.بيروت، 2004
.لوحة الغلاف: رينيه ماغريت
لنبدأ بالنهاية
(لئلاَّ نبتذلَ أشواقَهُما بالتشويق)
.عاشقان في الليل
خائفان
كدمعتين
في عينيْ طفلٍ
مثقوبِ القلب
.وردتُهُ مجروحة
معطفُهُ على كتفيها
ذراعُها حول عنقِهِ
يرتعشان
بردًا وعتمة
مثلَ ورقتيْ شجرةٍ
.شبهِ عارية
يحبُّها
وتحبُّهُ
لكنَّهُما
عندَ نهايةِ الشارعِ الطويل
.سيفترقان
انظروا إلى الرسالةِ التي
يسطعُ
طرفُها الشاحبُ
،من حقيبةِ يدِها
انظروا إلى المصابيح التي تنطفئُ
إثرَ خطواتهما
سربَ نجومٍ
.تتساقطُ أجنحتُه
سيمضي
وحيدًا
بدموعِها الساخنة
على خدِّهِ
وستختفي هي
عندَ المفرقِ
متكئةً
على ظلِّها
:وحنانِ كلماتِهِ الأخيرة
."صَحِبَتْكِ الملائكةُ يا حبيبتي"
كم أنتَ قاسٍ
.!أيُّها العالم
عاشق ومعشوق
(تمامًا كما في المشربيَّاتِ التي تمنحُ الضوءَ أشكالَهُ)
كما لو في حلم
كان يحلمُ
وكانت، هي أيضًا، تحلمُ
وفي معادلةٍ عجيبةٍ
تعجزُ عن تفسيرِها كلُّ علومِ العالم)
(ويشرحُها، بكُلِّ بساطةٍ، بائعُ وردٍ متجوِّل
التقيا
كما لو في حلمٍ
وحينَ تعانقت أصابعُهُما
لأوَّلِ مرَّةٍ
ابتسما
ابتسامةً كبيرة
مثلَ قمرٍ
اكتملَ
:بنجمتيْنِ
يدُهُ
ويدُها
المشبوكتانِ
.بوردةٍ حمراء
قوس قزح
كُلَّما ابتسمَ الهلالُ
في ظلِّ نجمتيْن
عادتِ السماءُ
،وجهًا
وكُلَّما اختلسا تحتَ المطرِ قُبْلَةً
استعادَ الحبُّ
كما لو بمعجزةٍ
.ألوانَهُ السبعة
...بعدَ أن كانت سمكةً عطْشى
يدُها الصغيرةُ
بينَ كفَّيْهِ
لؤلؤةٌ
.في حضنِ صَدَفَتِها
لهذا الحبِّ الصافي
مطرًا
ينهمرُ
إلى أعلى
يدينُ البحرُ
.بزُرْقَتِه
وله
أهي الوجوهُ كُلُّها
تُشْبِهُهُ؟
أم أنَّها
لِفَرطِ الوَلَعِ
في كُلِّ وجهٍ عابرٍ
.تراهُ؟
كواكب و نجوم من قمح
لأنَّهُ يحبُّها
يصعدُ
كُلَّ ليلةٍ
على سلالمِ العتمةِ
بقدميْنِ حافيتيْن
خشيةً أن يدنِّسَ السماءَ بحذاءٍ
لا ينزلُ
إلاَّ والقمر في يدِهِ
رغيفًا يفتِّتُهُ
على شكلِ كواكب ونجوم صغيرة
.دونَ أن يهدرَ حبَّةَ قمحٍ واحدة
بالتساوي
بالعدلِ الذي لا تعرفُهُ سوى أصابع عاشق
يوزِّعُ كعكاتِهِ الدافئةَ
على أطفالِ الشوارع
على شبابيكِ النائمينَ دونَ عشاءٍ أو أمل
.على الكلابِ والقططِ الضالَّةِ أيضًا
فقط
.لأنَّهُ يحبُّها
من أحبَّ إنسانًا
.أحبَّ الناسَ جميعًا
بلد الدموع
(ذلكَ الذي لا نستدلُّ على مكانِهِ إلاَّ من خرائط الأطفال)
البلياتشو ذو الدموع الملوَّنة
مكوَّمًا
مُهْمَلاً
.مثلَ خرقةٍ قديمة
على مصطبةٍ ملطَّخةٍ بدموعِهِ
الزرقاء
الخضراء
الحمراء
المنهمرة
بمساحيقِهِ الرخيصة
على الخشبِ المهترئ
وجوخِ قبَّعتِهِ الداكنة
المضاءة
فجأةً
بقمرٍ فضيٍّ من جيبِهِ
.وزهرةٍ، من شَعْرِها، بيضاء
الولدُ و البنتُ الجميلان
كقمرٍ فضيٍّ
.وزهرةٍ بيضاء
المتوسِّلُ... بنظرةٍ مثقوبة
بعينيْن مفقوءتيْن
يتوسَّلُ نظرةَ حنانٍ صافية
نظرةً واحدة
لا يعكِّرُها اشمئزازٌ
ولا تبتذلُها شفقة
نظرةَ إنسانٍ
لأخيهِ الإنسان
لكنَّ العابرينَ سريعًا بمعاطفهم
لا يرونَ فيهِ
سوى متسوِّلٍ معوَّق
في زاويةٍ من رصيف
يقذفونَ في راحةِ يدِهِ المتشقِّقة
قروشًا قليلةً
.ويختفون
وحدهما الولد والبنت المتعانقان
ضفيرةً من لحمٍ ودم
تحتَ مظلَّةٍ ملوَّنة
وضعا، برفقٍ، في ثقبيْهِ العميقيْنِ
قطعةً من الخبزِ المُحلَّى
وكمشةَ زبيبٍ وياسمين
متوهِّميْن أنَّهُ شجرةً
وأنَّ تجاويفَ جمجمتِهِ
هذه التي تقرفُ الناسَ -
- وترعبُ الأطفال
.أعشاشَ عصافير
السيلانيَّةُ المتدليةُ، كدمعةٍ سمراء، من حافةِ الشرفة
من خلفِ النافذة
والمطر
يلوِّحان
ليدِها المرفرفة
بخرقةِ مطبخ مبقَّعة بالصلصة
والزيت
ونجوم الفحم
وهي تلوِّحُ
تلوِّحُ
تلوِّحُ
من البنايةِ المقابلة
من خلفِ حبالِ الغسيلِ والمطر
كأنَّها عاشقة على شاطئٍ أزرق
لاحت
في الأفقِ
.سفينةُ حبيبِها
ليستِ الجسورُ أقواسَ قزح
.غريبانِ في العالم
.غريبانِ عَنْهُ، أصلاً
ما من مدينةٍ
قادرة
على احتوائهما
.في حضنِها
كُلُّ أرضٍ
،خراب
كُلُّ وطنٍ
،خرافة
وليستِ الجسورُ أقواسَ قزحٍ
كي يعبرا
لاجئيْنِ بلا أوراقٍ أو حقائب
من العتمةِ
.إلى الحلم
قلبُهُ الأزرق
وعيناها السمكتان
من مكانٍ بعيدٍ
إسمُهُ
في خرائطِ الأطفال
ورسائل العشَّاق
منذُ أن عرفَ التاريخُ طعمَ الحلوى والقُبُلات
.بلدُ الدموع
حرَّاس الحلم
زارعو الوردِ وسطَ الخراب
حاملو المصابيح في ليلِ العميان
حاضنو العصافير الجريحة في راحاتِهِمْ
إلى أن تستردَّها السماءُ
أجنحةً أو (لا قدَّرَ اللهُ) أرواحًا
الذينَ، بمناديل من لحمٍ ودم، يمسحونَ الدموعَ والعرق
عن خدودِ المُهانين
والجباهِ الذليلة
حرَّاسُ الحلم
بمفاتيح من ضوء
.وسياجٍ من أزهار
العشَّاقُ الذينَ
بأيدٍ بيضاء
ومطارق ملوَّنة
.يرمِّمونَ الأرضَ والأرواح
تحت سقفٍ من نجوم
(طفلٌ يحلمانِ بخطوتِهِ تضيءُ الأرض)
بيت من سُكَّر
بيتٌ من غرفةٍ واحدة
واسعة
.وبدفءِ قُبْلَة
سريرٌ نصفُ غافٍ
يحلمُ
بنخلتيْنِ
تؤرجحانَهُ
،تحتَ سقفٍ من نجوم
خزانةٌ من خشبٍ ومرايا
تنتعِلُ
بقوائمِها الأربع
،جواربَهُما المُهْمَلَة
كنبةٌ كَسِلَة
تشاهدُ الرسومَ المتحرِّكة وتتثاءبُ
ملتحفةً بمعطفِهِ الأسود
،وشالِها الملوَّن
مكتبةٌ عجوز
تضمُّ الكُتُبَ
أطفالاً من ورقٍ
برفوفٍ كانت
في حياةٍ سابقةٍ
،أغصانَها
،زاويةٌ للأكل
،زاويةٌ للرسم
،زاويةٌ لقططٍ مغرورةٍ تقدِّسُ النومَ والعزلة
وفي زاويةٍ من المطبخِ الصغير
الذي لا يصلحُ إلاّ لصناعةِ الحلوى
عاشقان ذائبان
كقطعتيْ سُكَّر
في العناقِ
.والضحك
التوأم
منذُ طفولةٍ لم تعِشْها
منذُ حافرِ حظٍ
كانت ترسمُهُ
ابتسامةً
على شبابيكِ المطر
منذُ أن اكتشفتِ الظلامَ
وخوفَها من الظلامِ
في ليلِ الغربةِ القاسي الطويل
:وهي تنتظرُهُ
فارسٌ
بعينيْن لوزيَّتيْن
وقلبٍ من سُكَّر
بلمسةٍ
يعيدُ الفرحَ مُهْرًا
على جبهتِهِ هلالٌ
.في صهيلِهِ سماءٌ من نجوم
الغريم
يشتعلُ
غيرةً
وجنونًا
من القبلاتِ التي توزِّعُها
أمامَ عينيه
.على حوافِّ الفنجان
!الفنجانُ اللعين
!الفنجانُ المحظوظ
كُلَّ صباحٍ
:تعاودُهُ الخطَّةُ الشرِّيرةُ ذاتُها
سيفلتُهُ من يدِهِ
ويصرخُ من أعماقِ البيت
كطفلٍ أسقطَ كوبَ الحليبِ سَهْوًا
مفتِّتًا غريمَهُ
على بلاطِ المطبخ البارد
:راسمًا على وجهِهِ ابتسامةً محيِّرة
انتصارٌ؟
أم اعتذار؟
لكنَّهُ يتراجعُ دائمًا
في اللحظةِ الأخيرة
ويوبِّخُ نفسَهُ بقسوةٍ و خجل
وهو يتخيَّلُ قبلاتِها الحلوة
مكسورةً
مرميَّة
في الكيسِ الأسود
وسطَ القاذورات
.وبقايا الطعام
حذاء بحجم قصيدة هايكو
كحبَّتيْ كرز
تلمعُ
فردتاهُ
.في راحتيهما
من الكعبيْن الناعميْن
تتدلَّى كرتان
بلونِ الزهرِ
برهافةِ جناحيْن
.في شرنقةِ حرير
حذاءٌ بحجمِ قصيدةِ هايكو
لطفلٍ
يحلمان
بخطوتِهِ
.تضيءُ الأرض
خلافات يوميَّة
يحبُّها وتحبُّهُ
لكنَّ كلابه لا تحبُّ قططَها
وقططها لا تحبُّ عصافيرَهُ
والفراشاتُ
هي الأُخرى
لا تحبُّ مثلَ هذه الخلافات اليوميَّة
تحتَ سقفٍ
.من أجنحتِها
دمعة أكبر من السماء
(رسماها، بأنفاسِها وبطرفِ إصبعِهِ، على زجاجٍ مكسور)
دموع سوداء
ليلٌ ناصعٌ
على النوافذ
الحيطان
صوتِهِ الشاحبِ
شمعةً تحتَ المطر
.وظلالِ يديها المرتعشة
ليلٌ ناصعٌ
وفجأةً
قطَّةٌ بكثافةِ غيمة
بقتامةِ قلبِهِ حينَ تهدِّدُهُ بالهجر
بحجمِ قلبِها حينَ يخاف
تنقِّطُ على شرشفِ الليلِ نجومَ عينيها
.دموعًا سوداء
دموع الأسماك
يضعُ أذنَهُ على صَدَفَةِ قلبِها
ليصغيَ
.إلى البحر
بعينيْن مغمضتين
يراها
طفلةً ترسمُ بدمعاتِها الدوائرَ في ماءِ روحِهِ
:وتسألُ
هل تبكي الأسماكُ"
مثلَنا
في الأعماقِ
."حينَ تكونُ وحيدةً وحزينة؟
قطرات ندى
رأسُها على كتفِهِ
.زهرةَ ليمونٍ على غصنٍ مكسور
شاحبةٌ
شاردة
.شبحٌ يواجهُ غيابَهُ في مرآةٍ عميقة
ليسَ هذا السقفُ المنخفضُ سماءً"
وهذه النافذةُ الشحيحةُ
."ليست قمرًا
في العمقِ
ينتفضُ قلبُها
صغيرًا
خائفًا
.قبرَ طفل
بصوتٍ راجفٍ
شمعةً على وشكِ العتمةِ
:تهمسُ
الحبُّ لا يصنعُ المعجزات"
"هو، بحدِّ ذاتِهِ، معجزة
فيما دمعاتُها تتساقطُ
قطراتِ ندى
على قُطْنِ بيجامتِهِ
.وأنفاسِهِ الغافية
يذرفُ السماءَ في دمعة
في الليلِ"
لا تتركيني
.وحيدًا
،ترعبُني العتمةُ
،صوتي مصباحٌ مكسور
والنجومُ
إن غابت ضحكتُكِ
."مرايا جارحة
بلا أملٍ
بأصابعٍ من مطر
يتشبَّثُ بطرفِ منديلِها الأزرق
.ويبكي
...بعدَ أن كانت لؤلؤةً بين كفّيْه
تُفْلِتُ
من بينَ ذراعيهِ
دمعةً
لا يتَّسِعُ
لانهمارِها
.منديل
الحبُّ
بمثلِ هذا العمقِ
وهذه الزرقةِ الشاسعة
بحرٌ
ينتحرُ
غرقًا
.في دموعِه
الفراشة لا تطير بجناح واحد
(عُكَّازان على دربيْن تتباعدان في الظلام)
بالون وحيد
ما زالت تعتني
كُلَّ صباحٍ
.بياسمينِ شرفتِها
يراها
من ركنٍ بعيدٍ
عندَ منعطفِ الشارعِ
تسقي بماءِ عينيْها شتلتَها الصغيرة
تفتِّتُ حنانَها للحمامِ خُبْزًا
تبتسمُ
لبائع البالوناتِ العابرِ
بعربتِهِ الخشبيَّةِ
وأجنحتِهِ الكثيرة
على الرصيفِ المقابل
ثمَّ تختفي فجأةً
خلفَ الستارةِ
دونَ أن تراهُ
يلوِّحُ
ببالونٍ وحيد
.لنافذتِها المغلقة
البشرُ الذينَ حدَّثَتْهُ عن آلامِهِمْ طويلًا
وقفَ
يتأمَّلُهُمْ
:بدموعِ عينيه
بوجوهٍ أذابَ ملامحَها البكاءُ
بأكُفٍّ متشقِّقة
حُفاةً
شبهَ عُراةٍ
يرقِّعونَ حذاءَ الحياةِ بجلودِهِمْ
لئلاَّ تتوقَّف
لتستمرَّ في السيرِ بمصباحِها أمامَهُمْ
لعلَّهُمْ، ذاتَ يومٍ، يلحقونَ بخطوتِها ويعبرون
بأعمارٍ مهترئة
وحمارٍ أعرج
إلى الرصيفِ الآخر
حيثُ يقفُ رجلٌ
في معطفٍ أنيقٍ
يمسحُ زجاجَ نظَّارتِهِ
ويبتسمُ
مثلَ قوسِ قُزحٍ
.مقلوب
البشرُ يطلُّونَ على الحلمِ عبرَهُما
للنافذةِ
:درفتان
عاشقٌ ومعشوق
يتعانقان
ويفترقان
.ليتعانقا من جديد
كأنَّما طفلانِ يلعبانِ على شُرْفةِ وردٍ
.والنسائمُ أراجيح
بينهما
شمسٌ وقمرٌ ونجوم
تسبيحُ يمامٍ
أغنياتُ عصافير
أزهارٌ بألوانِ الفرح
بشرٌ
يطلُّونَ
على الحلمِ
.عبرَهُما
ضحكاتُ المطرِ على الحواف
.تعيدُهُما شجرةً في غابة
دموعُهُ
كُلَّما تجمَّعت في شقوقِ الخشبِ
تسيلُ
بملامحهما
.طلاءً أزرق
في البركةِ الموحلةِ
يسبحُ فمُهُ
باحثًا عن خدِّها
ليطمئنَها بقبلةٍ خفيفةٍ
ليهمسَ
بشفتيْهِ المرتعشتيْنِ
في أذنِها الطافيةِ
:هلالاً صغيرًا في العتمةِ
،لا تخافي يا حبيبتي"
الزمنُ
كعادتِهِ
سيرسمُ لنا وجهين جديدين
هناكَ
في الأعالي
حيثُ أكفُّنا تلوِّحُ
في الريحِ
."ستائرَ بيضاء
زمن الوردة
يُحكى
أنَّ عاشقيْنِ
في زمنٍ قديمٍ
.دُفِنا في حفرةٍ واحدة
:لنتخيَّلَ المشهد
هيكلان عظميَّان
مُمدَّدان جنبًا إلى جنبٍ
كما لو أنَّ الترابَ سريرٌ من عشبٍ
والدودَ الذي ينهشُ اللحمَ الباردَ
.فراشاتٌ تنقلُ القبلاتِ في رحيقِها
هل قُتِلا؟
انتحرا معًا؟
أم أنَّهُما من ضحايا الكوليرا؟
تجاهلَ الرواةُ
عبرَ العصورِ
هذه التفاصيل العابرة
لتسطعَ
في الحكايةِ
وردةٌ حمراء
نبتَتْ
من الترابِ الذي احتضنَ العاشقيْنِ في عناقٍ أخيرٍ
جذورُها عظامُ أصابعِهِما
المتشابكةُ في الموتِ
.كما في الحياة
بعدَ ألفِ عامٍ تقريبًا
من زمنِ الوردة
وفي زاويةٍ صغيرةٍ من جريدة
خبرٌ عن طائرةٍ تحطَّمَتْ
عن علبةٍ سوداء مفقودة
عن غوَّاصٍ من فرقةِ الإغاثة
عثرَ
في أعماقِ البحرِ
:على ما يُشبِهُ وردةً حمراء
يدان متعانقان
انفصلتا عن جسديْهِما
دونَ أن تنفصلَ الواحدةُ عن الأخرى
.دونَ أن يفترقَ العاشقان
من يكملُ الحلم؟
(عن نفسي، أتوقَّفُ هنا)
جسرٌ خشبيٌّ أخضر"
زوارقُ تضيءُ النهرَ والشبابيكَ بعبورِها
معاطفُ بردانةٌ
بظلالِها العاريةِ
.تكسو الأشجارَ والتماثيل
في مرآةِ الماءِ
السوداء العميقة
.وجهان ملتصقا الخدَّيْنِ والدموع
."كأسانِ في نخبٍ أخير
أفتحُ عينيَّ فجأةً
على سقفٍ و شمسٍ وصُداع
ليختفي
في غبارِ الضوءِ
خلفَ أشباحِ الستائر
ليلٌ
وجسرٌ
:وعاشقان
ولدٌ جميلٌ
كانَ من الممكنِ أن ألتقيهِ في الحياة
،لولا كُلِّ هذه الجدران خلفَ السنين
بنتٌ تشبهُني
.حينما كنتُ أشبهُ نفسي
غادرتُهُما هناك
حيثُ الشارع الطويل
حيثُ المفرق
.حيثُ حقيبة ورسالة ونجوم تتساقطُ فوقَ المطر
هل افترقا فعلاً؟
أغمضُ
فاقدةً للنومِ
عاجزةً عن إعادتِهِما إلى بعض
.إليَّ
قلبي مثقوبٌ
.وردتي مجروحة
.أتوقَّفُ هنا
.من يكملُ الحلم؟
(لئلاَّ نبتذلَ أشواقَهُما بالتشويق)
.عاشقان في الليل
خائفان
كدمعتين
في عينيْ طفلٍ
مثقوبِ القلب
.وردتُهُ مجروحة
معطفُهُ على كتفيها
ذراعُها حول عنقِهِ
يرتعشان
بردًا وعتمة
مثلَ ورقتيْ شجرةٍ
.شبهِ عارية
يحبُّها
وتحبُّهُ
لكنَّهُما
عندَ نهايةِ الشارعِ الطويل
.سيفترقان
انظروا إلى الرسالةِ التي
يسطعُ
طرفُها الشاحبُ
،من حقيبةِ يدِها
انظروا إلى المصابيح التي تنطفئُ
إثرَ خطواتهما
سربَ نجومٍ
.تتساقطُ أجنحتُه
سيمضي
وحيدًا
بدموعِها الساخنة
على خدِّهِ
وستختفي هي
عندَ المفرقِ
متكئةً
على ظلِّها
:وحنانِ كلماتِهِ الأخيرة
."صَحِبَتْكِ الملائكةُ يا حبيبتي"
كم أنتَ قاسٍ
.!أيُّها العالم
عاشق ومعشوق
(تمامًا كما في المشربيَّاتِ التي تمنحُ الضوءَ أشكالَهُ)
كما لو في حلم
كان يحلمُ
وكانت، هي أيضًا، تحلمُ
وفي معادلةٍ عجيبةٍ
تعجزُ عن تفسيرِها كلُّ علومِ العالم)
(ويشرحُها، بكُلِّ بساطةٍ، بائعُ وردٍ متجوِّل
التقيا
كما لو في حلمٍ
وحينَ تعانقت أصابعُهُما
لأوَّلِ مرَّةٍ
ابتسما
ابتسامةً كبيرة
مثلَ قمرٍ
اكتملَ
:بنجمتيْنِ
يدُهُ
ويدُها
المشبوكتانِ
.بوردةٍ حمراء
قوس قزح
كُلَّما ابتسمَ الهلالُ
في ظلِّ نجمتيْن
عادتِ السماءُ
،وجهًا
وكُلَّما اختلسا تحتَ المطرِ قُبْلَةً
استعادَ الحبُّ
كما لو بمعجزةٍ
.ألوانَهُ السبعة
...بعدَ أن كانت سمكةً عطْشى
يدُها الصغيرةُ
بينَ كفَّيْهِ
لؤلؤةٌ
.في حضنِ صَدَفَتِها
لهذا الحبِّ الصافي
مطرًا
ينهمرُ
إلى أعلى
يدينُ البحرُ
.بزُرْقَتِه
وله
أهي الوجوهُ كُلُّها
تُشْبِهُهُ؟
أم أنَّها
لِفَرطِ الوَلَعِ
في كُلِّ وجهٍ عابرٍ
.تراهُ؟
كواكب و نجوم من قمح
لأنَّهُ يحبُّها
يصعدُ
كُلَّ ليلةٍ
على سلالمِ العتمةِ
بقدميْنِ حافيتيْن
خشيةً أن يدنِّسَ السماءَ بحذاءٍ
لا ينزلُ
إلاَّ والقمر في يدِهِ
رغيفًا يفتِّتُهُ
على شكلِ كواكب ونجوم صغيرة
.دونَ أن يهدرَ حبَّةَ قمحٍ واحدة
بالتساوي
بالعدلِ الذي لا تعرفُهُ سوى أصابع عاشق
يوزِّعُ كعكاتِهِ الدافئةَ
على أطفالِ الشوارع
على شبابيكِ النائمينَ دونَ عشاءٍ أو أمل
.على الكلابِ والقططِ الضالَّةِ أيضًا
فقط
.لأنَّهُ يحبُّها
من أحبَّ إنسانًا
.أحبَّ الناسَ جميعًا
بلد الدموع
(ذلكَ الذي لا نستدلُّ على مكانِهِ إلاَّ من خرائط الأطفال)
البلياتشو ذو الدموع الملوَّنة
مكوَّمًا
مُهْمَلاً
.مثلَ خرقةٍ قديمة
على مصطبةٍ ملطَّخةٍ بدموعِهِ
الزرقاء
الخضراء
الحمراء
المنهمرة
بمساحيقِهِ الرخيصة
على الخشبِ المهترئ
وجوخِ قبَّعتِهِ الداكنة
المضاءة
فجأةً
بقمرٍ فضيٍّ من جيبِهِ
.وزهرةٍ، من شَعْرِها، بيضاء
الولدُ و البنتُ الجميلان
كقمرٍ فضيٍّ
.وزهرةٍ بيضاء
المتوسِّلُ... بنظرةٍ مثقوبة
بعينيْن مفقوءتيْن
يتوسَّلُ نظرةَ حنانٍ صافية
نظرةً واحدة
لا يعكِّرُها اشمئزازٌ
ولا تبتذلُها شفقة
نظرةَ إنسانٍ
لأخيهِ الإنسان
لكنَّ العابرينَ سريعًا بمعاطفهم
لا يرونَ فيهِ
سوى متسوِّلٍ معوَّق
في زاويةٍ من رصيف
يقذفونَ في راحةِ يدِهِ المتشقِّقة
قروشًا قليلةً
.ويختفون
وحدهما الولد والبنت المتعانقان
ضفيرةً من لحمٍ ودم
تحتَ مظلَّةٍ ملوَّنة
وضعا، برفقٍ، في ثقبيْهِ العميقيْنِ
قطعةً من الخبزِ المُحلَّى
وكمشةَ زبيبٍ وياسمين
متوهِّميْن أنَّهُ شجرةً
وأنَّ تجاويفَ جمجمتِهِ
هذه التي تقرفُ الناسَ -
- وترعبُ الأطفال
.أعشاشَ عصافير
السيلانيَّةُ المتدليةُ، كدمعةٍ سمراء، من حافةِ الشرفة
من خلفِ النافذة
والمطر
يلوِّحان
ليدِها المرفرفة
بخرقةِ مطبخ مبقَّعة بالصلصة
والزيت
ونجوم الفحم
وهي تلوِّحُ
تلوِّحُ
تلوِّحُ
من البنايةِ المقابلة
من خلفِ حبالِ الغسيلِ والمطر
كأنَّها عاشقة على شاطئٍ أزرق
لاحت
في الأفقِ
.سفينةُ حبيبِها
ليستِ الجسورُ أقواسَ قزح
.غريبانِ في العالم
.غريبانِ عَنْهُ، أصلاً
ما من مدينةٍ
قادرة
على احتوائهما
.في حضنِها
كُلُّ أرضٍ
،خراب
كُلُّ وطنٍ
،خرافة
وليستِ الجسورُ أقواسَ قزحٍ
كي يعبرا
لاجئيْنِ بلا أوراقٍ أو حقائب
من العتمةِ
.إلى الحلم
قلبُهُ الأزرق
وعيناها السمكتان
من مكانٍ بعيدٍ
إسمُهُ
في خرائطِ الأطفال
ورسائل العشَّاق
منذُ أن عرفَ التاريخُ طعمَ الحلوى والقُبُلات
.بلدُ الدموع
حرَّاس الحلم
زارعو الوردِ وسطَ الخراب
حاملو المصابيح في ليلِ العميان
حاضنو العصافير الجريحة في راحاتِهِمْ
إلى أن تستردَّها السماءُ
أجنحةً أو (لا قدَّرَ اللهُ) أرواحًا
الذينَ، بمناديل من لحمٍ ودم، يمسحونَ الدموعَ والعرق
عن خدودِ المُهانين
والجباهِ الذليلة
حرَّاسُ الحلم
بمفاتيح من ضوء
.وسياجٍ من أزهار
العشَّاقُ الذينَ
بأيدٍ بيضاء
ومطارق ملوَّنة
.يرمِّمونَ الأرضَ والأرواح
تحت سقفٍ من نجوم
(طفلٌ يحلمانِ بخطوتِهِ تضيءُ الأرض)
بيت من سُكَّر
بيتٌ من غرفةٍ واحدة
واسعة
.وبدفءِ قُبْلَة
سريرٌ نصفُ غافٍ
يحلمُ
بنخلتيْنِ
تؤرجحانَهُ
،تحتَ سقفٍ من نجوم
خزانةٌ من خشبٍ ومرايا
تنتعِلُ
بقوائمِها الأربع
،جواربَهُما المُهْمَلَة
كنبةٌ كَسِلَة
تشاهدُ الرسومَ المتحرِّكة وتتثاءبُ
ملتحفةً بمعطفِهِ الأسود
،وشالِها الملوَّن
مكتبةٌ عجوز
تضمُّ الكُتُبَ
أطفالاً من ورقٍ
برفوفٍ كانت
في حياةٍ سابقةٍ
،أغصانَها
،زاويةٌ للأكل
،زاويةٌ للرسم
،زاويةٌ لقططٍ مغرورةٍ تقدِّسُ النومَ والعزلة
وفي زاويةٍ من المطبخِ الصغير
الذي لا يصلحُ إلاّ لصناعةِ الحلوى
عاشقان ذائبان
كقطعتيْ سُكَّر
في العناقِ
.والضحك
التوأم
منذُ طفولةٍ لم تعِشْها
منذُ حافرِ حظٍ
كانت ترسمُهُ
ابتسامةً
على شبابيكِ المطر
منذُ أن اكتشفتِ الظلامَ
وخوفَها من الظلامِ
في ليلِ الغربةِ القاسي الطويل
:وهي تنتظرُهُ
فارسٌ
بعينيْن لوزيَّتيْن
وقلبٍ من سُكَّر
بلمسةٍ
يعيدُ الفرحَ مُهْرًا
على جبهتِهِ هلالٌ
.في صهيلِهِ سماءٌ من نجوم
الغريم
يشتعلُ
غيرةً
وجنونًا
من القبلاتِ التي توزِّعُها
أمامَ عينيه
.على حوافِّ الفنجان
!الفنجانُ اللعين
!الفنجانُ المحظوظ
كُلَّ صباحٍ
:تعاودُهُ الخطَّةُ الشرِّيرةُ ذاتُها
سيفلتُهُ من يدِهِ
ويصرخُ من أعماقِ البيت
كطفلٍ أسقطَ كوبَ الحليبِ سَهْوًا
مفتِّتًا غريمَهُ
على بلاطِ المطبخ البارد
:راسمًا على وجهِهِ ابتسامةً محيِّرة
انتصارٌ؟
أم اعتذار؟
لكنَّهُ يتراجعُ دائمًا
في اللحظةِ الأخيرة
ويوبِّخُ نفسَهُ بقسوةٍ و خجل
وهو يتخيَّلُ قبلاتِها الحلوة
مكسورةً
مرميَّة
في الكيسِ الأسود
وسطَ القاذورات
.وبقايا الطعام
حذاء بحجم قصيدة هايكو
كحبَّتيْ كرز
تلمعُ
فردتاهُ
.في راحتيهما
من الكعبيْن الناعميْن
تتدلَّى كرتان
بلونِ الزهرِ
برهافةِ جناحيْن
.في شرنقةِ حرير
حذاءٌ بحجمِ قصيدةِ هايكو
لطفلٍ
يحلمان
بخطوتِهِ
.تضيءُ الأرض
خلافات يوميَّة
يحبُّها وتحبُّهُ
لكنَّ كلابه لا تحبُّ قططَها
وقططها لا تحبُّ عصافيرَهُ
والفراشاتُ
هي الأُخرى
لا تحبُّ مثلَ هذه الخلافات اليوميَّة
تحتَ سقفٍ
.من أجنحتِها
دمعة أكبر من السماء
(رسماها، بأنفاسِها وبطرفِ إصبعِهِ، على زجاجٍ مكسور)
دموع سوداء
ليلٌ ناصعٌ
على النوافذ
الحيطان
صوتِهِ الشاحبِ
شمعةً تحتَ المطر
.وظلالِ يديها المرتعشة
ليلٌ ناصعٌ
وفجأةً
قطَّةٌ بكثافةِ غيمة
بقتامةِ قلبِهِ حينَ تهدِّدُهُ بالهجر
بحجمِ قلبِها حينَ يخاف
تنقِّطُ على شرشفِ الليلِ نجومَ عينيها
.دموعًا سوداء
دموع الأسماك
يضعُ أذنَهُ على صَدَفَةِ قلبِها
ليصغيَ
.إلى البحر
بعينيْن مغمضتين
يراها
طفلةً ترسمُ بدمعاتِها الدوائرَ في ماءِ روحِهِ
:وتسألُ
هل تبكي الأسماكُ"
مثلَنا
في الأعماقِ
."حينَ تكونُ وحيدةً وحزينة؟
قطرات ندى
رأسُها على كتفِهِ
.زهرةَ ليمونٍ على غصنٍ مكسور
شاحبةٌ
شاردة
.شبحٌ يواجهُ غيابَهُ في مرآةٍ عميقة
ليسَ هذا السقفُ المنخفضُ سماءً"
وهذه النافذةُ الشحيحةُ
."ليست قمرًا
في العمقِ
ينتفضُ قلبُها
صغيرًا
خائفًا
.قبرَ طفل
بصوتٍ راجفٍ
شمعةً على وشكِ العتمةِ
:تهمسُ
الحبُّ لا يصنعُ المعجزات"
"هو، بحدِّ ذاتِهِ، معجزة
فيما دمعاتُها تتساقطُ
قطراتِ ندى
على قُطْنِ بيجامتِهِ
.وأنفاسِهِ الغافية
يذرفُ السماءَ في دمعة
في الليلِ"
لا تتركيني
.وحيدًا
،ترعبُني العتمةُ
،صوتي مصباحٌ مكسور
والنجومُ
إن غابت ضحكتُكِ
."مرايا جارحة
بلا أملٍ
بأصابعٍ من مطر
يتشبَّثُ بطرفِ منديلِها الأزرق
.ويبكي
...بعدَ أن كانت لؤلؤةً بين كفّيْه
تُفْلِتُ
من بينَ ذراعيهِ
دمعةً
لا يتَّسِعُ
لانهمارِها
.منديل
الحبُّ
بمثلِ هذا العمقِ
وهذه الزرقةِ الشاسعة
بحرٌ
ينتحرُ
غرقًا
.في دموعِه
الفراشة لا تطير بجناح واحد
(عُكَّازان على دربيْن تتباعدان في الظلام)
بالون وحيد
ما زالت تعتني
كُلَّ صباحٍ
.بياسمينِ شرفتِها
يراها
من ركنٍ بعيدٍ
عندَ منعطفِ الشارعِ
تسقي بماءِ عينيْها شتلتَها الصغيرة
تفتِّتُ حنانَها للحمامِ خُبْزًا
تبتسمُ
لبائع البالوناتِ العابرِ
بعربتِهِ الخشبيَّةِ
وأجنحتِهِ الكثيرة
على الرصيفِ المقابل
ثمَّ تختفي فجأةً
خلفَ الستارةِ
دونَ أن تراهُ
يلوِّحُ
ببالونٍ وحيد
.لنافذتِها المغلقة
البشرُ الذينَ حدَّثَتْهُ عن آلامِهِمْ طويلًا
وقفَ
يتأمَّلُهُمْ
:بدموعِ عينيه
بوجوهٍ أذابَ ملامحَها البكاءُ
بأكُفٍّ متشقِّقة
حُفاةً
شبهَ عُراةٍ
يرقِّعونَ حذاءَ الحياةِ بجلودِهِمْ
لئلاَّ تتوقَّف
لتستمرَّ في السيرِ بمصباحِها أمامَهُمْ
لعلَّهُمْ، ذاتَ يومٍ، يلحقونَ بخطوتِها ويعبرون
بأعمارٍ مهترئة
وحمارٍ أعرج
إلى الرصيفِ الآخر
حيثُ يقفُ رجلٌ
في معطفٍ أنيقٍ
يمسحُ زجاجَ نظَّارتِهِ
ويبتسمُ
مثلَ قوسِ قُزحٍ
.مقلوب
البشرُ يطلُّونَ على الحلمِ عبرَهُما
للنافذةِ
:درفتان
عاشقٌ ومعشوق
يتعانقان
ويفترقان
.ليتعانقا من جديد
كأنَّما طفلانِ يلعبانِ على شُرْفةِ وردٍ
.والنسائمُ أراجيح
بينهما
شمسٌ وقمرٌ ونجوم
تسبيحُ يمامٍ
أغنياتُ عصافير
أزهارٌ بألوانِ الفرح
بشرٌ
يطلُّونَ
على الحلمِ
.عبرَهُما
ضحكاتُ المطرِ على الحواف
.تعيدُهُما شجرةً في غابة
دموعُهُ
كُلَّما تجمَّعت في شقوقِ الخشبِ
تسيلُ
بملامحهما
.طلاءً أزرق
في البركةِ الموحلةِ
يسبحُ فمُهُ
باحثًا عن خدِّها
ليطمئنَها بقبلةٍ خفيفةٍ
ليهمسَ
بشفتيْهِ المرتعشتيْنِ
في أذنِها الطافيةِ
:هلالاً صغيرًا في العتمةِ
،لا تخافي يا حبيبتي"
الزمنُ
كعادتِهِ
سيرسمُ لنا وجهين جديدين
هناكَ
في الأعالي
حيثُ أكفُّنا تلوِّحُ
في الريحِ
."ستائرَ بيضاء
زمن الوردة
يُحكى
أنَّ عاشقيْنِ
في زمنٍ قديمٍ
.دُفِنا في حفرةٍ واحدة
:لنتخيَّلَ المشهد
هيكلان عظميَّان
مُمدَّدان جنبًا إلى جنبٍ
كما لو أنَّ الترابَ سريرٌ من عشبٍ
والدودَ الذي ينهشُ اللحمَ الباردَ
.فراشاتٌ تنقلُ القبلاتِ في رحيقِها
هل قُتِلا؟
انتحرا معًا؟
أم أنَّهُما من ضحايا الكوليرا؟
تجاهلَ الرواةُ
عبرَ العصورِ
هذه التفاصيل العابرة
لتسطعَ
في الحكايةِ
وردةٌ حمراء
نبتَتْ
من الترابِ الذي احتضنَ العاشقيْنِ في عناقٍ أخيرٍ
جذورُها عظامُ أصابعِهِما
المتشابكةُ في الموتِ
.كما في الحياة
بعدَ ألفِ عامٍ تقريبًا
من زمنِ الوردة
وفي زاويةٍ صغيرةٍ من جريدة
خبرٌ عن طائرةٍ تحطَّمَتْ
عن علبةٍ سوداء مفقودة
عن غوَّاصٍ من فرقةِ الإغاثة
عثرَ
في أعماقِ البحرِ
:على ما يُشبِهُ وردةً حمراء
يدان متعانقان
انفصلتا عن جسديْهِما
دونَ أن تنفصلَ الواحدةُ عن الأخرى
.دونَ أن يفترقَ العاشقان
من يكملُ الحلم؟
(عن نفسي، أتوقَّفُ هنا)
جسرٌ خشبيٌّ أخضر"
زوارقُ تضيءُ النهرَ والشبابيكَ بعبورِها
معاطفُ بردانةٌ
بظلالِها العاريةِ
.تكسو الأشجارَ والتماثيل
في مرآةِ الماءِ
السوداء العميقة
.وجهان ملتصقا الخدَّيْنِ والدموع
."كأسانِ في نخبٍ أخير
أفتحُ عينيَّ فجأةً
على سقفٍ و شمسٍ وصُداع
ليختفي
في غبارِ الضوءِ
خلفَ أشباحِ الستائر
ليلٌ
وجسرٌ
:وعاشقان
ولدٌ جميلٌ
كانَ من الممكنِ أن ألتقيهِ في الحياة
،لولا كُلِّ هذه الجدران خلفَ السنين
بنتٌ تشبهُني
.حينما كنتُ أشبهُ نفسي
غادرتُهُما هناك
حيثُ الشارع الطويل
حيثُ المفرق
.حيثُ حقيبة ورسالة ونجوم تتساقطُ فوقَ المطر
هل افترقا فعلاً؟
أغمضُ
فاقدةً للنومِ
عاجزةً عن إعادتِهِما إلى بعض
.إليَّ
قلبي مثقوبٌ
.وردتي مجروحة
.أتوقَّفُ هنا
.من يكملُ الحلم؟