِهِمْ
صانعينَ في كُلِّ مرَّةٍ تشكيلاً مختلفًا
تحملُنا الدهشةُ التي يُلقيها
إلى ذروةِ اللذَّةِ
.لتقذفَنا فجأةً في الضجر
.الساعةُ لا تشيرُ إلى زمن
.لا ساعةَ على الجدارِ أصلاً
.فقطْ حيواناتُ قِماشٍ على الموكيت الأبيض
.هكذا، أوهمْنا السقفَ أنَّنا بلا ماضٍ
12
كُلٌّ منَّا حائطٌ
وظِلٌّ
ولوحةٌ خاصَّةٌ بحالتِهِ
يشردُ بينَ زواياها طويلاً
كأنَّ المَرْسَمَ الكامنَ في مدينةٍ لم يمر بها قطارُنا
كانَ يطلُّ علينا
.تحتَ شجرةٍ لوَّثْنا رئتيها بالسجائر
13
العازفُ الذي يستخدمُ عُلْبَةَ غيتارِهِ تابوتًا
سيقفزُ من بابِ القطارِ فجأةً
ترافقُهُ آلتُهُ الموسيقيَّةُ
.وأصواتُنا
كعادتِنا
سنهزأ بالأمرِ
.ونستمرُّ في الضحكِ والتدخين
لكنَّنا في عودتِنا من مدينةِ الملاهي
سنتذكَّرُهُ
.ونتتبَّعُ صدأ دمعاتِهِ على القضبانِ الحديديَّة
14
الهيكلُ العظميُّ في مختبرِ المدرسة
بالقبَّعةِ السوداء
نحمي جمجمتَهُ من حرارةِ اللمبةِ الفوسفوريَّة
من تسرُّبِ جنونِنا إليها
وبشيءٍ من الرهبةِ
نفتحُ الفكَّينِ المثقلينِ بالصمتِ
مُثبِّتينَ سيجارةً مُشْتَعِلَةً
لن يتذوَّقَ تبغَها
ولأنَّ طاقتَنا لا تحتملُ فكرةَ الموتِ
نُدْخِلُ سمَّاعتينِ مكانَ أذُنيهِ
ونهزُّ عظامَهُ
.مُعانقينَ عجزَهُ عن الرقصِ معنا
15
رؤوسُنا للفراغ
لطيورٍ عملاقةٍ لا تمنحُ العظامَ ريشَها
لإلهٍ صغيرٍ
ألبسناهُ معطفَ دموعِنا
.كي تصدأ في الأرواحِ المشوَّهةِ مساميرُه
بعيدًا عن أجسادِنا المُعْتَلَّةِ
بهشاشةٍ يدركُها الحطَّابونَ
وينتهزونَها فرصةً لاغتصابِنا
.يُصْنَعُ الأثاثُ وتُحْكَمُ التوابيت
من جلدِنا الورقُ
.وقصائدُ المدرسةِ والمقاهي
.نحنُ الصناديقُ والموتى بداخلها
ما يُؤَرِّقُ الغاباتِ في رؤوسِنا
كُلَّما اختبأنا-
تحتَ ملاءاتٍ ناصعةٍ
-كأسنانِ أطفالٍ مُبْتَسِمِين
افتقادُ خشبِ الأسرَّةِ لجذورِنا
أو تسرُّبُ أنفاسِنا المخمورةِ
.من شقوقٍ صغيرةٍ في إطاراتِ النوافذ
16
ما الغرابةُ
أيُّها الأصدقاء
في عصفورٍ
يعبرُ غيمةً
في سقفِ الحانةِ
ويصطدمُ بشبيهٍ
في لمعانِ المرآة؟
ما عنصرُ المفاجأةِ
في تفكُّكِ جَمْعَتِنا
وتَحَلُّلِ الشموسِ المدلاَّةِ من الأعناق
إلى سوائل حامضة
تُفْسِدُ قمصانَنا المربَّعةَ
وتُخْمِدُ سعالاً متقطِّعًا في صدورِنا؟
كُنَّا على يقينٍ
أنَّ أرصفةً متصدِّعةً كرؤوسِنا ستنبذُنا
دونَ رفاقٍ أو موسيقى
.و أنَّ أسنانَنا سيحرثُها الضحك
17
دائمًا في أمكنةٍ ضيِّقةٍ
.تُعيقُ رفرفةَ أذرعتِنا
على ظهورِ المقاعد
نسندُ تقوُّسًا وراثيًّا
.ضاعَفَتْ درجتَهُ حقائبُ المدرسةِ والسفر
ندخِّنُ الهزائمَ بشراهةٍ عضويَّةٍ
أحيانًا، نميلُ برؤوسِنا إلى الوراء
.لعلَّ الصداعَ يسقطُ بالوساوس
الأسودُ الحادُّ
وحشةٌ على الجدران
دونَ لوحاتٍ
.دونَ ظلالٍ تمرّ
لأطفالِنا الميِّتين
خِفَّةُ الملائكةِ في الأحضان
لَهُمْ جلدٌ في حنانٍ مزرقٍّ
وعيونٌ منمنمةٌ أليفةٌ
.تحدِّقُ في فجيعتِنا ولا ترانا
18
لن يصحبَنا أحدٌ إلى تلكَ الحجراتِ المخنوقةِ المتربة، حيثُ لا مفاتيحَ ضوءٍ ولا نوافذَ نواربُها. ستكونُ الأمهاتُ مشغولاتٍ بإخوتِنا، أشباهًا جارحينَ كحوافِّ المرايا. سيذرفنَ الحسرةَ دونَ انتباهٍ في الأواني، ليكونَ طعامُ العائلةِ مالحًا، مُرًّا، كالترابِ في أفواهِنا، كُلَّما ابتسمْنا لملاكٍ يعبرُ عتمتَنا ويتوارى. أمَّا الأصدقاء، فلا بُدَّ أنَّهم سيعونَ فكرةَ الموتِ مبكرًا ويرتبكونَ تجاهَ التعلُّقِ والفقد. رُبَّما يتركونَ لنا بعضَ ورداتٍ على عتباتِ أبوابٍ لن تُفْتَح. سنذهبُ وحيدينَ إذًا، ترافقُنا الأجسادُ لحينٍ، ثُمَّ تُنْسَلُ ببطءٍ خيوطًا لا تلحظُها الستائر، تمامًا كالأرواحِ التي غادرتْنا.
19
.كانَ الحنانُ أوّلَ من سقطَ منَّا
.كانَ الليلُ أطولَ من أذرعتِنا في العناق
يداك في فراغٍ
.والاستحواذُ كامنٌ في كمائنِ الاحتواء
لم تكن تلكَ المحبةُ خالصةً
المرآةُ لم تكشفْ لي أوراقًا
شجرةٌ هَوَتْ في شارعِك
.أخرجَتْني من وهمِ الغابة
هل كانَ حِضْنُكَ حقيقيًّا؟
هل أسندتُ رأسي -فعلاً- على روحٍ تنتفضُ عبرَ أنفاسِها؟
.لا أذكرُ من الحجرة ِسوى نافذةٍ بحجمِ البحرِ أغرتْني بانتحارٍ أجَّلْتُهُ لحينَ فقدانِك
.ذلكَ العطرُ ما زالَ عالقًا بالخيوطِ التي قطعتُها، ملاكًا مشنوقًا من جناحيْه
ظلُّ الطائرةِ الورقيَّةِ لا يغادرُ مساحةَ طفولتي
رغمَ أنّني أفلتُّها
.وبترتُ أصابعَ اليدِ الواحدةِ التي كنتُ أحصي بها أصدقائي
20
كنافذةٍ ملوَّنةٍ في لوحة
قِطٌّ
على حافَّتِها
رغبتُهُ صفراء
أطلُّ
ورؤوسُ الصغارِ
على غيمةٍ خشنة
.تجرحُ الأجنحةَ في عبورِها
لا معطفَ
أدسُّ في جيبِهِ وردتي
لا خواتمَ
.لا عازفَ كمانٍ على سطحِ البيتِ المجاور
.برجٌ منتصبٌ كشجرةٍ معدنيَّة
.بناياتٌ مبعثرةٌ، مطفأة
رغمَ هندسةِ الحنانِ في مُكَعَّباتِ السُّكَّر
أتفكَّكُ
عن خلفيَّةِ الرموزِ وأطفالِ الورق
عن الزجاجِ المغبرِّ في سنواتٍ دهسَتْ براءتي
مثلَ شاحناتٍ ثقيلةٍ
قوَّسَتْ جسورَ الليلِ
."بما أسمِّيهِ الآنَ "الوعي
21
.لن أذرفَ أقنعتي على الطاولةِ أمامهم
سأدلقُ براميلَ من الألوانِ والبيرة
مُوهِمَةً أصدقائي بالبهجة
.غناءً خلفَ أبوابِ الحمَّامات
من الخيوطِ و القصاصاتِ
-إذ لم أمتلك الأحجارَ في تدحرُجِها-
.سأصنعُ المشانقَ والميِّتين
لشموسٍ عديدةٍ
بستارتي لَوَّحْتُ
لراحلين
خلَّفوا سجائرَهُمْ في المنافض
.تَفْنَى من تلقاءِ نفسِها
كُلُّ ما كانَ لي
تركتُهُ على الحبالِ
القمصانُ
وتلكَ الجثثُ المزرقَّةُ
كأظفاري
كسماءٍ في الحقدِ
تمطرُ الغابةَ
.بضحكٍ حامضٍ وخذلان
كُلُّ ما حلمتُ به
خذلني
وكأنَّ قدميَّ الصغيرتينِ
.مخلوقتانِ للانزلاق
22
كجذعٍ هجرتْهُ العصافيرُ
أقفُ وحدي
أكسرُ حدَّةَ الفراغِ
بقامةٍ ضئيلةٍ
وأصدُّ الرياحَ المنهكةَ
عن ظلٍّ يتطايرُ
.ولا يلامسُ أطرافَ المطر
:كُلَّما قطعتُهُ التأم
الشريانُ الذي يَصِلُ خياناتِهِمْ بدمي
وهذه الديدانُ
كُلَّما هَوَتْ
متخمةً بفاكهتي
أعدتُها إلى الجُرْحِ
.يدًا تجدِّدُ خلايا عزلتِها
بمفتاحينِ ذهبيِّي
-هُما كُلُّ ما تبقَّى منهما-
أغلقُ عينيَّ
على الفقرِ في العلاقة
على هذيانِ المرتعدينَ من أنفاسِهِمْ
لعلِّي في الوقتِ الذي على هيئةِ نهرٍ
أسقطُ
.خشبًا على خديعة
23
.شبحًا، أخترقُ الجدار
أستلقي على آلامِ ظهري
شاردةً في السقفِ الشاهقِ
.كصرخةِ جبل
جُثَّتي مُدَلاَّةٌ
تتأرجحُ بينَ ظلالِهِمْ
طائرةً من الورقِ المقوَّى
عَلِقَتْ بجسرٍ أحدبٍ
يعبرُهُ الصبيةُ العائدونَ من مدارسِهِمْ
يجمعونَ عصافيرَ ميِّتةَ في الطرقات
يتبادلونَ الأجنحةَ
حالمينَ بفضاءٍ أكثرَ اتِّساعًا
وآباءٍ أقلَّ قسوةً
خشيةً من تآكلِ الأبوابِ
.بأحقادِ البكتيريا
قلبي فَرْدٌ
آنيةُ دمعٍ خاويةٌ
إلاَّ من عفونةِ الأزهارِ المتحلِّلةِ إلى حشراتٍ
.تتنامى على غُبارِ الكومودينو الأسود
24
بأيَّةِ يدٍ أقْفِلُ النافذة َعلى المشهد؟
.صناديقُ الموتى تزحمُ حجرتي
الأمُّ تهمسُ لعشيقِها بأسرار ِالعائلة
،صوتُها الخؤونُ يقودُني على أسلاكٍ مكشوفةٍ
وهذه الجرذانُ في الزوايا متربِّصةٌ
.تتغذَّى على ما ترسَّبَ في الدمِ من أقراصٍ مهدِّئة
.مسَّني جنون
أصابعُ المهرِّجينَ في خواتمِ الدخانِ
والحسرةُ شجرةٌ محنتُها الفقدُ
.تحدِّقُ في حذائها
هل يستمرُّ الأطفالُ الملوَّنونَ طويلاً على بياضِ الحوائط؟
من دلَّ أقدامَهُمْ على طريقٍ سلكَتْهُ الراقصةُ بعدَهُمْ؟
وكيفَ استطاعوا أن يتسلَّلوا إلى الكوابيس
دونَ أن يرجِّفوا الظلّ؟
وحيدونَ في حضنِها
رغمَ تداخلِ الأعضاءِ والشوارع
يُعانقونَ دميةً تُشْبِهُها ولا تُبادِلُهُمْ القُبَل
ولأنَّ السلالمَ لا تصعدُ
يتسلَّقونَ آثامَهُمْ
عتمةً ثنائيةَ الجنسِ
.وردًا عائمًا يرافقُ انجرافَ الجثَّة
ربما يكونُ الإدراكُ قد أتلفَ تعدُّدي
فلا أستمتعُ بالصخبِ والكؤوسِ ثابتةً
.ولا أقوى على تحمُّلِ حناني
.شخوصٌ يتكاثرونَ حولَ السرير
.يُعْتِمونَ في الغيبوبةِ مساحةَ الركض
بطلقةٍ واحدةٍ
يمكنني التخلُّصَ من كُلِّ هذه الأشباحِ في الرأس
.في أنفاسِ حجرةٍ تضيقُ وتتّسع
25
.عَبَرْت
.رأيتُ غابةً هادرة
.أعرفُ الوجوه
.لا أذكرُ أسماءَها
.ليسَ الأزرقُ لونًا أو سماءً أو بحرًا
.الأزرقُ لوحةُ طفولتي
،الأزرقُ عصفورٌ بلا شجرة
.أسماكٌ في العينين، في الرئتين، في العروق
رأيتُ قصيدتي تُغادرُني
،كالمكان)
(كمُرَبَّعاتِ الإسمنتِ والمقاعد
روحًا تحلِّقُ فوقَ الجثَّةِ
.ثُمَّ تتَّجهُ نحوَ النفق
.إنَّني الآن على الجانب الآخر
.عبرتُ حياتي حيثُ لا شيء، لا أحد، سوى هذا الفراغ الأسود
.ما من أحدٍ مغلق
26
الشوارعُ ذاتُها
بالأسماءِ التي تحملُها منذُ قرونٍ
بأشجارِها العاريةِ
.عروقًا في أعضاءِ الفراغ
عناوينُنا فقطْ
.هي التي تغيَّرَتْ
أمشي
ظلِّي آخرٌ
شأنَ أفرادِ العائلةِ
.مثلَ أصدقائي
ثمّةَ عصافيرُ من الغليسرين تنهمرُ
مطرًا خادعًا
رغمَ تدفُّقِهِ
.كالحنانِ الذي في قسوتك
27
.ليست هذه مدينتي، أعلم
الخواءُ ضيِّقٌ، ما من رفاقٍ في هذا البلدِ البعيدِ يوسِّعونَ الروحَ
.والأمكنة
أكثرَ وحدةً من جُثَّةٍ لم تألفْ عتمتَها بعد
الذينَ أخمدوا صرختي بترابٍ
.عادوا إلى منازلهم
في انتظارِهِ
.سريرٌ وامرأة
أدخِّنُ الفقدَ
رئتينِ متفحِّمتينِ تنتفضانِ بسُعالك
كي أصنعَ غيمًا يؤنسُ ظلّي
.وأجعلَ من السقفِ سماءً صغيرة
28
من أطفأَ الأباجورةَ العاليةَ في غرفتي؟
.لا بُدَّ أنَّ شبحًا يقيمُ حيثُ كانَ لي في الزاويةِ سرير
.ثمَّةَ يدٌ مجهولةٌ نزعتْ صورةَ المغنِّي عن جدارِها، وألقَتْ بخشبِ غيتارِهِ في المدفأة
.الستارةُ في الطابقِ الثالثِ من العتمةِ والريحِ تلوِّح
لعلَّها لمحَتْ يدي المعلَّقةَ في خواءٍ
.غيمةً بلا خواتم
29
الشجرةُ التي حدَّثتني عنها مرارًا
التي تُسْقِطُ أوراقَها الصفراء
كمن ينفضُ عن معطفِهِ بعضَ الغُبار
.لم تَعُدْ أمِّي
.ما عادَ الطائرُ الأزرقُ الذي تطوِّقُهُ بذراعيها يأمنُ مزاجَ حنانِها
30
هكذا أعودُ
في ساعةٍ متأخِّرةٍ من التعب
.لعلَّ الجمرَ الذي في الأعضاءِ يستحيلُ رمادًا
.أخرجُ عن سياقِ الكؤوسِ والأصدقاء
.أغادرُ الضحكَ مكانًا لا يتَّسِعُ لانسكابي
.أتبعُ الوقتَ الذي مرَّ كغريبٍ تحتَ النافذة
.لم يَعُدْ في القسوةِ ما يُدْهِش
يدي اعتادَتْ سقوطَ خواتمها
وأشباحَ المحبَّةِ
خارجةً من المناديل
.حينَ ألوِّح
هكذا
عبرَ البياضِ في أكفانٍ مرصوصةٍ خلفَ البابِ
...توطَّدَتْ علاقةُ الأصابعِ بالفراغ
.أطفالي نائمونَ في الورق
توسَّدوا الألوانَ
.ناموا
.مُحْكَمٌ بيننا الزجاجُ، لئلاَّ توقظَ أحدَهُمْ خشونةُ سعالي
.أستلقي على السريرِ الأَرِقِ بثيابي
.علبةُ السجائر في مكانِها والهاتفُ المنسيّ
أفكِّرُ في النُدْبِ الذي في خدِّها الأيمن. تلكَ المرأةُ الغامضةُ لم تُسْقِطْ كُلَّ جلودِها. ليست عاهرةً، كما صوَّرَتْ لنا ملابسُها الفاضحةُ أحيانًا وتعدُّدُ لهجاتِها. ولا أعتقدُ أنَّ المقهى المهدومَ .سيعودُ إلى ما كانَ عليهِ: قشُّ السقفِ والجدران، الحبالُ الملوَّنةُ، وتلكَ الجَمْعَةُ المفكَّكةُ رغمَ الجلساتِ التي توحِّدُنا وغابةِ النراجيل.
.أُغْمِض
.ما عادَ ممكنًا أن أستعيدَها أمًّا ليتمي
.حِضْنُها مغلقٌ. ما من مفتاحٍ للبوَّابةِ التي تخذلُ ظلِّي كُلَّما اقتربْت
31
تحتَ مطرٍ من شجرٍ في السماءِ
سأقفُ
جذعًا ميِّتًا
نحتَتْهُ
-ليصيرَ أنا-
ريحٌ
.في خشبِهِ، نفخَتْ روحَها
سيَّاراتٌ قليلةٌ ستعبرني
في ظلِّي، سيدخِّنُ صغارُ المدرسةِ
كما كُنَّا نفعلُ في الماضي تمامًا)
تحتَ تلكَ الشجرةِ الكبيرةِ
قُرْبَ البوَّابةِ الرئيسيةِ
.(والسورِ الأحمر
سأنصتُ لارتطامِ الطيورِ
على المعطفِ البلاستيكيّ
والأسفلتِ الموحش
حتَّى تُفقِدني أحماضُ الملائكةِ وجهي
ويدي
.والأرضَ التي لم تعرف بعدَ الغيابِ حذائي
32
البابُ المعدنيُّ الأخضرُ
ذو القضبانِ العديدةِ والحارسِ الأوحد
الذي كُنَّا ندخلُهُ في الصباحِ ركضًا والحقائبُ الصغيرةُ تقفزُ على ظهورِنا مثلَ ضفادع تبعتْنا من النهرِ البعيدِ
.البابُ -عتبةُ الجنَّةِ في الخروج- مغلقٌ على طفولتِنا
.يدي تحثُّني على ملامسةِ حديدٍ مبتلّ
.لا أجرؤ
33
:على الرصيفِ المقابلِ، شبحُ ذلكَ المقهى. دوريٌّ على كتفِهِ الأيمن يحدِّقُ في ظلِّي. غبارُ السنواتِ بيننا. مِنْهُ، يولدُ المكانُ ثانيةً، وتحلِّقُ عصافيرُهُ بذاكرتي البابُ الخشبيُّ الخشنُ، المتأرجحُ الستارةِ بينَ صقيعِ الشارعِ العموميّ والدخان. الطاولاتُ المستطيلةُ ذاتَ المنافض والفناجين والصحون والأيدي. الكراسي التي قوَّسَتْ ظهورَنا. الجدرانُ الصفراءُ كأسنانِنا. النادلةُ الطيّبةُ التي تعرفُنا أكثرَ من أمّهاتِنا. النافذةُ الكبيرةُ التي يتسلّلُ منها الهواءُ الباردُ وضوءٌ يُشْبِهُهُ وتلكَ العصافير الرماديَّة، هذه التي تحلِّقُ برأسي الآن.
.مروة، عالية، منى، أنا: أربعةُ حوائط هُدِمَتْ في مثلِ هذا المطر
.السقفُ موتٌ ملوَّنٌ، معلَّقٌ في الخواءِ، يظلِّلُ رأسَ الشبحِ ودهشةَ الدوريّ على الرصيفِ المقابل
34
تحتَ هذا المطر المتساقط من الأعالي
سأقفُ
جذعًا يقلُّ
.وحلاً تتكاثرُ فيه أعقاب السجائر
.لن يفتحَ البابَ الحطَّابُ الذي قطَّعَ أعضائي
لن تحطَّ على كتفي
لن تدركني
في هذا المكانِ القديمِ
.شمسُ الأصدقاء
35
.أرجِّحُ الاحتمالاتِ الطيِّبةَ لِكُلِّ السوءِ الذي حَدَث
المحبَّةُ خدعةٌ
والحنانُ مشبوهٌ
.لكنَّني -رغمَ حِدَّةِ الألم- سأستمرُّ في تصديقِ ما لا أراه
ما من يد
(1999)
نعامة صغيرة على الحبّ
.كأنَّما قلبُها علبةُ ألوان
"...أنا طائرٌ"
.كانت تردِّدُ طفلةً
هل كانَ ضروريًّا
أن تكسرَ ساقيْها مرَّتين
.كي ينتبهوا؟
شبيهةٌ بمساحيقِها
بملابسِها
بالبطاقاتِ التي تزحمُ بها حيطانَ الغرفةِ
.لئلاَّ تنامَ في البياضِ وحيدة
في الشارعِ
يتهافتُ عليها الأطفالُ
.لعلَّهُمْ ينتزعونَ من جسمِها قطعةَ حلوى
.بالخفاشتيْنِ لقَّبونا
هُمْ ذاتُهُمْ
الذينَ تغذُّوا
.عن الدمِ السائلِ من براءتِنا
جدَّتُها
في البلدِ البعيدِ
.حدَّثَتْها عن نجمةٍ تملكُها
.إرثُ الجدَّةِ تأخَّرَ كثيرًا
ما زالت تنتظرُهُ
.ما زالَ ريشُها يحلمُ بالهواء
أظفار مطليَّة بالشهوة
كانَ صباحًا داكنًا كقهوتِنا
كعينيْها الحادَّتيْنِ
.كذلكَ الغموض في القصَّة
شمسٌ سوداء في غيمِ النراجيلِ
القطَّةُ نائمةٌ
النادلُ ببابيونتِهِ المعوجَّةِ يتثاءبُ
.عندَ السياجِ الخشبيِّ غريبان
ساقان عاريتان
أظفارٌ مطليَّةٌ بالشهوةِ
.ندبٌ يجرحُ ضحكتَها
من أينَ جاءت بأسمائنا؟
كيفَ انضمَّتِ الطاولتان؟
نخونُ وعدَنا لأمَّهاتِنا
.ونأخذُ قطعَ حلوى من أشخاصٍ لا نعرفُهُمْ
تفتحُ دونَ مواربةٍ قلبَها
:بيتًا مؤثَّثًا بالبشر
الخائنٌ لأنوثتِها
أطفالٌ معوَّقونَ بأمومةٍ ناقصة
الرجلُ الذي يأكلُ نصفَ الكلام
ويقضمُ بكثيرٍ من القسوةِ تفاحتَها
المشعوذُ ذو الأرنبِ والعينينِ الزجاجيتينِ
.عجائزُ بعددِ التجاعيد
في البيتِ
تُحَفٌ من أصابعِها
نباتاتٌ
.إمرأةٌ وحيدة
كرسيٌّ من قش لا يشعلُهُ الحنين
وحيدٌ
.بقدرِ ما في البحرِ من زرقةٍ وجثث
في الرملِ يغرسُ أرجلَهُ
حالمًا بالجذورِ
ململمًا من حولِهِ الأصداف
.أصواتًا لا تخفت
."يسمُّونَهُ "الغريب
"لماذا لا يبني مثلنا القصورَ ويهدمُها؟"
لو اقتربوا من صحراءِ قلبِهِ قليلاً
لأدركوا أنَّهُ طفلٌ يشبهُهُمْ
.وسألوهُ عن اسمِه
.ألفتْهُ النوارس
.بذراعيهِ استبدلتِ المراكبَ وألسنةَ الصخر
هنا على الأقلّ
لن يرشَّها الصغارُ بالماءِ
ستشاهدُ الغروبَ
.بعينيهِ الفاضحتينِ ملحًا و أسماكًا
:كانَ من الممكن أن يكونَ آخرَ
...فزَّاعُ طيورٍ في حقلٍ ما
لكنَّ اليدَ التي صنعتْهُ
فرضت هذه الهيئة
.هذه الحياة
جلباب الدمع
تكنسُ الكوابيسَ كُلَّ فجرٍ عن عتبةِ البيتِ
تقشِّرُ قبالةَ النافذةِ بصلتيْن
.كي لا يسألَها اليمامُ عن دموعِها
بطرفِ جلبابِها
تلمِّعُ المرايا
عاجزةً عن إزالةِ حنانٍ مُترهِّلٍ
.يقرِّبُ قلبَها من التراب
ليلاً هدهدتِ الأطفالَ بحكاياتِ البحر
في جلبابِها رائحةُ الحارةِ
.ألوانُ عرائسِ الحلوى والأحصنةِ الصغيرة
.وعدتْهُمْ بفطيرةِ جُبْنٍ ساخنةٍ في الصباح
الشمسُ"
في هذه المدينةِ الكئيبةِ
باردةٌ
قاسية
"...ستكسِّرُ أسنانَنا
لا بُدَّ من حيلةٍ أخرى
.!تُخْرِجُهُمْ من دفءِ القُطنِ والأحلام
لو كانت روحُها سجَّادةً
لنفضَتْ عنها هذا الغبار
لتركتْها في الهواءِ قليلاً
...تتنفّس
الفراشة
العصافيرُ الرماديَّةُ
لا تصدِّقُ
.!أنَّها لا تستخدمُ المساحيقَ لتزيينِ جناحيْها
عصفورٌ صغيرٌ
فكَّرَ في الأمرِ طويلاً
اتَّهمَها بلبسِ المرايا
.وخداعِ العيونِ بانعكاساتِ الزهور
"!تعالَ وفتِّش خزانتي أيُّها السفيه"
صرخَتْ في وجهِ دبُّورٍ أسود
حاولَ أن يلامسَ جسدَها في مرورِهِ
.لعلَّ ألوانَها تبهتُ على معطفِهِ الداكن
بَكَتْ طويلاً
على كتفِ شجرةٍ
"!لستُ ساحرةً كما يُشيعونَ في هذه الغابة"
يومَ أحرقوها
تصاعدَ إلى السماءِ دخانٌ غامضٌ
ليستقرَّ في قلبِ الزرقةِ
قوسُ قزحٍ
.شعاعًا بسيطًا من روحِها
فزَّاع الطيور
كثيرةٌ هي أمنياتُهُ
أكثرَ من السنواتِ التي أمضاها واقفًا في هذا الخلاءِ
أكثرَ من البذورِ التي يحرسُها الهواءُ
.عبرَ جسدِهِ القليل
يحلمُ بمقعدٍ يريحُ ساقَهُ النحيلةَ
بوضعِ يدِهِ في جيبٍ
في كفِّ امرأةٍ
بغيمةٍ تستقرُّ فوقَ رأسِهِ تمامًا
بأطفالٍ طيِّبينَ يقذفونَ نحوَهُ كُرَةَ القدمِ
بينَ حينٍ وآخر
بدلاً عن الأحجارِ
بأزهارٍ قليلةٍ تنبتُ حولَهُ
ليطمئنَّ أنَّ أحدًا في العالم سيفتقدُهُ
إن سقَطَ
.بضربةِ مِنْجَل
يحلمُ بالعصافير
تلامسُهُ
دونَ خوفٍ
حتَّى إن أخذَتْ مقابلَ حنانِها العابرِ
قشَّ القبَّعةِ التي تحميهِ
في هذا الخلاءِ
.من قسوةِ الشمسِ والمطر
"طابع البريد: عصفور "ميرو
ستُصيبُها أمراضُ الأطفالِ
ويصفرُّ جلدُها
آخذًا لونَ الوردِ الذي تحبُّهُ
لونَ الصوصِ القطنيِّ النائمِ على طرفِ السرير
لونَ شَعْرِهِ
الأميرُ الذي أحبَّتْ ضحكتَهُ واختفى
في صفحةٍ أخيرةٍ
.من رواية
سيملؤها الفراغُ بفراشاتِهِ البيضاء
وتكتشفُ
كمن يرى نفسَهُ لأوَّلِ مرَّةٍ في مرآةٍ
أنَّ حياتَها لا تشبهُها
وأنَّها أساءَتْ فهمَ الغربةِ
.زمنًا طويلاً
.لا تحاولي"
لا النعناعُ ولا نصفُ الليمونةِ في ماءِ النارجيلةِ
.سيعيدانِ إليكِ طعمَ الشتاءِ الماضي
.الأغاني -أيضًا- عاجزة
فمُكِ الذي لم يبحْ سوى بنصفِ الأسرار
.عضوٌ ناقص
.لا كلامَ ولا قُبَل
."فقط ابتسامةٌ صغيرة
ستبكي
حتَّى تحوِّلُها الدموعُ
.إلى غيمة
من عرشِها الأزرقِ البعيدِ
ستراهُمْ
بأحجامِهِمْ الحقيقيَّةِ
.بلا أسفٍ أو حنين
"ستصادقُ عصفورَ "ميرو
والسمكةَ التي تغنِّي
.في مربَّعٍ من ورق
في زاويةٍ صغيرةٍ من روحِها
ستعيدُ بناءَ المقهى القديم
ستحفرُ على بابِهِ
.ضحكةً من خشبِ الورد
إلى أحلامِها
ستخرجُ
:وتعملُ بالنصيحةِ
"العسلُ وقِطَعُ السكَّر"
الشمسُ الذائبةُ في قلبٍ كبيرٍ
أيامٌ حلوةٌ
.رُبَّما
كائن اسمه الحبّ
(2001)
تضيءُ عريَها
بنجومٍ ورقيَّة
،كالتي في دفاترِ الأطفال
.بنتُ ليل
*
زهرةٌ إلكترونيَّة
:تتنهَّد
."لو يضمُّني كتاب"
*
كُلَّما حطَّ على كتفِهِ طائرٌ
،تذكَّرَ الشجرةَ التي كانَها
.مقعدٌ منسيٌّ في حديقة
*
شريطةٌ في شَعْرِ طفلة
تحلمُ
.بأن تكونَ فراشة
فراشةٌ
تحلمُ بأن تكون
.شريطةً في شَعْرِ طفلة
.طفلةٌ تحلم
*
في الدمعةِ
سمكةٌ
تذرفُ
.البحر
*
:نغمةٌ تعاتبُ الناي
"لِمَ لَمْ تتركني مع العصفور؟"
*
زجاجةٌ فارغة
.آنيةُ زهرتِه
زهرةٌ مرمية
.في كومِ قمامة
*
تعلِّمُ الرقصَ
.لقطَّتِها
خلفَ النافذةِ
:كلبٌ ينبحُ
"وأنا؟"
*
.شارعانِ، في عناقٍ، عندَ تقاطع
إشارةٌ معطَّلة
تحملقُ في المارَّة
.بعينٍ حمراء
*
.بدموعِها، تمسحُ البلاط
.تمزجُها جيِّدًا بالصابون
سيِّدةُ البيت
.لا تحتملُ غبارَ الحزن
*
خُفَّاشٌ
:يسألُ الليل
لماذا أنتَ قاسٍ، هكذا"
"يا أبي؟
*
جسرٌ قديم
:يوبِّخُ قوسَ قزح
لا تغترّ، يا ابني، بهذه الألوان"
."كنتُ أنا مثلك
*
.أذنُهُ على جدارِ الزنزانة
ينصتُ
إلى
نبضِ
عصفورٍ
رسمَهُ
.بأظفارِه
*
.فنجانٌ حزينٌ جدًّا
كيفَ لَهُ أن يحضنَها
فيما تقبِّلُهُ
ولَهُ ذراعٌ واحدة؟
*
هيكلٌ عظميٌّ
ينحتُ
،ما يتبقَّى
أسنانٌ قليلةٌ
.تبتسم
مصباح كفيف
(2002)
كوكب أحمر
.ما عادَتْ لي رغبةٌ في أرض
،بلادُ اللهِ ما عادَتْ واسعة
الأرواحُ أيضًا ضاقَتْ
.كأحذيةٍ قديمة
القارَّاتُ
القُرى
القلوبُ
.قبائلُ من القتلةِ والقتلى
الشمسُ جارحةٌ
.والليلُ، خُفَّاشًا، ينهشُ لحمَ النجوم
الجثثُ هنا
أكثرَ من الزهورِ
وساقيةُ الدم
.لا تكُفُّ عن الدوران
الروح في مصيدتها
أفترضُ فضاءً وأدخلُ
أدخلُ احتمالَ المكان
المكانُ الذي لا يتَّسعُ لشجرةٍ
لطائرٍ
.لراحةِ يد
على الكرسيِّ نفسِهِ
كلَّ ليلةٍ
.والعالمُ من أمامي عابر
الفأرةُ في كفِّي
.الروحُ في مصيدتِها
بلوحِ زجاجٍ
أبدَلْتُ حياتي
والشمسَ التي لم تدُم طويلاً
.بأيقوناتِ مريم
كُلَّ ليلةٍ
ومن الكرسيِّ ذاتِهِ
.أغادرُ جسمي وصوتي والذاكرة
أبتكرُ مخلوقاتٍ ناعمةً
تبدِّدُ رتابةَ المربَّعات
:تضيءُ في الزوايا عزلتَها
زهرةَ حائطٍ
غزالةً من عينِ الدمعِ تشربُ
.قريةً من ترابٍ وقناديل
لا أحملُ
إلاَّ عينيَّ
،لأرى
لأتلمَّسَ في الظلامِ كائناتِهِ
أشعلُ قلبي
.مصباحًا كفيفًا
إستعارات خادعة
.كُلُّ شئٍ مُستعارٌ هُنا
،الجدارُ والنافذة
،ظلالُ السقفِ
،البابُ الخادعُ بين فراغين
.إسمي ودمعةُ مِصباحِك
نافذة ما
لنفترضْ
أنَّها نافذةٌ
من خشبٍ محفورٍ
،وعصافير زُجاج
الشاشةُ الباردةُ
دمعُ نجومٍ
بينَ إسمينا
.تجمّد
لنفترضْ
أنَّها جذورٌ
هذه الأسلاكُ المُمتدَّةُ
من قلب الآلةِ
،إلى عروقِنا
وأنَّ أطرافَنا عبر المفاتيح تتشابكُ
أغصانًا
.عناقُها الأبواب
لنفترض بيتًا سقفُهُ الخلاءُ
(جدرانُهُ من جلدِنا / صمتُنا غفوةُ حارسِهِ)
وحديقةً يُسيِّجُها العشبُ
وفراشاتٍ مُرقَّعَةً بألوانِ المطر
ظلالُها نمورٌ نُفتِّتُ لأجلِها خُبزَ الأصابعِ
.والكلمات
لنفترضْ زمنًا لا يهربُ من الزمنِ
مكانًا لا يخافُ من المكان
بشرًا جميلين
طينُهُم ماءُ عيني
مذروفًا
.في غُبارِ ضحكاتِك
لنفترضْ حياةً أُخرى
خارجَ الجسدِ
وأبعدَ من الروح
ولنفترضْ
.أنَّها نافذةٌ ما
وردة الحواس
أمكنةٌ بعددِ أسمائك
والأطفالِ الذينَ يكنسونَ بضحكاتِهِم الشوارعَ
كانَ عليّ أن أهدمَها
من أجلِ بيتٍ
يسكنك
كحُبٍّ
كحياةٍ
كمثلِ حكاياتي عن حُجُراتٍ جارحةِ الجدرانِ
ومقاهٍ ذرفتني مقاعدُها
.دمعةً وحيدة
قلبي
ذلكَ المعولُ
قلبُكَ
.هذا الحجر
من أجلِ وردةِ الحواس
.كانَ لا بُدَّ من خرابٍ هائل
حيث لا ظلال
لأنَّ البياضَ مربكٌ كوطنٍ عارٍ، سأبني في هذه البقعةِ من الفراغ بيتًا صغيرًا من خشبٍ ملوّن. نافذتاهُ تحدِّقان في وجوهٍ خلف الزجاج. بابُهُ يبتسمُ. ورغم أنَّهُ لا شمسَ هنا ولا أمطار، سأجعلُ من سقفِهِ قبَّعةً تعشِّشُ بين قشَّاتِها عصافيرُ نزفت على الأسلاكِ أجنحتَها. بلمسةٍ، سأمنحُ الخلفيَّةَ حديقةً بلا سياج وأنثرُ الكلمات زهورًا تتفتَّحُ بلمسةٍ. لن أزحمَ بالأثاثِ منزلي. سأغادرُ الأشياءَ وأشباحَها إلى حيث لا ظلال.
.سعادتي في أن أقيمَ خارجَ المكان
عاشقان و تفّاحة
،لسْنا عاشقًا ومعشوقًا
وليستِ الأرضُ
يابسةً
.ومياهًا
مثلُ هذا التقسيمِ
يُحَتِّمُ شمالاً وجنوبًا
شرقًا وغربًا
ليلاً ونهارًا
كلابًا وقِططًا
قِطَطًا وعصافيرَ
عالمًا حقيقيًّا وآخرَ من وهمٍ
جبالاً تعلو بوحدتِها
.وعُزلةَ أصدافٍ في الأعماق
نحنُ عاشِقان
وعناقُنا كوكبٌ مُكتمِلٌ
.كالتُفَّاحةِ التي لا تعرفُ مكانَ خَدِّها
حنان بمرارة الحنين
من نافذةٍ صغيرةٍ، بيضاء
لإطارِها لونُ يومٍ مُهملٍ في المطر
أُطِلُّ على غربةِ يديك
بحكاياتٍ عن مشربيَّاتٍ قديمة
حفر خشبَها الهواءُ
.لوًّحتها الشمسُ بسُكَّرٍ محروق
كان ذلك في مدينةٍ سكنتني
بحاراتها
وبيوتها
.وفوانسيها الملوَّنة
:أضحكُ إذ تقولُ
لو كنتُ أعلم ُ أنَّ اليوم عيد ميلادك"
"لقدَّمتُ قلبي قطعةَ حلوى
.أبكي لأنَّ حنانَك بمرارةِ الحنين
دكّان الورد
.دُكَّانٌ في شارعٍ مهجور
،قرميدُهُ ناياتُ ريحٍ
.أقدامُهُ ملحٌ ذائبٌ في المطر
خلفَ الزجاج المُغَبَّش
أوانٍ فارغةٌ
شرائطُ غادرتْها الفراشاتُ
.مقصٌّ ملطَّخٌ بدمِ زهرة
وردةٌ معلَّقةٌ على البابِ
:تختصِرُ عناءَ الكلمات
."كُنَّا نبيعُ الوردَ، هُنا"
...
.الأرضُ بلغَتْ هاويتَها
،ما عادَتْ أمامَنا طُرُقٌ
والوقتُ الذي بحجمِ دمعةٍ
أقلَّ ممَّا نحتاجُ
كي نموتَ
.مُبتسمِين
لنتخيّل المشهد
(2004)
لنبدأ بالنهاية
(لئلاَّ نبتذلَ أشواقَهُما بالتشويق)
.عاشقان في الليل
خائفان
كدمعتين
في عينيْ طفلٍ
مثقوبِ القلب
.وردتُهُ مجروحة
معطفُهُ على كتفيها
ذراعُها حول عنقِهِ
يرتعشان
بردًا وعتمة
مثلَ ورقتيْ شجرةٍ
.شبهِ عارية
يحبُّها
وتحبُّهُ
لكنَّهُما
عندَ نهايةِ الشارعِ الطويل
.سيفترقان
انظروا إلى الرسالةِ التي
يسطعُ
طرفُها الشاحبُ
،من حقيبةِ يدِها
انظروا إلى المصابيح التي تنطفئُ
إثرَ خطواتهما
سربَ نجومٍ
.تتساقطُ أجنحتُه
سيمضي
وحيدًا
بدموعِها الساخنة
على خدِّهِ
وستختفي هي
عندَ المفرقِ
متكئةً
على ظلِّها
:وحنانِ كلماتِهِ الأخيرة
."صَحِبَتْكِ الملائكةُ يا حبيبتي"
كم أنتَ قاسٍ
.!أيُّها العالم